أثار إعلان رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، الوزير حسين الشيخ، عودة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي في 17 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، جدلاً كبيراً في الساحة الفلسطينية، وارتبط بهذه العودة، استئناف تحويل الاحتلال لأموال المقاصة والتي حولتها فعلياً الأربعاء، لحساب السلطة الفلسطينية.
وقال الشيخ الأربعاء، في تغريدة على توتير: إن إسرائيل "حوّلت كامل المستحقات المالية الخاصة بالمقاصة، والبالغة قيمتها، ثلاثة مليارات و768 مليون شكيل" (حوالى 1.14 مليار دولار).
اتفاقية باريس وتدمير الاقتصاد الفلسطيني
وبعد رفض استمر منذ مايو/أيار الماضي لاستلام عائدات المقاصة من إسرائيل، تنفيذاً لإعلان الرئيس محمود عباس، الانسحاب من الاتفاقيات مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية، رداً على إعلان تل أبيب نيتها ضم نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، عادت الأمور إلى مجاريها، لكن الكثيرين يخشون تلك العودة لما لها من ارتباط باتفاقية أوسلو واتفاقية باريس التي تنصلت منها إسرائيل ولم تستطع السلطة التخلص من تبعاتها حتى الآن.
وبالنظر إلى تبعات اتفاقية باريس، نجد أن عدم تحويل إسرائيل لأموال المقاصة أدى إلى عجز كبير في ميزانية السلطة الفلسطينية، التي أصبحت تكافح لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، ولم تعد قادرة على سداد أجور الموظفين الرسميين لديها، مكتفية بدفع أنصاف الرواتب.
وتعتبر اتفاقية باريس أو "بروتوكول باريس" جزءاً لا يتجزء من اتفاق أوسلو، وهي الاتفاقية التي وُقعت عام 1994 لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي على أن تنتهي الاتفاقية عام 1999.
وكانت الاتفاقية بمثابة فخ وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بسبب القيود التي فرضتها على الاقتصاد الفلسطيني وربطه بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي وبالمصالح المباشرة للاحتلال وشركاته الخاصة، فالقرار النهائي بكل ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية الفلسطينية بات مرتبطاً بالموافقة الإسرائيلية.
وعملت الاتفاقية على تقدير احتياجات السوق الفلسطينية وكميات الاستيراد من البضائع والسلع بموجب اتفاق بين الجانبين وفقاً للمعايير الإسرائيلية، وعلى ضوء المعلومات والتفاصيل المتوفرة عن الاستهلاك والإنتاج والاستثمار والتجارة الخارجية والنمو السكاني والارتفاع في معدل الناتج المحلي والدخل القومي.
وعلى الرغم من وجود نص بالاتفاقية بأنها مؤقتة لمدة خمس سنوات، وأنه بإمكان أي طرف إعادة فحص الترتيبات والإجراءات الواردة بعد عام من توقيعها ووضعها موضع التنفيذ، إلا أن الجانب الفلسطيني لم يفعل ذلك.
وتعتبر سياسة الواردات من أبرز بنود الاتفاقية والتي تنص أنه "لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية سياسة شبه متطابقة في ما يتعلق بالواردات والجمارك. وتستطيع السلطة الفلسطينية استيراد منتجات من الدول العربية بكميات محدودة متفق عليها. وسيجري اتخاذ ترتيبات لتدير السلطتان بشكل مشترك الحدود في أريحا وغزة".
وتناولت الاتفاقية مسألة "الضرائب المباشرة"، بحيث "تطبق السلطة الفلسطينية سياستها الخاصة في فرض الضرائب المباشرة بما في ذلك ضريبة الدخل ويجمع الطرفان الضرائب في الأنشطة الاقتصادية التي تجري في مناطقهما. وتنقل "إسرائيل" إلى السلطة الفلسطينية 75% من ضريبة الدخل التي تحصلها من الفلسطينيين الذين يعملون في "إسرائيل".
