على وقع أصوات القصف ومع مرور أكثر من أسبوعين على عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها المقاومة في قطاع غزة، يفزع المواطن سليم عابد من نومه مع أفراد أسرته البالغ عددهم 4 (طفلان، الأكبر بينهم محمود 12 عاماً، وشقيقته زينة 9 أعوام، وزوجته مريم).
وكما هو الحال فجر كل يوم منذ سنوات، فقد بات الأمر لعابد معتاداً، لكن هذه المرة الخوف أصبح أكثر، وبكاء الأطفال لا يتوقف، ولا يجد حتى شربة ماء لتهدئتهم، بعد أن قرّرت سلطات الاحتلال قطع الماء والكهرباء والوقود عن القطاع.
وما زال أكثر من مليوني مواطن في غزة يعيشون تفاصيل الرعب، فصوت القصف لا يقف، وكل سكان القطاع معرّضون للموت من قصف الاحتلال العشوائي، إثر صواريخ لا تميّز بين منازل مدنيين عزل ومستشفيات ودور عبادة ومراكز إيواء.
ويقول عابد (45 عاماً) لـTRT عربي، إنّ الوضع في غزة بات مرعباً ولا أحد يعرف إنْ كان سيطل عليه نهار اليوم التالي أم لا، "صواريخ الاحتلال تستهدف عمارات السكان وكثير من الشهداء ارتقوا بعد أن هُدّمت منازلهم على رؤوسهم وهم نيام".
القصف يطال كل شيء
المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، بيّن وفقاً لآخر إحصائية، أنّ أكثر من 181 ألف وحدة سكنية تضرّرت في القطاع، منها أكثر من 20 ألف وحدة سكنية هدمها الاحتلال بشكل كامل أو باتت غير صالحة للسكن، بجانب 72 مقراً حكومياً وعشرات المرافق العامة والخدمية.
كما تسبّب قصف الاحتلال في تعرّض 177 مدرسة لأضرار، وخرجت من الخدمة 32 مدرسة، ودُمر 32 مسجداً وتضرّرت 3 كنائس بشكل بليغ، وفقاً لنفس المصدر.
ويضيف عابد أنّ أطفاله لم يعودوا يذهبون إلى المدرسة بعد أن قصفها الاحتلال، وأصبحت ركاماً في حي الكرامة، الذي تعرّض لقصف عنيف وهُجّر معظم سكانه مع بداية عدوان الاحتلال، وهو اليوم يبيت في أحد مراكز الإيواء التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بعد أن ترك منزله في الحي إثر القصف، كما أنّه لا يجد دواء الربو لزوجته المريضة بعد أن انقطع العلاج وبات غير متوفر في مختلف المراكز الصحية والمستشفيات.
بدورها قالت الأونروا إنّ عدد النازحين الذين وصلوا إلى مدارس تابعة لها في القطاع تخطى 137 ألفاً، وأنّ الوكالة ليست مهيأة لاستقبال أكثر من 150 ألف شخص، فيما تستمر حركة النزوح على نطاق واسع مع احتدام القصف.
وأضافت الوكالة أنّ لديها 278 مدرسة في القطاع، تستقبل 300 ألف طالب وطالبة، لكنّها دائماً تعد بعضاً من هذه المدارس لاستقبال النازحين في حال حدوث تصعيد مثل الذي يحدث الآن.
"فتحت قبر ابنتي 3 مرات"
المواطن الغزاوي محمد العسيلي، يروي حالة الألم التي مرّ بها، بعد أن استشهدت ابنته ملاك (16 عاماً)، إثر قصف مباشر لمنزله الذي كان يقع ضمن أحد البنايات في منطقة خانيونس جنوب القطاع، وكيف بدأ جمع أشلاء ابنته وفتح قبرها 3 مرات لإكمال أجزائها.
وفي حديثه مع TRT عربي، يضيف العسيلي، وهو منهمر بالبكاء: "استشهدت ابنتي بعد يومين من استشهاد زوجتي"، فقد تركها عند جيرانهم بذات البناية وخرج هو لشراء الخبز، إلا أنّ قصف الاحتلال كان أسرع من أن يعود برغيف خبز لابنته التي لم تفارق الدمعة عينيها حزناً على والدتها.
ويصف أنّ القصف لم يتوقف عن منطقة خانيونس، وكان مجبراً على الانتظار لساعتين حتى يحصل على 6 أرغفة من الخبز، لكنّه لم يتوقع أن يعود ويجد البناية ركاماً.
