في مذكراته، لم يعتذر دوق ساسكس عن قتل الأفغان في أثناء خدمته العسكرية، فيما كان يحاول تصوير نفسه على أنه الأخ المظلوم في دراما ملكية فوضويَّة.
قليلون ينسون رمز الرجولة الأمريكية في هوليوود في السبعينيات، "القذر" هاري كالاهان. غالباً ما كان كالاهان، المفتش في قسم شرطة سان فرانسيسكو، يتجاوز حدود الاتفاقية (والقانون) "لإنجاز المهمة" ووقف الأشرار في مساراتهم، وغالباً ما يكون ذلك بشكل مميت. مع علامته التجارية Smith and Wesson Model 29، غالباً ما كان هاري يطلق النار أولاً، ثم يطرح الأسئلة لاحقاً، ولا يظهر عليه أي علامات للندم.
القضية هنا إنه شخصية خيالية من عصر مضى منذ ذلك الحين، غير أن ما يزعجني بشدة أنه لا يمكنني قول الشيء نفسه عن دوق ساسكس، الأمير هاري.
يتخيل الأمير البريطاني الشائن، نفسَه الآن على أنه ردّ الأرستقراطية البريطانية على الأبطال الأمريكيين، فبدلاً من Model29، يتفاخر بطائرة حربية من طراز أباتشي الأكثر فتكاً، التي أدّت إلى مقتل عشرات من الأفغان حسبما أورد في مذكراته.
لماذا يشعر الأمير الثري الذي تحول إلى شخص اجتماعي بالحاجة إلى كتابة سيرة ذاتية كاملة في سنّ الثامنة والثلاثين؟ هو سؤال تصعب الإجابة عنه. لكن ما هو واضح أنه لا يهتمّ كثيراً بالدماء التي أراقها، ما دام حصل على صفقة نشر منها وجنى بعض المال من خلال إضافة مزيد من حسّ الفضيحة إلى حياته.
قاتل بدم بارد أم أخ صغير مظلوم؟
السيرة الذاتية لهاري -بعنوان Spare، لأنه شعر كأنه إطار احتياطي مقارنة بأخيه الأكبر ووريث التاج البريطاني الأمير ويليام- لم يكن من المقرر إطلاقها حتى الأسبوع المقبل. مع ذلك طُرحَت النسخة الإسبانية للبيع في وقت مبكّر عن طريق الخطأ، وبالتالي أصبحت الصحافة التي يكرهها هاري بشدة تقتات عليها.
على الرغم من أنني لم أقرأها، ولن أضيع وقتي في قراءتها، فإن المقتطفات التي نشرتها الآن على نطاق واسع وسائل الإعلام هي مأساوية، ومروّعة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كوميدية. من الواضح أن هاري يحاول تصوير نفسه على أنه نوع من البطل المأساوي، بعد أن قاتل من أجل بلاده، وخدم عائلته بإخلاص، والآن -بسبب اختياره لزوجته، الممثلة الأمريكية ميغان ماركل- يحاول في مذكراته الدفاع عمَّا يعتقده صواباً في وجه عائلة عنصرية، إذ لم يمنعه ذلك من ترك ثروته وألقابه الملكية.
لكنني على يقين من أن الأفكار المتعلقة بالعرق كانت بعيدة عن ذهن هاري، إذ اعترف بقتل ما لا يقلّ عن 25 أفغانياً خلال خدمته العسكرية هناك. لا، بل أكثر من ذلك، فإن الأمير الذي اعتقد ذات مرة أنها فكرة عظيمة أن يتم استعراضه باعتباره نازياً لا يمكن أن يكون عنصرياً.
والأكثر تسلية أن هاري استخدم مذكراته لاتهام الأمير ويليام وزوجته بتشجيعه على ارتداء زي الرايخ الثالث. ميغان يمكن أن ترتاح بسهولة، مع العلم أن زوجها مصاب بعمى اللون والعرق، وأنه في الواقع، مرة أخرى، كان خطأ عائلة هاري.
