انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل من داخل مجمّع الشفاء الطبي والمناطق المحيطة به غربي مدينة غزة، فجر الاثنين، ما كشف عن عشرات الشهداء ودمار هائل في المستشفى ومحيطه، بينما أعلنت وزارة الصحة في القطاع ارتفاع حصيلة الضحايا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 32 ألفاً و845 شهيداً و75 ألفاً و392 مصاباً.
وقالت الوزارة في تقريرها الإحصائي اليومي إن الاحتلال الاسرائيلي ارتكب ست مجازر ضد العائلات في قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، وصل منها إلى المستشفيات 63 شهيداً، و94 إصابةً.
وأوضحت أنه "لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم".
وكان شهود عيان أفادوا بأن قوات جيش الاحتلال انسحبت بشكل كامل من داخل مستشفى الشفاء والأحياء السكنية المحيطة به، فجر الاثنين، باتجاه مناطق جنوب حي تل الهوى، جنوب غربي مدينة غزة.
وذكر الشهود أن الانسحاب كشف عن إحراق قوات الاحتلال جميع مباني مستشفى الشفاء وخروجها بالكامل عن الخدمة.
وأوضح الشهود أن الجيش دمّر طوابق بشكل كامل في مبنى الجراحات التخصصية وأحرق بقية المبنى. كما أحرق مبنى الاستقبال والطوارئ الرئيسي، ودمر عشرات من غرفه وجميع الأجهزة الطبية فيه.
كما أحرقت قوات الاحتلال الإسرائيلية مباني الكلى والولادة وثلاجات دفن الموتى والسرطان والحروق، ودمَّرت مبنى العيادات الخارجية.
ووفق مصادر طبية فلسطينية، فإن المستشفى خرج بشكل كامل عن الخدمة، ويصعب استئناف العمل به خلال الفترة الحالية.
وذكرت المصادر أن جيش الاحتلال دمّر جميع الأجهزة الطبية في المجمع وغرف العمليات والعناية المكثفة.
جثث في الشوارع
في السياق، قال الشهود إنه عُثر على عشرات الشهداء في مجمع الشفاء الطبي وفي شوارع عمر المختار وعز الدين القسام وأبو حصيرة وبكر وحبوش، وجميعها محيطة بالمستشفى.
وأوضحوا أن جيش الاحتلال دمَّر المقبرة المؤقتة التي كان قد أقامها الفلسطينيون في مجمع الشفاء الطبي، وأخرج جثامين الشهداء منها وألقاهم في مناطق متفرقة بالمستشفى.
وذكر الشهود أن القوات الإسرائيلية أحرقت أو دمّرت عديداً من المنازل والبنايات السكنية في محيط مجمع الشفاء الطبي، التي تضم الآلاف من الوحدات السكنية.
من جانبها، قالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي إن القوات الإسرائيلية قتلت 200 فلسطيني، واعتقلت 500 آخرين، واحتجزت نحو 900 شخص وأخضعتهم للتحقيق خلال العملية العسكرية التي نفّذتها في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه.
وفي حين لم يؤكد جيش الاحتلال بشكل فوري تنفيذه أي انسحاب من عمليته "الدقيقة" ضد حماس، وفق زعمه، أكدت وزارة الصحة التابعة للحركة في غزة انتشال عشرات الجثث من داخل المجمع الطبي ومحيطه.
جريمة حرب وحشية
في السياق، رأت حركة حماس، الأحد، أن إنشاء جيش الاحتلال الإسرائيلي منطقة "إعدام" على امتداد قطاع غزة، يُقتل من يتحرك فيها، "جريمة حرب وحشية".
وقالت الحركة، في بيان: "ما كشف عنه الإعلام الصهيوني اليوم من إنشاء جيش الاحتلال المجرم (مناطق إعدام) على امتداد قطاع غزة، يُقتل مَن يتحرك فيها دون أي تمييز، جريمة حرب وحشية".
وأضافت أن تلك الممارسات الإسرائيلية "انتهاك لكل أعراف وقوانين الحروب، باستهداف مدنيين عزل في حوادث مستمرة، كشفت عن بعضها مقاطع فيديو بثّتها قناة الجزيرة سابقاً".
والأربعاء، عرضت قناة الجزيرة القطرية مقطعاً مصوراً يُظهر إعدام جنود إسرائيليين مدنيَّين فلسطينيَّين اثنين بدم بارد في أثناء محاولتهما العودة لشمال قطاع غزة.
وينضم هذه المقطع إلى مقاطع مصورة أخرى كُشف عنها في الفترة الأخيرة، تُظهر عمليات قتل إسرائيلية متعمَّدة لمدنيين فلسطينيين في غزة.
وطالبت حماس الأمم المتحدة والمؤسسات القضائية الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، بـ"بدء تحقيق فوري في هذه الجرائم البشعة، وغيرها من الانتهاكات الفاضحة التي تحدث بالصوت والصورة أمام العالم أجمع".
كما دعت إلى "محاكمة قادة الاحتلال النازيين، والعمل على وقف المجزرة المستمرة، وحرب الإبادة التي تُشَن ضد المدنيين العزّل، وحماية قيم الإنسانية التي يدوسها الاحتلال بغطاء وضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن".
ضحايا مدنيون
والأحد، قال ضباط وجنود إسرائيليون، إن غالبية القتلى الذين صنفهم الجيش "إرهابيين"، خلال حربه الراهنة على قطاع غزة، هم في الحقيقة "مدنيون غير مسلحين".
وجمعت صحيفة هآرتس العبرية (خاصة) شهادات من هؤلاء الضباط والجنود الذين قاتلوا في غزة خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونقلت عنهم أن "الجيش صنّف نحو 9 آلاف قتيل فلسطيني في غزة على أنهم إرهابيون، لكن في الحقيقة غالبيتهم مدنيون، ولم يشكلوا أي تهديد".
وتابعوا: "ذنبهم الوحيد (هؤلاء الضحايا) عبور خط وهمي رسمه الجيش، الذي في حال عبوره يُمنح القوات الإذن بإطلاق النار عليهم".
وقال أحد الجنود للصحيفة: "قيل لنا تحديداً إنه حتى في حال فرار مشتبه به إلى مبنى، يجري إطلاق النار على المبنى، حتى على حساب إصابة مدنيين".
وحسب شهادات الضباط والجنود، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلق النار على أي شخص يدخل "منطقة الإبادة" التي حددها، سواء مسلحين أو مدنيين.
وقال ضابط احتياط: "باختصار، الإرهابي بالنسبة للجيش هو أي شخص قتلته القوات داخل منطقة القتال مع القوة العسكرية (مقاتلو الفصائل الفلسطينية)".
وأضاف: "لا يمكن القول بشكل مؤكد مَن الإرهابي ومَن الذي استُهدف لأنه دخل لسبب أو آخر إلى منطقة القتال".
وتشن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حرباً مدمّرة على قطاع غزة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية ودماراً هائلاً بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".