ويقول العسيلي إنّ الجيران من البنايات الأخرى بدؤوا بإزالة الأنقاض للبحث عن ناجين، وبعد ساعات من الألم وجد بعض أجزاء من ابنته، والتي تعرّف عليها من ملابسها، وكل مرة يجد جزءاً من جسد ابنته يعود ويفتح قبرها من جديد ليدفنه.
ووفقاً للأرقام المحدثة التي نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بلغ عدد الأطفال الشهداء جرّاء العدوان على القطاع حتى اليوم 2704 أطفال شهداء، وهو ما تزيد نسبته عن 40% من إجمالي عدد الشهداء.
شهداء بلا أكفان
المسعف المتطوع محمود درويش، يصف المشاهد بعد مجزرة مستشفى المعمداني الأهلي الذي قصفه الاحتلال يوم الثلاثاء الماضي، وراح ضحيته قرابة 500 شهيد ومئات المصابين، جُلّهم من الأطفال والنساء، لجؤوا إلى المستشفى ظناً منهم أنّه مكان آمن، قائلا: "جثث الشهداء على الأرض، لا نجد لهم أكفاناً".
ويضيف درويش لـTRT عربي، أنّه مع قصف ساحة المستشفى واندلاع النيران، بدأت طواقم المسعفين في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصابين، منوهاً بأنّ جثث أطفال كانت متفحمة تماماً، ولم نجد لها أكفاناً، لأنّ المستشفى كان يعاني بالأساس من نقص في المستلزمات الطبية.
ويشير المسعف المتطوع إلى أنّ ثلاجات الموتى امتلأت تماماً، والآن يوضع كل 3 جثث بذات الثلاجة، "لا مكان للجثث، والكل مذهول من حجم المجزرة البشعة التي ارتكبها الاحتلال".
ويبيّن درويش، أنّ الفِرق الطبية انقسمت إلى مجموعات، منها من تولّى أمر جثث الشهداء، ومنها من بدأ إسعاف المصابين، مؤكداً أنّه لا أسرّة، إذ أصبح إسعاف المصابين يجرى في ممرات المستشفى على الأرض، كما نفذت الضمادات وإبر التخدير، ولا معدّات لإجراء العمليات.
ويلفت درويش إلى أنّه كان في المستشفى قرابة 1000 مواطن، منهم مصابون، ومنهم من كان لاجئاً إليه، إلا أنّ "القصف العشوائي الهمجي لم يفرّق ولم يميّز، رغم أنّ القانون الدولي الإنساني يمنع قصف واستهداف المستشفيات والمنشآت الطبية حتى في الحرب والنزاع".
وحسبما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، فإنّ ما لا يقل عن 12 مستشفى و32 مركزاً صحياً خرجت من الخدمة، بسبب القصف الإسرائيلي ونقص الوقود، كما فقدت المستشفيات العلاج والإقامة وقدرات الكوادر الطبية، والأطقم الطبية تعالج الجرحى بموارد محدودة جداً، واضطرت الفرق الطبية إلى استخدام فلاشات الهاتف المحمول وطرق الإضاءة البدائية.
تدمير مسجد فوق رؤوس نازحين
تصف الفتاة حنان الوادي (18 عاماً)، والتي تعرّضت لإصابات في أطرافها، وفقدت 7 من أفراد عائلتها الأسبوع الماضي، بشاعة المجزرة التي عاشتها، بعد أن قصف الاحتلال ساحة مسجد لجؤوا إليه، خلال رحلة نزوحهم من شمال القطاع إلى جنوبه بأمر مُلزم من جيش الاحتلال.
وتضيف حنان لـTRT عربي، أنّ الجميع تفاجأ فجراً بقصف إسرائيلي تعمّد استهداف النازحين من الشمال إلى الجنوب، حين كانوا في ساحة المسجد، لافتةً بالقول: "لم نكن نحمل إلا ملابسنا وبعض الطعام والماء".
وتبيّن أنّ أطفالاً رُضّع وأمهات قُتلوا بذات اللحظة، بعد أن سقط الصاروخ على ساحة المسجد في منطقة مخيم الشاطئ وحوّل كل شيء إلى ركام.
وتتابع حنان: المسجد انهار بشكل كامل على رؤوس من كانوا فيه، مشاهد لا يُمكن تخيّلها، صفحات من المصحف الكريم محترقة، ومئذنة المسجد سقطت ومن فوقها القبة.
يُشار إلى أنّ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية قالت في بيان لها، إنّ صواريخ وقنابل صهيونية سوّت 26 مسجداً في قطاع غزة بالأرض، ودمرتها بشكل كامل.