لا عجب إذن من أنه يدّعي أيضاً أن ويليام خشي منه مؤخراً في جدال حول ميغان. كان وريث العرش البريطاني غاضباً جدّاً من شقيقه الأصغر، لدرجة أنه على ما يبدو أمسكه من ياقته وأوقعه على ظهره، تاركاً عليه "خدوشاً وكدمات". بعد هذا الادّعاء، من الواضح تماماً أن هاري ليس هاري "القذر" بعد كل شيء.
لا أحد يتعاطف معه
هذه من بين عديد من العلامات التي تدل على أن هاري لا يتحمل أي مسؤولية عن حياته ومسارها. في وصفه عشرات الأفغان الذين قتلهم، قال هاري إنه "لم يفكر [بهم] على أنهم 25 شخصاً"، لكنهم كانوا بدلاً من ذلك "قطع الشطرنج التي نُزعَت من اللوحة". والأكثر إدانة، أنه يدّعي أن الجيش البريطاني "درّبني على اعتبارهم (آخرين)، وقد درّبوني جيداً".
مع ذلك، فإن تعليق هاري المروّع فظيع لدرجة أن رفاقه في السلاح في القوات المسلحة البريطانية نأوا بأنفسهم عنه، واتهموه بالتورط في "عملية احتيال مأساوية لكسب المال" ووبّخهوه على أنه "انقلب على عائلته الأخرى، الجيش، التي احتضنته ذات مرة [حتى بعد أن] حطم عائلته".
هذه كلمات قاسية بالتأكيد، ومع ذلك لم تكن شكاوى مماثلة حول قدرته على "الآخرين"، أي الأفغان الذين كُلّف قتلهم، حتى عندما قارن القتال وانتزاع الأرواح بألعاب فيديو قبل عقد تقريباً. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى هاري على أنه شخصية ملكية شريرة، منخرط في سلوك غير لائق ولكنه مثير للاهتمام استحوذ على مخيّلة الجمهور البريطاني من خلال صحفها الصفراء الشائنة وتغطيتها الدنيئة.
مع ذلك، لم يعُد الآن يُنظر إليه بعين العطف بعد أن ألقى بقصته مع ممثلة أمريكية وألقى على ما يبدو عائلته تحت الحافلة، فقد انقلب المجتمع البريطاني ووسائل الإعلام ضده. على الرغم من أن رد الفعل قد يبدو غير عادل على الأمير، إلا أنني أفضّل كثيراً التفكير في أولئك الذين دُرّب هاري على أنهم دون البشر حتى يتمكّن من النوم جيداً بعد يوم شاقّ من القتل.
نعلم جميعاً نوع جرائم الحرب التي ارتكبها الغرب في أفغانستان، من الغارات الليلية إلى فرق الموت. هذا النوع من السلوك ليس استثنائيا لهاري، وهو في الواقع متأصل بعمق في عقليات عديد من كبار صانعي السياسة والشخصيات البريطانية، بما في ذلك، على ما يبدو، العائلة المالكة.
لقد تركت قرون من الاستعمار ومعاملة الثقافات والأعراق الأخرى على أنها غير بشرية بصماتها على كثير من روح المؤسسة البريطانية، ولا يختلف هاري في هذا الصدد. مع ذلك، بصفته أميراً رفيع المستوى، فهو الهدف الأنسب لتوجيه انتقادنا.
إن أميراً يسلّط الضوء على نفسه من خلال نشر الكتب وإبرام الصفقات مع عمالقة الإعلام مثل Netflix، حتى عندما يُدين الصعوبات التي تصاحبه كونه ملكاً بريطانيّاً، يتظاهر طوال الوقت بأنه يفضِّل أن يعيش "حياة طبيعية".
مع ذلك فإن الحياة الطبيعية لا تعني التظاهر بأن البشر ليسوا بشراً على الإطلاق، وتحييدهم كأنهم ليسوا أكثر من لعبة لأمير يشعر بالملل.
لذلك، مع كل هذه الاعترافات أقول: "ابكِ يا هاري، ولا تنسَ أن تمسح دموعك الدموية بملايينك".
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.