وفي شوارع تكاد تخلو من المارة وبحذر شديد، ينتقل بعض الفلسطينيين لتفقد آثار الدمار الذي خلفته هجمات الاحتلال الإسرائيلي المكثفة والمتواصلة على محافظة شمال قطاع غزة، بعد ما أعاد الجيش انتشاره، متراجعاً نحو أطراف المحافظة التي يطبق بحصاره العسكري عليها.
وكشفت مشاهد عن حجم الدمار الهائل الذي لحق ببلدة بيت لاهيا، حيث تحولت هذه المدينة التي كانت تملؤها المساحات الخضراء إلى منطقة رمادية من الخراب والدمار تنتشر في شوارعها رائحة الجثث المتحللة. وفي هذه البلدة، تعرضت أحياء سكنية للتدمير، حيث أظهرت المشاهد دماراً واسعاً طال أحياء ومنازل المواطنين وممتلكاتهم، في حين أن المباني السكنية التي لم تجرِ تسويتها بالأرض تعرضت لأضرار بين المتوسطة والبالغة.
إلى جانب ذلك، فقد طالت الأضرار أيضاً المستشفى الإندونيسي الذي تعرض لحصار وقصف إسرائيلي أخرجه عن الخدمة تماماً، وبات يخلو من الكوادر الطبية والصحية، وتحول إلى مكان لإيواء النازحين والفارين من هول الغارات والهجوم الإسرائيلي. كما يحيط بهذا المستشفى منطقة شبه مدمَّرة تقابلها مدرسة كانت تؤوي نازحين، ظهرت على جدرانها آثار سوداء ناجمة عن اشتعال النيران فيها واحتراقها.
حصار "الإندونيسي" وقصفه
الفلسطيني المصاب نضال الدريملي، الذي كان في المستشفى الإندونيسي منذ ما قبل حصاره من جيش الاحتلال، قال: "حوصرنا من جيش الاحتلال وبقينا نحو 20 يوماً بلا ماء ولا طعام، حيث رفض الجيش أي محاولة لمساعدتنا من الخارج. كانت أصوات الانفجارات شديدة جداً وحرمتنا من النوم". وأوضح أن تلك الانفجارات كانت تسبب ارتجاجاً شديداً في المباني.
وذكر أن المستشفى أيضاً لم يسلم من الاعتداء الإسرائيلي، إذ قُصفت الطوابق العلوية من مبناه بشكل مباشر بعدة قذائف. وأشار إلى أن جيش الاحتلال كان يعتقل بعض النازحين من الشوارع، فيما كان يرهب النساء من خلال تحريك آلياته العسكرية صوبهم وتعمَّد نشر الغبار والتراب الكثيف في محيطهم.
رائحة الجثث في الشوارع
في سياق متصل، قال أحد شهود العيان الذين ذهبوا لتفقد منازلهم وأحيائهم السكنية في بيت لاهيا: "لا توجد ملامح لأي منطقة وأي منزل". وتابع: "لم أعرف منزلي من منزل جاري"، لافتاً إلى أن الدمار يطال كل شيء في محيط مستشفى كمال عدوان.
وأوضح أن رائحة الجثث التي لم يتمكن أحد من انتشالها لتوقُّف خدمات الدفاع المدني والإسعاف تفوح في الشوارع. وتابع: "جثامين الشهداء (المتحللة) ملقاة في الطرقات، الرائحة تنبعث في الشوارع"، لافتاً إلى أنه لم يُتمكَّن في فترة ما قبل إعادة انتشار الجيش من دفن جثامين الشهداء. وأشار بصوت متحسر إلى أنهم قضوا الأيام الفائتة "بلا ماء ولا طعام ولا تواصل مع الآخرين ولا إنترنت".
وتسبب هذا الهجوم الإسرائيلي المتواصل منذ 5 أكتوبر والمتزامن مع حصار مشدد بخروج مستشفيات محافظة الشمال عن الخدمة، كذلك أدى لتوقف خدمات الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.
من جانبه، حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء، من قرب حدوث مجاعة في قطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة إسرائيلية منذ عام، في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة.
وفي بيان أصدره الثلاثاء، حذَّر البرنامج من سوء الأوضاع وتفاقمها في غزة مع قرب فصل الشتاء. وعطفاً على تقرير سابق صدر عن البرنامج مطلع الشهر الجاري (أكتوبر/تشرين الأول)، أشار البيان إلى أنّ أكثر من 90% من سكان غزة سيواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بحلول نوفمبر/تشرين الثاني.
وذكر البيان أنه لم يجرِ تسليم سوى 5 آلاف طن متري من الغذاء إلى غزة طوال أكتوبر/تشرين الأول، أي ما يعادل 20% فقط من المساعدات الغذائية الأساسية المطلوبة لـ1.1 مليون شخص.