هذه اللغة هي الوحيدة التي يعامل بها جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في قطاع غزة، أطفالاً ونساءً ومسنين، خصوصاً من يحاولون إظهار حبهم للحياة وتأكيدهم القيم الإنسانية المفقودة لدى جنوده.
الجد "نبهان" المعروف بحنانه على أحفاده، خصوصاً الشهيدة ريم (3 أعوام)، أفنى أيامه بعد استشهادها في العمل الخيري لمساعدة الناس والتخفيف من أهوال الحرب عليهم.
لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم تقنيات تكنولوجية عالية في الإبادة الجماعية التي يرتكبها في القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويحدد من خلالها أهدافه والأشخاص في محيطها، افترس الجد نبهان، الاثنين، مثل "وحش جائع".
بغارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، الاثنين، استُشهد الجد نبهان وانتهت بذلك حكاية "روح الروح" وانطفأت شُعلة العمل الخيري الذي أضاء به حياة العشرات من المكلومين.
قصة "روح الروح"
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قتلت غارة إسرائيلية ريم وشقيقها طارق، حفيدَي الجد خالد نبهان المكنَّى بـ "أبو ضياء".
آنذاك، تداول ناشطون فلسطينيون على مواقع التواصل مقطع فيديو يُظهر الجد حاملاً بين ذراعيه جثمان ريم، ويودِّعها بأسلوب مؤثر ومبكٍ.
وهو يحتضن جثمانها برفق، قال الجد نبهان بكلماته الحنونة المعهودة: "روح الروح هذه.. روح الروح"، وفق ما أظهره مقطع الفيديو.
وقال الجد نبهان، آنذاك، للأناضول: "حفيدتي ريم، روح الروح، كانت تعيش معي باستمرار، كنت ألعب معها كل يوم، ولكن لم أكن أقول لها روح الروح، كنت أقول لها: يا حبيبتي، يا قلبي، يا عيوني".
ويردف: "كانت مفاجأة بعد يوم واحد من دفن حفيدتي، حيث انتشر مقطع الفيديو وأنا أداعب ريم وطارق، والناس يقولون لي: هذه اللقطات أثَّرت في قلوبنا".
وعن شوقه إليها بعد استشهادها، قال: "ريم، روح الروح، ذبحت روحي، أستيقظ من النوم وأنام، والدموع تملأ عيني".
ولم ينسَ الجد نبهان يوماً ريم التي أحيت الحياة والبراءة في قلبه قبل أن تغادر هذا العالم الذي لم ترَ منه شيئاً بعد.
وقال نبهان، في فيديو نشره آنذاك عبر منصة إنستغرام: "الحمد لله رب العالمين، ربنا أكرمنا بهذه الطفلة، في يوم مميز؛ ميلادياً (7 يوليو/تموز) وهجرياً (1 محرم)، وسمّيناها روجاد، وللتسمية سبب، وهي تعني وقت صلاة الفجر".
العمل الإنساني
بعد استشهادها، أفنى الجد نبهان ما تبقى من حياته في تقديم العمل الخيري للعائلات المكلومة من الإبادة الجماعية، كما أسهم في تقديم الدعم المعنوي لهم من خلال تخفيف أهوال الحرب عليهم وحثهم على الصبر على ما أصابهم، وفق مراسل الأناضول.
وشارك في عمل تكيّات لتوزيع الطعام على الفلسطينيين في ظل الجوع المستفحل في القطاع، إذ كانت آخر مشاركة معلنة له قبل نحو 5 أيام، وفق ما أظهره مقطع فيديو على فيسبوك.
كما ظهر له مقطع فيديو لاقى انتشاراً واسعاً في يونيو/حزيران الماضي، وهو يُطعِم قططاً ضالّة جائعة في الشوارع رغم حالة النزوح والجوع. وظهر نبهان، في المقطع، وهو يطرق الأرض بقطعة معدنية وتجمّعت على أثر الصوت الصادر مجموعة من القطط التي وضع لها طعاماً لتأكله.
وظُهر اليوم الاثنين، شيَّع أقارب نبهان جثمانه وسط حالة من الحزن الشديد، رغم خطورة الأوضاع الأمنية في مخيم النصيرات، لتسكن حكاية "روح الروح" مثواها الأخير.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في قطاع غزة خلَّفت أكثر من 151 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلةً مذكرتَي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.