جاءت عودة النازحين من محافظات الجنوب والوسطى إلى غزة والشمال، عبر نقطتين من محور نتساريم الذي أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسط القطاع.
النقطة الأولى، هي شارع الرشيد الساحلي حيث خُصص لعودة النازحين مشياً على الأقدام إلى مدينة غزة.
أما النقطة الثانية فتتمثل بشارع صلاح الدين حيث خُصص لمرور المركبات بعد خضوعها لتفتيش أمني بجهاز أشعة سينية (X-RAY)، وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في 19 يناير/كانون الثاني الجاري.
وجاءت هذه العودة بعدما فكك جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الاثنين، منشآته العسكرية في غرب محور نتساريم وانسحب منه، متوجهاً إلى شرقه.
ومن المقرر في 22 يناير/كانون الثاني الجاري أن يكمل جيش الاحتلال انسحابه حتى المنطقة العازلة قرب السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، على طول الحدود من الشمال إلى الجنوب، حسب الاتفاق.
فقدان أمل العودة
الفلسطيني باسم صالحة يعود على دراجته الهوائية عبر شارع الرشيد الساحلي إلى منطقة سكنه في مخيم جباليا بمحافظة شمال قطاع غزة.
حمّل صالحة على دراجته بعضاً من أمتعته لينقلها إلى المخيم الذي شهد دماراً واسعاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة التي نفذ فيها الجيش عملية عسكرية مكثفة انتهت مع سريان الاتفاق. ومرّ كبقية النازحين، بطرق وعرة ومدمرة قاطعاً بضعة كيلومترات وصولاً إلى محافظة غزة.
وقال صالحة لوكالة الأناضول، إن شعوره اليوم هو "الفرحة رغم الألم والمعاناة بخاصة أننا كنا فقدنا أمل العودة". وعن مكان عودته في ظل الدمار الهائل بالمخيم، قال صالحة: "نتكيف مع الوضع ونكفي أنفسنا بالموجود".
فرحة منقوصة
بدورها، قالت الفلسطينية فاطمة أبو حصيرة التي نزحت على مدار أشهر الإبادة إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع، إن طريق العودة إلى محافظة غزة صعبة.
مرهقة ومحملة بالألم وصلت أبو حصيرة إلى محافظة غزة، قائلة عن شعورها: "هذا يوم فرحة لكن توجد غصة في القلب". وتابعت: "في ألم وحزن داخل قلوبنا، فقدت من أولادي وأحفادي (خلال الحرب) وأحبائنا وجيراننا كما فقدنا منازلنا".
وتفضل أبو حصيرة العيش على أنقاض منزلها المدمر على أن تبقى بعيدة عن أرضها ومكان سكنها قرب ميناء مدينة غزة. وفي مكان النزوح، عاشت أبو حصيرة الجوع والعطش ونقص مستلزمات الحياة الأساسية.
مواجهة مخططات التهجير
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، في منشور على فيسبوك: "منذ الصباح الباكر في دير البلح وحشود الناس متجهة مشياً على الأقدام إلى الشمال في مشهد مهيب وتاريخي وتحد للاحتلال وحرب الإبادة".
واعتبر إبراهيم عودة النازحين بأنها "مواجهة لمخططات التهجير والطرد". ووصف مشهد العودة، قائلاً إن "الرجال والنساء ومن كبار السن والأطفال يرتدون ملابسهم الجديدة وكأنهم في يوم العيد، والفرح والابتسامات على وجوه الجميع".
وقال إبراهيم إن ذلك المشهد فيه "إصرار ليس غريباً على شعبنا وصموده الأسطوري". وختم قائلاً: "رغم الحزن والألم والفقد، الكثير منهم يعودون إلى ديارهم ومنازلهم والبنية التحتية المدمرة، وعليهم البدء من جديد ومواجهة المعارك اليومية من البحث عن مصادر المياه وإعادة البناء".
وخلال أشهر الإبادة، دمرت إسرائيل نحو 88% من قطاع غزة بما يشمل البنى التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس والمنشآت الحيوية والاقتصادية.
وفي السابعة بالتوقيت المحلي، بدأ النازحون بالعودة من جنوب قطاع غزة إلى شماله سيراً على الأقدام عبر "نتساريم" من شارع الرشيد الساحلي. وسادت حالة من الفرحة بين العائدين إلى محافظتي غزة والشمال، في خطوة كانت من المفترض أن تحدث السبت، لكنها تأخرت بسبب عراقيل إسرائيلية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهراً من الإبادة الجماعية، أجبرت إسرائيل نحو 2 مليون فلسطيني على النزوح من مناطق سكنهم ومنازلهم والتوجه إلى محافظتي جنوب القطاع والوسطى، وبينهم مئات الآلاف نزحوا من غزة والشمال.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الجاري، بدأ سريان وقف لإطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل، يستمر في مرحلته الأولى 42 يوماً، يجري خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.