ومن على منبر القصر الجمهوري في منطقة بعبدا شرق العاصمة بيروت، أكدت أورتاغوس للرئيس اللبناني جوزيف عون، الجمعة، دعم الولايات المتحدة للبنان، لكنها في الوقت ذاته عبّرت عن "تدخل سافر في السيادة اللبنانية".
وفي مؤتمر صحفي عقب لقائها عون، وضعت المسؤولة الأمريكية قواعد الدبلوماسية جانباً، وتغنّت بعدوان إسرائيل على لبنان، رغم أن لبنان الرسمي يعدّ إسرائيل عدواً له، واحتفت بما أسمته بدء "عصر نهاية إرهاب حزب الله بهزيمته على يد إسرائيل".
وقالت أورتاغوس: "لم أشهد يوماً هذا القدر من الحماسة في الولايات المتحدة ومن الجالية اللبنانية بالعالم بشأن مستقبل هذا البلد"، واعتبرت أن "ذلك يعود، إلى حد كبير، إلى هزيمة حزب الله على يد إسرائيل"، وفق تعبيرها.
وأضافت رداً على سؤال أحد الصحفيين: "بالتأكيد لا أخشى حزب الله، ولست خائفة لأنهم هُزموا عسكرياً، لقد وضعنا خطوطاً حمراء واضحة في الولايات المتحدة، ولن يُسمح لهم بترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك أن يكونوا جزءاً من الحكومة. بدأ عصر نهاية إرهاب حزب الله في لبنان والعالم، انتهى الأمر".
وتعدّ زيارة أورتاغوس الأولى لأرفع مسؤول أمريكي إلى لبنان منذ تولي عون الرئاسة في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، في إطار جولة في الشرق الأوسط تشمل أيضاً إسرائيل، وربما الأردن.
رفض لبنان الرسمي
الرئاسة اللبنانية ما لبثت أن تبرأت من تصريحات أورتاغوس الاستفزازية، وقالت إنها "غير معنية ببعض ما صدر" عنها.
بينما قال النائب محمد رعد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التي تمثل "حزب الله" في البرلمان اللبناني: "ما صرحت به المبعوثة الأمريكية زاخر بالحقد، وينمّ عن انعدام المسؤولية، ويعد تطاولاً على مكون وطني في لبنان".
وأضاف في بيان أن "تصريح أورتاغوس يعد تدخلاً سافراً في السيادة اللبنانية، وخروجاً عن كل اللياقات الدبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية".
وأكمل: "صورة القُبح التي أظهرتها حرب إسرائيل ضد قطاع غزة وضد لبنان تكفي للحكم عند كل الناس في العالم من هو الذي يدعم الإرهاب ويسلّحه ويموله ويهجّر الناس من أرضهم".
بدوره، ندد النائب قاسم هاشم، المقرب من "حركة أمل" التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتصريحات أورتاغوس، معتبراً أن "هذا الموقف يشكل "خروجاً عن الأدبيات والالتزامات الدبلوماسية وتدخلاً مباشراً في الشؤون الوطنية والسيادية".
في السياق ذاته، اعتبر رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، أن "ما أدلت به المسؤولة الأمريكية قد أضاف إلى لبنان مشكلة جديدة كان يجب الاستغناء عنها في تصريحها، لا سيما أن إسرائيل قد تسببت في عدوانيتها على لبنان بسقوط عشرات الألوف من الشهداء والجرحى والمصابين، وكذلك بالتدمير والتخريب والتجريف الهائل للبلدات والقرى اللبنانية".
وأضاف السنيورة: "إسرائيل لا تزال تعتدي على لبنان واللبنانيين، وتحتل أراضي لبنانية، وتمتنع عن تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، ولا سيما القرار الدولي 1701".
ويدعو القرار الأممي 1701 الصادر في 11 أغسطس/آب 2006، إلى وقف العمليات القتالية بين "حزب الله" وإسرائيل، آنذاك، وإنشاء منطقة خالية من السلاح بين الخط الأزرق (المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000) ونهر الليطاني جنوب لبنان، باستثناء الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "يونيفيل".
