ويواجه الفلسطينيون تحدياً صعباً لتوفير مقومات الحياة التي تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدميرها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حرب الإبادة الجماعية التي بدأها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واستمرت لأكثر من 15 شهراً.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الجاري دخل اتفاق وقف إطلاق النار بغزة حيز التنفيذ بين حركة حماس وإسرائيل، ما سمح لآلاف النازحين بالعودة إلى مناطق سكنهم ومنازلهم المدمرة باستثناء العودة من جنوب القطاع إلى شماله الأمر الذي بدأ أمس الاثنين.
ويتواصل توافد الفلسطينيين العائدين إلى الشمال قادمين من الجنوب، لكن فرحة العودة تتبدد مع غياب سبل ومتطلبات الحياة في المنطقة.
ومنذ 10 أيام، يشكو فلسطينيو الشمال من عدم وجود أي مصدر للمياه إضافة إلى عدم وجود مساحات فارغة لنصب خيام الإيواء على أرضها، وذلك بسبب أنقاض البيوت المدمرة.
إلى جانب ذلك فإن المساعدات الإنسانية والإغاثية، وفق فلسطينيين تحدثوا للأناضول، لم تصل إلى الشمال، فيما لم يتسن لمراسل الأناضول الحصول على تصريح من الجهات الحكومية.
واضطرت العائلات العائدة إلى شمال القطاع إلى إقامة خيام إيواء في الشوارع وقرب أنقاض منازلها المدمرة في ظل عدم وجود بدائل.
حياة صعبة
هيثم انصيو الذي عاد إلى بلدة بيت حانون قبل أكثر من أسبوع، يقول: "لا يوجد أي مقومات حياة في شمال قطاع غزة".
ويضيف: "الأهالي قرروا العودة رغم عدم وجود مقومات للحياة لأنهم أصحاب الأرض ويعدون وجودهم فيها أكبر تحدّ للاحتلال وانتصاراً عليه".
ويلفت إلى أن عائلته المكونة من 15 فرداً (زوجة وأبناء وأحفاد) عادت إلى بيت حانون وأقامت خيمة قرب ركام منزلها المدمر وسكنتها رغم انعدام سبل العيش.
وبشكل يومي، تضطر عائلة انصيو إلى نقل المياه على عربة يجرها حمار من مسافة تزيد عن 10 كيلومترات، وفق قوله.
ويأمل انصيو أن تعمل الجهات المعنية بأقرب وقت على توفير مستلزمات الحياة للعائدين إلى شمال القطاع، بخاصة الماء الذي يعتبر عصب الحياة.
ويذكر أن المنطقة لا يوجد فيها خطوط إمداد طعام أو مياه، داعياً الجهات المسؤولة لإنشاء "مخيمات تشجع الناس على العودة إلى أماكن سكنهم ولو حتى فوق الركام".
والسبت، دعت وزارة التنمية الاجتماعية بغزة المواطنين العائدين من جنوب القطاع للاهتمام بجلب خيامهم معهم في ظل عدم وصول خيام إلى محافظتي غزة والشمال.
وطالبت الوزارة الأطراف بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل إدخال الخيام بصورة عاجلة لتأمين أماكن سكن للنازحين العائدين.
معاناة مشتركة
وفي مخيم جباليا بمحافظة الشمال، تعيش عائلة النجار المعاناة نفسها بعدما أقامت خيمة قرب ركام منزلها المدمر لتأوي بها 9 أفراد.
تقول الأم ماجدة النجار: "كل شيء صعب، لا يتوفر لدينا أي شيء يمكن أن يساعدنا على الحياة، جئنا إلى هذا المكان لأنه لا بديل عنه".
وتضيف عن ظروف الحياة: "لا يوجد (شبكات) صرف صحي ولا ماء ولا فراش ولا أغطية ولا طعام ولا أي مقومات أخرى للحياة".
وتشير إلى أنهم "استبشروا خيراً باتفاق وقف إطلاق النار وكانوا متأملين أن يجري إدخال بيوت مؤقتة أو خيام لكن للأسف لم يحصل ذلك إلى اليوم".
وتتابع السيدة متحدثة عن المعاناة اليومية: "ننقل المياه حملاً بالأيدي من مسافات بعيدة وبكميات قليلة جداً لا تكاد تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية".
وتختم: "نأمل أن يتوفر في أقرب وقت كل ما يحتاج إليه الأهالي والصامدون شمال قطاع غزة من مقومات حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة والانتصار على الاحتلال بصمودهم".
أجمل الأيام
وصرّح إبراهيم أبو حصيرة وسط الحشود أنه "شعور رائع أن تعود إلى ديارك مع عائلتك وأحبائك وتتفقد منزلك، إن كان لا يزال هناك منزل".
وقالت انتصار السعيدي "نحن سعداء، لكننا نشعر بالحزن في الوقت نفسه لأننا فقدنا الكثير من أحبائنا. وابني شهيد".
أما لميس العوضي (22 عاماً)، فوصفت عودتها إلى منزلها المدمر في حي الرمال غرب مدينة غزة بقولها إنه "أجمل يوم في حياتي. أشعر بالفخر والسعادة والنصر. روحي وحياتي عادتا إليّ".
وكانت العوضي قد نزحت مع والديها وأشقائها الخمسة إلى رفح ثمّ خان يونس ثمّ مخيّم النصيرات في وسط القطاع، لكنها انتظرت منذ الفجر في منطقة وادي غزة القريبة من مفترق نتساريم لتكون أول العائدين إلى مدينتها.
وقالت أم محمد علي التي كانت تسير ضمن حشد كبير يمتد على مسافة عدة كيلومترات ويتحرك ببطء على الطريق الساحلي "كأني وُلدت من جديد وانتصرنا من جديد".
وقال شهود إن أول مجموعة من السكان وصلت إلى مدينة غزة في الصباح الباكر بعد فتح أول نقطة عبور في وسط قطاع غزة في الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي (0500 بتوقيت جرينتش). وفتحت نقطة عبور أخرى بعد ذلك بنحو ثلاث ساعات تقريباً لدخول المركبات.
وقال أسامة (50 عاماً)، وهو موظف حكومي وأب لخمسة أطفال، إنه عندما وصل إلى مدينة غزة "قلبي يدق لأني كنت أتخيل أنني لا يمكن أن أعود مرة ثانية".
وأضاف: "إن نجح وقف إطلاق النار أو لم ينجح ليس ممكناً على الإطلاق أن نترك مدينة غزة والشمال بعد هذا. حتى لو أن إسرائيل ترسل ضد كل مواطن منا دبابة لن يكون هناك تهجير مرة تانية".
والاثنين، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في بيان إن محافظتي غزة والشمال بحاجة إلى 135 ألف خيمة وكرفان بشكل فوري، إذ بلغت نسبة الدمار جراء الإبادة الجماعية ما نسبته 90% في المحافظتين.
وطالب المكتب "المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية والدول العربية بفتح المعابر وإدخال المستلزمات الأساسية لإيواء شعبنا الفلسطيني".
ويتكون اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي جرى التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر، من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوماً، يجري خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية وثالثة وصولاً إلى إنهاء حرب الإبادة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.