جدّدت مجموعة الـ"77+الصين" في قمتها الأخيرة التي انعقدت في العاصمة الكوبية هافانا، المطالبة بضرورة إقامة نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، يسمح بأن تملك الدول النامية دوراً في صناعة القرار الدولي.
ووجهت المجموعة في ختام القمة الأخيرة المنعقدة شهر سبتمبر/أيلول الماضي، انتقادات للنظام الاقتصادي العالمي، واصفةً إياه بـ"غير العادل"، ومعلنةً في بيان مشترك ضم 116 دولة التزامها تعزيز التعاون بين دول الجنوب.
فهل يمكن تحقيق مطلب المجموعة، الأكبر داخل الأمم المتحدة، التي ستحتفل العام المقبل بالذكرى الستين لتأسيسها، أم أنه لا يزال بعيد المنال؟
انتقاد لسياسات الدول الكبرى
رغم مساعي المجموعة منذ تأسيسها لتمكين جميع البلدان من المشاركة في صناعة القرار الدولي، فإنّ ذلك لم يتحقق على جميع المستويات، وهو ما يجعلها اليوم تصرّ على هذا المطلب في ظل التحديات الحالية العلميّة والاقتصادية والبيئية على الصعيد الدولي.
وأعلنت المجموعة في البيان الختامي رفضها "فرض قوانين ولوائح ذات تأثير يتجاوز الحدود الإقليمية وجميع أشكال الإجراءات الاقتصادية القسرية الأخرى، بما في ذلك العقوبات الأحادية ضدّ الدول النامية"، مؤكدةً "الحاجة الملحّة لإلغائها على الفور".
وفي الإعلان المؤلَّف من 46 مادة، انتقدت الدول المشاركة النظام الاقتصادي العالمي "غير العادل"، وشدّدت على الحاجة "لإصلاح شامل للبنية المالية الدولية، ونهج أكثر شمولاً وتنسيقاً للحوكمة المالية العالمية يشمل تمثيلاً أكبر للدول النامية في هيئات صنع القرار وصنع السياسات العالمية".
تحالف كبير
كانت المجموعة عند تأسيسها عام 1964 تضم 77 دولة، أمّا اليوم فقد أصبحت تنضوي تحت لوائها 135 دولة، بعدما شهدت قمّتها الأخيرة في هافانا عودة المكسيك إلى التكتل الذي غادرته في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يجعل التحالف بمثابة التكتل الأكثر تمثيلاً داخل الأمم المتحدة.
ويشير رابح لعروسي، أستاذ العلوم السياسية، إلى أنّ هذا التكتل هو أكبر تحالف للدول النامية داخل الأمم المتحدة، كونه يضم ثلثي الدول الأعضاء في المنظّمة الأممية، ويمثل نحو 80% من سكان العالم.
ويوضح لعروسي في حديثه مع TRT عربي، أنّ هذه المجموعة تتقاسم رؤى مشتركة منذ تأسيسها، مثل الدفاع عن السيادة والمساواة بين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على زيادة تمثيل الدول النامية في هيئات صنع القرار العالمي.
ويقول زكرياء وهبي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، إنّ ارتفاع عدد أعضاء المجموعة إلى 135 بلداً، دليل على تمسك هذه الدول بهدف نشأتها والمتعلّق بالدفاع عن مصالح دول الجنوب وعن معايير أخلاقية وإنسانية في التعاملات السياسية الدولية.
مصالح اقتصادية وتقييم الفوارق
ويبيّن وهبي أنّ أهمية مجموعة الـ77 والصين تكمن في ثقلها الاقتصادي أيضاً، بحكم ضمّها دولاً صاعدة تشهد ارتفاعاً في مستويات النمو الاقتصادي، وهو ما يسمح لها بالتحالف دولياً للدفاع عن القضايا المختلفة سواء على مستوى الأمم المتحدة أو في سياقات عالمية مختلفة.