رفض شعبي
على المستوى الشعبي، أثارت تصريحات المسؤولة الأمريكية غضباً عارماً، إذ اتهمت بالتعدي على سيادة وكرامة لبنان واللبنانيين الذين لم يتجاوزوا بعد أهوال عدوان إسرائيل الأخير، بخاصة مع خروقاتها المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار واستمرار غاراتها وجرائمها بزعم ضرب أهداف وعناصر لـ"حزب الله".
وتعبيراً عن غضبهم، نظّم لبنانيون وقفة احتجاجية في بيروت رفضاً لشكر أورتاغوس إسرائيل على "هزيمة حزب الله".
وتجمّع عدد من مناصري "حزب الله" على مدخل مطار بيروت الدولي، حاملين أعلام الحزب وصوراً لأمينه العام السابق حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل أوخر سبتمبر/أيلول 2024 بغارة عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية باستخدام صواريخ مضادة للتحصينات.
كما نفّذ عدد من المواطنين تجمعاً عند مثلث طيرحرفا - الجبين جنوب لبنان استنكاراً لزيارة أورتاغوس إلى المنطقة. وشارك في الاعتصام أهالي القرى التي دمّرت منازلهم في الحرب وجرفتها وهدمتها وفجّرتها إسرائيل.
في الأثناء، عزز الجيش اللبناني انتشاره أمام مدخل المطار، دون حصول أي إشكالات تُذكر.
بموازاة ذلك، عبّر لبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن غضبهم واستنكارهم لتصريحات أورتاغوس، مؤكدين أنها تنطوي على ازدراء للبنان واللبنانيين وتضرب بالسيادة اللبنانية عرض الحائط.
ودعا مواطنون لتنظيم تحركات ترفض مثل هذه التصريحات "الجاهلة" والتي تتناسى أن لبنان الرسمي والشعبي يعد إسرائيل عدواً له، وليس فقط "حزب الله"، وأن لبنان كله ذاق مِراراً ويلات الحروب الإسرائيلية وتعرّض، ولا يزال، لاحتلال جزء من أراضيه، كما أن الخروقات والتدمير الممنهج لقراه لم تتوقف رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
خاتم نجمة داود
التعليقات والاستنكارات على تصريحات أورتاغوس لم تقف عند هذا الحد، إنما أثار مزيداً من الجدل إقدامها على ارتداء خاتم برمز نجمة داود خلال لقائها الرئيس اللبناني.
بينما أفادت صحيفة "النهار" اللبنانية، بأن أورتاغوس عادت ونزعت الخاتم الذي يرمز لإسرائيل، بعد لقائها رئيس الوزراء الجديد نواف سلام وسلفه نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
لكن الجدل لم يقف هنا، فقبل مغادرتها لبنان، نشرت أورتاغوس عبر حسابها على منصة "إكس" صورة لها مع ضابط بالجيش اللبناني وهي تحمل صاروخاً وأرفقتها بتعليق: "كل هذا في يوم عمل".
ووفق إعلام محلي، فالصاروخ الذي تحمله إيراني الصنع، بينما رجّح البعض أن يكون من المخازن التابعة لـ"حزب الله" والتي ضبطها الجيش اللبناني، وذلك من دون أي تأكيد أو نفي رسمي في لبنان.
وبزعم التصدي لتهديدات من "حزب الله"، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مئات الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، ما أسفر عن 73 قتيلاً و265 جريحاً، وفق بيانات لبنانية رسمية. وتضمن الاتفاق مهلة 60 يوماً، تنسحب خلالها إسرائيل من البلدات التي احتلتها في جنوب لبنان خلال الحرب.
لكن تل أبيب أخلّت بالاتفاق عبر الامتناع عن تنفيذ الانسحاب الكامل خلال المهلة التي انتهت فجر 26 يناير/كانون الثاني 2025، قبل أن تعلن الولايات المتحدة عن اتفاق إسرائيلي لبناني على تمديدها حتى 18 فبراير/شباط الجاري.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.