ما المهم: يحتلّ مجمع تشخيص مصلحة النظام أهمية كبيرة ضمن النظام السياسي الإيراني المعقد، لكونه الهيئة الاستشارية العليا المنوط بها الفصل في الخلافات التي قد تنشب بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي.
تنصّ المادة رقم 112 من الدستور الإيراني على أن "تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام يتم بأمر من القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية، لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور الإيراني أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف فيها موازين الشريعة والدستور، في حين لا يوافق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني آخذاً بنظر الاعتبار مصلحة النظام".
وتولى آية الله محمود هاشمي شاهرودي رئاسة المجمع لأكثر من عام حتى وفاته، الإثنين 24 ديسمبر/كانون الأول 2018، ليخسر النظام الإيراني السياسي برحيله واحداً من أهمّ رموز حرسه القديم وأحد المرشحين لخلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
وشغل صادق آملي لاريجاني، قبل تعيينه على رأس مجمع تشخيص مصلحة النظام، رئاسة السلطة القضائية الإيرانية على مدار الأعوام العشرة الأخيرة، وهو المنصب الذي سبقه إليه شاهرودي كذلك، كما أنه أحد أعضاء مجلس صيانة الدستور منذ 2001.
لاريجاني في سطور: وُلد صادق لاريجاني في مدينة النجف العراقية عام 1961، لعائلة متدينة، وكان أبوه منفياً من قبل نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي. ولم تعُد عائلته إلى ديارها إلا بعد نجاح الثورة الإسلامية التي قادها المرشد الأول ومؤسس الجمهورية روح الله الخميني، وصادق هو الأخ الشقيق لعلي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
ولاريجاني أحد الوجوه الأصولية المتشددة داخل النظام الإيراني، ففي 2016حذّرالرئيس الإيراني حسن روحاني من معارضة المرشد خامنئي، وقال في اجتماع لأعضاء لجنة العلاقات العامة بالسلطة القضائية "على السلطات أن تتوقف عن إصدار تصريحات يكون من شأنها انتقاد خامنئي أو تقويض وحدة الصف الداخلي". بالإضافة إلى ذلك هاجم لاريجاني الجهود الإصلاحية التي قادها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي.
ووُضع صادق لاريجاني في 2012 على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، إذ وُجّهت إليه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في أثناء عمله على رأس السلطة القضائية، كما فرضت الولايات المتحدة الأميركية عليه عقوبات في يناير/كانون الثاني الماضي.
الخلفيات والدوافع:يقولفتحي المراغي رئيس مركز البحوث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقره الرياض، في حديث إلى TRT عربي إن "من الأسباب المهمة التي دفعت خامنئي إلى تعيين صادق لاريجاني رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام يرجع إلى تخوف المرشد الأعلى من حصول الإصلاحيين على عدد كبير من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو/أيار المقبل"، موضحاً "خامنئي يخشى أن يقوم الإصلاحيون في البرلمان بتمرير قوانين تتحدى سلطته، وبالتالي فإن وجود شخص مثل صادق لاريجاني في هذا المنصب سيكون كفيلاً ببقاء الأمر تحت سيطرته".
وأشار الخبير في الشأن الإيراني كذلك إلى أن "صادق لاريجاني واحد من أشرس الخصوم التقليديين للتيار الإصلاحي في إيران، والإصلاحيون يوجهون إليه اتهامات بالفساد المالي والإداري".
"الأمر لا يقتصر على عداوة مع رموز التيار الإصلاحي فحسب، فقد عُرف عن الأخوين علي وصادق لاريجاني عداوتهما مع تيار الرئيس السابق أحمدي نجاد أيضاً"، أضاف المراغي، ونوّه إلى "نجاد قال في أحد لقاءاته المتلفزة إن انتقاداً واحداً لأحد الأخوين لاريجاني كفيل بأن يكون سبباً في اعتقالك".
ما التالي: يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الإيراني عماد أبشناس، إن "تعيين صادق لاريجاني على رأس مجمع تشخيص مصلحة النظام لم يكن أمراً مفاجئاً لمتابعي الشأن الإيراني"، مشيراً إلى أن ولاية لاريجاني على رأس السلطة القضائية كانت ستنتهي بعد شهرين فقط.
ويضيف أبشناس في حديث لـTRT عربي، أن "الإصلاحيين أرادوا أن يتولى الرئيس حسن روحاني المنصب، ولكن الأمر لم يكن سهلاً لأن مجمع تشخيص مصلحة النظام هو الهيئة التي تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالأساس، وبالتالي لم يكُن روحاني مقبولاً لدى كثيرين، لأنه يشغل أعلى منصب في السلطة التنفيذية".
"على الرغم من ذلك، يمكن القول إن تعيين صادق لاريجاني في هذا المنصب يُعَدّ انتصاراً جديداً لتيار الأصوليين والمحافظين داخل النظام الإيراني"، يقول أبشناس، ويوضح "منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، أصبح تيار المحافظين والأصوليين أقوى كثيراً، واليوم تتصدر رموز هذا التيار معظم المواقع الهامة داخل النظام الإيراني".
أما عن المرشحين لخلافة مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، فيرجح الأكاديمي الإيراني أن "يكون خليفة خامنئي من تيار المحافظين، لأن الإصلاحيين اليوم ليس لديهم وجوه تتمتع بنفوذ واسع داخل دوائر الحكم الإيرانية، وهذا ينسحب على الرئيس روحاني نفسه"، ويؤكد أبشناس أن التيار الإصلاحي الإيراني فقد كثيراً من النفوذ والهيمنة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.