ويرى لعروسي أنّ "ما يُنتظر من هذه المجموعة اليوم هو أن تكون صوتاً مسموعاً لدى الدول الكبرى، لإنصاف أعضائها وتقليص فوارق التكنولوجيا من خلال مشاركتها في مختلف الهيئات الأممية بشكل فعّال يخدم مصالح دول الجنوب، وهو ما سينعكس إيجابياً عليها".
وبالنظر إلى الفروق الكبيرة الموجودة بين الدول المتقدمة والنامية، يتحتم اليوم على مجموعة الـ77 والصين أن تضع أداءها طيلة ستة عقود من الزمن تحت المجهر لتقييم إنجازاتها وإخفاقاتها.
وإذا كان تكاتف المجموعة قد أسهم عند تأسيسها في دعم حركات التحرر من الاستعمار، وهو أحد أهم انجازاتها، إلّا أنّ تحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي لا يزال بعيداً عن كثير من الدول النامية، لذلك يعد مطلب تعزيز التبادل التجاري ضمن التوصيات التي يؤكَّد في كل قمة.
ولا تزال هذه الدول تعاني تأخراً في المجال التكنولوجي، لذلك ركزت قمة هافانا على تحديات التنمية الحاليّة ودور العلوم والتكنولوجيا والابتكار في التنمية.
ووفقاً لأستاذ العلاقات الدولية رابح لعروسي، فإنّ "المكسب الذي يُحسب للمجموعة هو ثباتها على وحدة الرؤية التي تبرز في كل المحطات، خصوصاً أنّ قادة هذه الدول واعون المسؤولية التاريخية وتحديات المرحلة".
ويرى أنّ "طموحات المجموعة في تحقيق نظام عالمي جديد عادل تبقى مرتبطة بمدى تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، وهو ما لا يزال مؤجلاً في خضمّ غياب توزيع الثروات العادل، ووجود نظام عالمي اقتصادي يخدم مصالح القوى الكبرى".
النموذج الصيني
وهناك من يزعم أنّ سبب عدم تحقيق المجموعة مطالبها هو "استغلال" الصين -التي تعدّ ثاني اقتصاد عالمي- مطالب الدول النامية والمتاجرة بها، قائلين إنّ "بكين أصبحت أحد فاعلي الاقتصاد العالمي الجديد غير العادل".
وترى واشنطن أنّ بكين تستفيد من ميزات تصنيفها دولة نامية من خلال المنظمات التي تتبع لها ومنها مجموعة الـ77، لذلك أقرّ مجلس النواب الأمريكي بالإجماع مشروع قانون في 27 مارس/آذار الماضي، يُوجِّه وزير الخارجية إلى تجريد الصين من صفة "دولة نامية" في المنظمات الدولية وتصنيفها ضمن الدول المتقدّمة، بوصفها تستغل هذا التصنيف للاستفادة من معاملة تفضيلية، وفق وجهة النظر الأمريكية.
لكنّ زكرياء وهبي لا يعتقد أنّ بكين تستغل مجموعة الـ77 لمصالح ذاتية، ويرى أنّ "وجود الصين الصاعدة في شتّى المجالات يساعد الأعضاء الآخرين على الاستفادة من نموذجها التنموي وفق خصوصية كل دولة، فضلاً عن أنّ مقاربتها في العلاقات الدوليّة مبنية على التعدديّة في النظام الدولي، ما يساعد دول الجنوب على الاعتماد على الدعم الصيني لتحقيق مطالبها.
ويلفت وهبي إلى أنّ عدم تحقيق المجموعة مطالبها لا يتعلق بالصين، ولا بكثرة التكتلات العالمية التي تأسست لتحقيق الأهداف ذاتها كالاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، وحركة عدم الانحياز، ومجموعة "بريكس"، وغيرها، قائلاً إنّ "هذه التكتلات متكاملة".
ولا يرى لعروسي، بدوره، في وجود الصين ضمن المجموعة عاملاً سلبياً أثّر على تحقيق المجموعة لأهدافها، بالنظر إلى أنّ "ما يجمع هذه البلدان في وجود الصين يقوم أساساً على تحقيق المصالح المشتركة في ظل ازدياد الفجوة بين القطب الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول الشرق وسكان الجنوب".
