وهذا بالتأكيد لن يتحقق ما دامت هذه الدولة أو تلك تعتمد 100% على الغرب والدول الكبرى ولوبيات السلاح في بناء وتجهيز قواتها المسلحة، وستبقى حينها رهينة لهم ولأطماعهم وابتزازهم وشروطهم التعجيزية.
من خلال كل ما تَقدَّم فإننا نجد أن تركيا ومن خلال سعيها نحو استقلالها في القرار السياسي والاقتصادي، سعت وتسعى دائماً إلى خلق وإيجاد السبل كافةً التي تحافظ فيها على استقلاليتها ومركزيتها في صناعة القرار.
وخلال العقدين الماضيين باتت تركيا من أكثر الدول التي وعت وأدركت أهمية الاعتماد على التصنيع العسكري المحلي المتقدم بأنواعه كافة، وباتت تعمل بصمت للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في كثير من العتاد والتجهيزات القتالية المتقدمة، لا بل والعمل الناجح على إيجاد سوق لها وتصديرها لكثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا وقرابة 150 دولة أخرى.
تركيا والتحرُّر التدريجي من قيود الاعتماد الدفاعي على الغير
بلا أدنى شك فإن الضغوط الخارجية والعقوبات الأمريكية على أنقرة كان لها الدور الأهمّ في تحفيزها على تطوير الصناعات العسكرية، التي زاد زخمها في ظلّ قيادة الرئيس أردوغان.
فتركيا ترى أن هذه العقوبات كانت ولا تزال تستهدف قطع الطريق على جهودها لتطوير مشاريعها التصنيعية الدفاعية، وأن ردود فعل أنقرة ستكون بزيادة الإنتاج المحلي للأسلحة المتقدمة.
وعليه فقد باتت الصناعة الدفاعية التركية المتنامية تشكّل حجر الزاوية في السياسة الخارجية والعلاقات المستقلة التي تنتهجها السلطات التركية.
عملياً فإن الصناعات الدفاعية التركية المتنامية في مجالات عدة لا شك أنها منحت أنقرة هامشاً أكبر من المناورة في سياساتها الخارجية، وذلك من خلال خفض نسب الاعتماد على واردات الأسلحة الغربية والأمريكية وتعزيز استقلاليتها الذاتية في هذا المجال.
وهذا ما أكده الرئيس أردوغان حين قال إن بلاده بُعَيد العقوبات الأمريكية التي تستهدف إلحاق الأذى بصناعاتها الدفاعية وحقوقها السيادية ستسرّع خطواتها وتضاعف جهودها في زيادة زخم تلك الصناعات، مع تأكيده أن تركيا ستبلغ الاستقلالية والريادة العالمية لتحقيق هذا الهدف، وزيادة التفوق والإنتاج فيه.
ونحن هنا نؤكد أنه لولا هذا التقدُّم المنشود الذي أصبح واقعاً ملموساً في مجال الصناعات الدفاعية، لما استطاعت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية أن تحقّق النجاحات والمواقف السياسية والعسكرية القوية التي ظهرت في ميادين دولية وإقليمية شتى منها سوريا وليبيا وأذربيجان.
أنقرة والأخذ بأسباب القوة الذاتية الرادعة
ويمكن أن تساهم القاعدة الصناعية الدفاعية المتطورة بزيادة القوة الإقليمية الرادعة لتركيا وفق عاملين أساسيين:
أولاً: من خلال دعم قواتها المسلحة بمنتجات تسليح متقدمة محلية الصنع تساعد على التصدي للأخطار المتعددة التي تواجه البلاد كتنظيم داعش الإرهابي وتنظيم PKK الإرهابي وأذرعه الإرهابية مثل BYD وYBG التي تشكل أخطاراً على الأمن القومي التركي وتقبع قرب الحدود الجنوبية التركية في كل من سوريا والعراق.
ثانياً: من خلال زيادة صادرات الأسلحة وتقنياتها، التي يمكن أن تشكّل جزءاً من التعاون السياسي والعسكري النِّدِّيّ الأوسع بين تركيا والدول الصديقة والحليفة.
من الواضح أنه على مدى العقدين الماضيين من القرن الحادي والعشرين فقد أنفقت تركيا مليارات الدولارات على تطوير قطاعها في التصنيع العسكري الدفاعي، وذلك لتعزيز اكتفائها الذاتي تجنُّباً لمواجهة أي "حظر" محتمَل على وارداتها من الأسلحة التي تحتاج إليها.
وقد غطّت صناعة الدفاع المحلية التركية اليوم 70% من المتطلبات العسكرية للدولة، مقارنة بـ45% فقط قبل أعوام خلت.
ولا يقف الأمر هنا، فقد صدّرَت تركيا منتجاتها العسكرية إلى 164 دولة حول العالم، وحصلت الولايات المتحدة الأمريكية على النصيب الأكبر من صادرات صناعة الدفاع التركية، تليها دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط.
وحصل ارتفاع كبير في صادرات الأسلحة التركية عام 2021 مقارنة بعام 2015، كما ارتفعت قيمة الطلبيات التي لا تزال في طور الإنتاج، وأيضاً زاد حجم الإنفاق المخصص لتطوير القطاع الصناعي العسكري.
كما زادت مساهمة قطاع التصنيع العسكري برفد الاقتصاد التركي بالعملة الصعبة، إذ سجلت الصادرات الدفاعية البرية والبحرية والذخائر المتنوعة وصناعات الطيران التركية زيادة قدرها 16.5%، وتصدرت الولايات المتحدة وعُمان قائمة المستوردين. هذا وحققت الصادرات التركية من صناعات الدفاع والطيران في العام الفائت قرابة 3 مليارات دولار، مسجلة أكبر نسبة في تاريخ ميزانها التجاري على أساس سنوي. وتطمح تركيا إلى أن تبلغ قيمة صادراتها العسكرية عام 2023 ما يقارب 25 مليار دولار.
أهمّ الصناعات الدفاعية التركية وعائداتها المالية
تعددت مجالات التصنيع العسكري الدفاعي التركي التي تضمن لأنقرة رَدْعاً وحماية لأمنها القومي، وزيادة لعائداتها المالية والاقتصادية من خلال عمليات التصدير والتصنيع للسفن والغواصات البحرية، والطرادات والطوربيدات وسفن الإنزال والفرقاطات (إسطنبول) والسفن الاستخباراتية (أفق) بأنواعها، ولمنظومات الدفاع الجوي (غوك دينيز) والراجمات والمدفعيات ذاتية الحركة، والعتاد المدرَّع والسَّيَّار، والطيران بأنواعه كطيران النقل والطيران الحربي والحوامات والطائرات المسيَّرة بأنواعها، بخاصة طائرات "بيرقدار" التي حقّقَت بدورها إنجازات ونجاحات مشهوداً لها على جبهات عدة، بخاصة في ملاحقة واستهداف عصابات وإرهابيي PKK في جبال قنديل، ومؤازرة عمليات المخلب (النمر، النسر، القفل) التركية الخاصة، ناهيك بالنجاحات التي حققتها هذه الطائرات في العمليات الخارجية على جبهات أذربيجان وليبيا وسوريا.
لقد أثبتت الصناعات التركية العسكرية في السنوات الماضية جدارتها وكفاءتها وقدراتها القتالية المتميزة، وذلك من خلال النجاحات والنتائج الكبيرة التي حققتها على الأرض وفي ميادين القتال التي كانت فيها، لذلك فإن الإقبال على المنتجات الدفاعية والجوية والبحرية التركية بات يزداد في الأسواق الإقليمية والعالمية.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.