تسعى مليشيات اليمين المتطرف للعب دور في السياسة الأمريكية بطريقة لم نشهدها منذ عقود، إذ تزداد الفوضى وينتشر السلاح وتتصاعد المظاهرات، قُبيل حسم نتائج الانتخابات الرئاسية.
ولا تزال كفتا الميزان عالقتين في الفراغ مع انتخابات صعبة انطلقت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، ويتنافس فيها الديمقراطي جو بايدن أمام الجمهوري دونالد ترمب، وسط ضبابية سياسية غير مسبوقة.
المظاهرات الأخيرة تمثلت في تجمّع العشرات من المؤيدين للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب في مراكز فرز الأصوات في ديترويت وفينيكس حيث لم تكن النتائج في صالحه الأربعاء في الولايتين الرئيسيتين.
فيما طالب آلاف المتظاهرين المناهضين لترمب بفرز بطاقات الاقتراع بالكامل في الانتخابات التي لم تُحسم بعد، وخرجوا في مسيرات في مدن مختلفة.
وهتف أنصار ترمب في ديترويت قائلين: "توقفوا عن الفرز!". وفي فينيكس هتفوا قائلين: "وقفوا السرقة". وادعى ترمب فوزه مبكراً، وزعم دون استناد إلى أي أساس تزوير الانتخابات، في هجوم غير عادي على العملية الانتخابية، في حين رفع الجمهوريون دعاوى قضائية في ولايات مختلفة بشأن الانتخابات.
أسلحة واضطرابات
قبل هذه المظاهرات بأيام قليلة، ومع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت إحصائية نشرتها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، أن الأمريكيين اشتروا نحو 17 مليون قطعة سلاح خلال عام 2020، أكثر من أي عامٍ آخر.
واعتبرت وكالة الأنباء الألمانية، أنه منذ وقت طويل "تُعَدّ مبيعات الأسلحة الأكثر من المعتاد سمة مشتركة لأعوام الانتخابات الرئاسية، إذ تنتشر اللافتات الملونة البراقة وأساليب الدعاية السياسية التي لا تتوقف عبر التليفزيون".
وذكرت الوكالة أن الإقبال الملحوظ على شراء الأسلحة هذا العام "مختلف، وليس فقط لأنه أكبر حجماً"، مشيرة إلى أنه الأمر يرجع إلى "المخاوف من عدم الاستقرار الاجتماعي".
وحسب دراسة أجرتها شركة "Small Arms Analytics & Forecasting"، فإن مبيعات الأسلحة النارية وصلت إلى 1.8 مليون قطعة سلاح في الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، بزيادة قدرها 66% مقارنة بالشهر ذاته من عام 2019.
وأثار تفشي وباء كورونا، والغموض الاقتصادي، والاضطرابات المدنية خلال فصل الصيف على خلفية قتل الشرطة أشخاصاً غير مسلحين من ذوي البشرة السوداء، مخاوف على مستوى عامّ، أكثر من أي وقت في التاريخ الحديث.
وعلى مستوى البلاد، تزايدت حوادث القتل خلال فترة تفشي الوباء بنسبة 15% خلال النصف الأول من عام 2020، حسب ما قاله مكتب التحقيقات الاتحادي.
ولم يتضح سبب الزيادة، رغم أن بعض المراقبين تكهنوا بأنها ربما ترجع إلى الاقتصاد المتعثر، أو تقاعس رجال الشرطة عن أداء مهامهم.
هذه الأحداث، دفعت عديداً من أصحاب الأعمال إلى تغطية نوافذ متاجرهم أو إغلاقها كإجراء احترازي قبل الانتخابات. ففي فلوريدا كثّف بعض المتاجر الشهيرة، منها "Macy's" و"Target" و"CVS"، الإجراءات الأمنية لمنع إلحاق أي أضرار بها وسط مخاوف من وقوع أعمال عنف بعد الانتخابات.
وكثفت الجماعات اليمينية المتطرفة حضورها خلال إدارة ترمب. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أُعلن عن إفشال مؤامرة لخطف حاكمة ولاية ميشيغان الديمقراطية غريتشن ويتمر.
وعلا صوت اليمين المتطرف مؤخراً مع احتدام الاستقطاب السياسي وتفاقم التوتر العرقي في البلاد، خصوصاً أن ترمب بدا كأنه لا يريد اتخاذ موقف واضح ضد تلك المجموعات على الرغم من أن بعضها مسلَّح ويشكّل تهديداً على الأمن القومي.