تحديات المساواة بين الأمم
ويشكل الوصول إلى نظام دولي عادل في جميع المستويات، أبرز الأهداف التي تناضل لأجلها مجموعة الـ77 والصين، إذ كانت قد طالبت في قمة قطر عام 2005 بإصلاح منظمة الأمم المتحدة وتقوية دورها المركزي، وإصلاح مؤسساتها لتكون أكثر نجاعة.
ووفق تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال افتتاح قمة مجموعة الـ77 والصين المنعقدة في هافانا، فإنّ "صوت المجموعة بات مسموعاً ومؤثراً"، لذلك "يجب العمل معاً لأجل عالم متعدد الأقطاب".
وأكد غوتيريش أهمية "تجسيد النظام الذي يضمن العدالة والمساواة ولا يهمل أحداً"، لافتاً إلى أنّ "الدول النامية قد عانت كثيراً تحت الحكم الاستعماري لسنوات طويلة، ولا بدّ من إيجاد إجراءات ليكون النظام المالي العالمي أكثر تمثيلاً لكل هذه الدول".
وبدورها، شدّدت المجموعة في البيان الختامي لقمة هافانا، على "الحاجة الملحّة لإصلاح شامل للبنية المالية الدولية، ونهج أكثر شمول وتنسيق للحوكمة المالية العالمية، يشمل تمثيلاً أكبر للدول النامية في هيئات صنع القرار وصنع السياسات العالمية".
إضافةً إلى ضرورة إنهاء "الاحتكارات التكنولوجية"، وتعزيز نقلها لتحقيق "التنمية العلمية والتكنولوجية التي تعود بالنفع على الجميع".
الحق في التكنولوجيات الحديثة
ويبيّن الدكتور رابح لعروسي، أنّ "هذه الدعوة جاءت انطلاقاً من المشكلات والأزمات العالمية التي سبّبها النظام المالي العالمي المفتقر للعدالة، والذي أظهرته آثار وباء كورونا والتوترات الجيوسياسية ومشكلات التضخم المتلاحقة".
ويعزو الباحث هذا الوضع إلى "عمق الخلافات بين القوى الكبرى المهيمنة على المشهد الدولي أمام استمرار التنافس والصراع على النفوذ وثروات العالم".
ويشير لعروسي إلى أنّ قمة هافانا "شكّلت فرصة للدول النامية للضغط بحثاً عن الإنصاف العالمي، وبالخصوص التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية وصعود الذكاء الصناعي، وحق الوصول إلى التقنيات وتوظيف التكنولوجيا والابتكار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة".
وفي قمة هافانا، شدّد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، على ضرورة تعزيز المجموعة مطالبها "في ظل الثورة الصناعية الرابعة"، لأنّ "الثورة الرقمية" و"التحول في مجال الطاقة" هما "تغييران رئيسيان جاريان".
وفي هذا الخصوص، يرى لعروسي أنّ تمكين الدول النامية من التكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي والتكنولوجيات الحيوية "يظل أمراً صعباً، لكنّه ليس مستحيلاً، لأنّ صلب التحدي يكمن في مدى التمسك بمسألة التعاون جنوب- جنوب وتبادل الخبرات".
ويعتقد زكرياء وهبي أنّ الدور الذي تنشده المجموعة مرتبط اليوم بالأساس بقدرتها على امتلاك التكنولوجيا وخبايا الذكاء الصناعي، لأنّ "المجال التكنولوجي أصبح عاملاً مهماً في العلاقات الدولية، ويمكن عدّه أحد الفواعل الرئيسية فيها".
ويضيف أنّ "احتكاره من طرف القوى المهيمنة دليل على الفجوة الموجودة بين العالمين المتقدم والنامي، لذا فمن الصعب من الناحية التطبيقية المطالبة بفك هذا الاحتكار، وعلى دول الجنوب العمل على تطوير هذا المجال".