أما الضرائب غير المباشرة، "فتطبق السلطة الفلسطينية نظاماً لضريبة القيمة المضافة مماثلاً لذلك المطبق في "إسرائيل"، وتتراوح معدلات ضريبة القيمة المضافة لدى السلطة الفلسطينية بين 15 و16%.
وفيما يخص الوقود "يتم تحديد أسعاره في منطقة الحكم الذاتي على أساس سعر الشراء في منطقة الحكم الذاتي والضرائب المفروضة على الوقود في منطقة الحكم الذاتي"، وينص الاتفاق على أن سعر الوقود لا يمكن أن يكون أقل من 15% من السعر الرسمي في "إسرائيل".
ما هي أموال المقاصة؟
وإيرادات المقاصة هي ضرائب تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، على السلع الواردة للأخيرة من الخارج، ويبلغ متوسطها الشهري نحو 188 مليون دولار، تقتطع منها تل أبيب 3%، كأجرة جباية.
وتضمنت اتفاقية باريس بنوداً تنص على تحويل إسرائيل مبالغ شهرية للسلطة الفلسطينية تُعرف بالمقاصة، والمقاصة مصطلح اقتصادي يعني آلية مالية لتسوية المعاملات التجارية والمالية والمصرفية بين الأشخاص والبنوك والجهات المختلفة.
وتتكون المقاصة من المبالغ الشهرية التي تأتي من ضرائب الدخل من العاملين الفلسطينيين في قطاع غزة ومنطقة أريحا الذين يعملون في إسرائيل، وكامل المبلغ من ضريبة الدخل المحصل من الفلسطينيين من قطاع غزة، ومنطقة أريحا العاملين في المستوطنات، بالإضافة إلى ضرائب الاستيراد (الجمارك) والرسوم الأخرى على البضائع التي يكون مقصدها مناطق السلطة حتى إن استوردها مستوردون إسرائيليون مسجلون لدى السلطة الفلسطينية.
كما أن ضريبة القيمة المضافة المدفوعة من منظمات ومؤسسات فلسطينية غير ربحية، والمسجلة لدى السلطة الفلسطينية، على صفقات في إسرائيل، تعتبر أيضاً من أموال المقاصة، واستقطاعات تأمين التقاعد.
وبدأت أزمة المقاصة في مارس/آذار 2018 حين صادق الكنيست الإسرائيلي، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يتيح لحكومة إسرائيل احتجاز جزء من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) تعادل تلك التي تقدمها السلطة كمخصصات لعائلات الأسرى والشهداء.
إسرائيل تسرق ومخاوف من اندلاع عنف
في تقرير سابق، وصفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عملية تجميد تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بأنها “عملية سرقة“، مشيرة إلى أن الحديث لا يدور هنا عن أموال إسرائيلية، إنما أموال فلسطينية تجبيها إسرائيل وفق اتفاقية أوسلو، وقانونياً يجب أن تُحوّل إلى السلطة.
وأضافت الصحيفة: "إسرائيل استغلت مصادر قوتها واستخدمت أموال المقاصة للتأثير على الفلسطينيين ومعاقبتهم عشرات المرات، "ولكن رغم ذلك لا نذكر أن حجب الأموال عن السلطة غيّر شيئاً على أرض الواقع أو ساهم في حلحلة أمور عالقة، إنما جاء ذلك بتأثيرات سلبية مثل الإدانات الدولية والضغط الكبير الذي يمارس على تل أبيب كي ترجع عن قرارها وهذا ما كان يحصل دائماً، إذ تنزل إسرائيل عن الشجرة".
وأشارت الصحيفة نقلاً عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى إلى أن تجميد منح أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية لا يخدم المصالح الإسرائيلية أيضاً، “لأن هذه الأموال تُستخدم لدفع رواتب مئات آلاف الموظفين في الضفة الغربية ومنهم عناصر الأمن الذين سيجلسون في بيوتهم، بالتالي قد تندلع أعمال عنف سريعاً ستطال إسرائيل“.