وحذّرت مذكرات أمنية داخلية في الأشهر الأخيرة من أن المتطرفين المحليين قد يشكلون تهديداً لأهداف متعلقة بالانتخابات، بما يمثّل مبعث قلق تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا والتوتر السياسي والاضطرابات المدنية وحملات التضليل الخارجية.
وكان مدير مكتب التحقيقات الاتحادي كريستوفر راي، قال خلال جلسات استماع في الكونغرس في سبتمبر/أيلول الماضي، إن وكالته تجري تحقيقات في أمر متطرفين محليين بمن فيهم عنصريون بيض وجماعات مناهضة للفاشية، وأضاف أن أكبر جزء من التحقيقات كان مع الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض.
هل يتصاعد العنف؟
ولكن ما مدى إمكانية دخول الولايات المتحدة في دوامة من العنف وعدم اليقين، بخاصة أن ترمب ألمح في وقت سابق أكثر من مرة، إلى عدم قبول نتيجة الانتخابات حال خسارته؟
من خصوصيات النظام السياسي الأمريكي، الفترة الطويلة الفاصلة بين انتخاب الرئيس وتوليه منصبه التي تبلغ نحو شهرين ونصف، وهو ما يضع احتمالية تصاعد العنف في الحسبان.
وعبرت ألمانيا عن قلقها "من وضع متفجر جداً" في الولايات المتحدة بعد أن أعلن ترمب فوزه في الانتخابات الرئاسية قبل انتهاء فرز الأصوات.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور الأربعاء، إن الوضع في الولايات المتحدة بعد الانتخابات قابل للاشتعال، وعبرت عن قلقها من أن يفضي إلى أزمة دستورية.
كما أجرت وزارة الخارجية الأسترالية مؤخراً تحديثاً لإرشادات السفر، وحذرت المواطنين من السفر إلى الولايات المتحدة نوعاً ما، تحسباً لوقوع أعمال عنف.
وقالت: "اتخذوا الاحتياطات حفاظاً على سلامتكم خلال موسم الانتخابات. تجنبوا المناطق التي تشهد احتجاجات ومظاهرات".
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت مؤسسة "بروكينغز" البحثية في تقرير لها، إن "المخاطر كبيرة بالنسبة إلى هذه الانتخابات، والمزاج القومي يبدو قاتماً"، مبينة أن "العنف يمكن أن يظهر بطرق كبيرة وصغيرة".
أما "مجموعة الأزمات الدولية" فقالت إن مقومات الاضطرابات موجودة، والاستقطاب بين الناخبين وصل أعلى درجاته، إذ يعتبر الطرفان أن الفوز في السباق نحو البيت الأبيض تجاوز مسألة الانتخابات إلى كونه مسألة وجودية
ولفتت المجموعة في أحدث تقرير لها عن الانتخابات، إلى أن اللغة النارية في خطابات ترمب، بين حين وآخر، تشير إلى إمكانية تأجيج الموقف في حال خسر الانتخابات.
وترى أن ما يزيد فرص حدوث أعمال عنف هو تركيز حملة ترمب على حصول تزوير بالانتخابات حال خسارته، وهو ما بدأه منذ شهور الرئيس نفسه الذي هاجم مراراً طرق التصويت عبر البريد.
ومن العوامل الإضافية التي تغذّي هذا الاحتمال غرق الولايات المتحدة بالأسلحة، والسجل السوداوي السابق في الحروب الأهلية، والقتل العشوائي، إضافة إلى الصراع العمالي والعبودية وغيرها.
لكن بعض المراقبين يستبعد حدوث مثل هذا السيناريو، ومنهم أوري كورين أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنديانا، الذي يقول: "أي مرشح رئاسي، مهما بلغت حدة خطابه قبل الاقتراع، وتشكيكه في لجان الانتخابات، فإنه سيقر بالهزيمة حال خسارته، ويسلم السلطة بسلاسة".
وشبه كورين في تحليل نشره بموقع "The Conversation"، حالة الاستقطاب بين بايدن وترمب بالانتخابات الفرنسية في 2017 بين إيمانويل ماكرون واليمينية المتطرفة مارين لوبان، إذ توقعت تقارير وقوع أعمال عنف عند خسارتها، إلا أن ذلك لم يحدث، رغم تسجيل واقعة إطلاق نار في باريس، أُعلنت على أثرها حالة طوارئ مؤقتة.