يعود أول وجود عسكري للصين في أفريقيا إلى سنة 2017، حين شيدت بكين أولى قواعدها العسكرية البحرية في الخارج، في جيبوتي على بوابة البحر الأحمر. ومنذ ذلك الحين يُنظر إلى التحركات الصينية، بعد انقلابها من اقتصادية محضة إلى عسكرية، بعين الريبة من منافسيها الأمريكيين.
ريبة تضع القارة السمراء موضع تنافس شرس بين القوتيْن النوويتيْن الدوليتيْن، تحذر تقارير استخباراتية أمريكية من انتقاله من أقصى شرق القارة إلى غربها، إذ تتحدث عن نية الصين بناء قاعدة بحرية ثاني على الخليج الغيني هذه المرة، في جمهورية غينيا الاستوائية.
كما سلّطت هذه التقارير الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها منطقة خليج غينيا، التي إضافة إلى أنها منفذ مهم على المحيط الأطلسي، تزخر باحتياطيات نفطية مهمة وتقع على مفترق خطوط النقل البحري بين شمال وجنوب القارة، وبين غربها والعالم.
تنافس أمريكي صيني على غينيا الاستوائية
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" على لسان مسؤولين أمريكيين، تقارير استخباراتية سرية تفيد بعزم الصين تدشين أول وجود عسكري دائم لها على المحيط الأطلسي، في دولة غينيا الاستوائية الصغيرة الواقعة في وسط إفريقيا.
وحسب ذات المصدر، الذي رفض أن يكشف للصحيفة الأمريكية الوسائل الاستخباراتية التي أفضت بهم إلى ذلك الاستنتاج، فإن قاعدة عسكرية صينية في غينيا الاستوائية، تعني أن "السفن الحربية والبوارج الصينية بالأطلسي ستصبح قادرة على إعادة التسليح وصيانة معداتها في نقطة تقع مقابل الساحل الشرقي الأمريكي، وهو تهديد يدق جرس الإنذار للبيت الأبيض والبنتاغون".
وأكد قائد القوات الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، الجنرال ستيفن تاونسند، أن الصينيين "يبحثون أيضاً عن مواني أخرى على ساحل غرب إفريقيا، لكنهم حققوا أكبر قدر من التقدم في غينيا الاستوائية".
ورداً على هذا الواقع، أرسلت الولايات المتحدة مؤخراً وفداً مشتركاً بين الوكالات إلى غينيا الاستوائية لمناقشة مخاوف واشنطن الأمنية من الطموح الصيني. وفي هذا الصدد، أوضح الجنرال تاونسند: "كأولوية أولى، نحتاج إلى منع أو ردع أي فضاء صيني على الساحل الأطلسي لإفريقيا".
فيما يتزايد القلق الأمريكي مع هذه المنافسة الصينية العسكرية لها في القارة، والتي بلغت حسب تقارير أخرى للبنتاغون، أن الصين في سنة 2021 بحثت مع حكومات 13 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء، ضمنها أنغولا وكينيا وسيشل وتنزانيا وناميبيا، من أجل إمكانية إنشاء قواعد عسكرية لها على تلك الأراضي، استكمالاً لما بدأته سنة 2017 بإنشاء قاعدة بحرية في القرن الإفريقي، تضم 2000 جندي صيني.
بالمقابل جادلت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية التي يديرها الحزب الشيوعي، بأنه لن يكون "معقولاً" أن تشارك بكين في "لعبة استراتيجية للقوة العظمى" في المحيط الأطلسي، معلّلة نشاط البلاد العسكري في القرن الإفريقي بأنه يدخل ضمن خطط (بكين) لمكافحة القرصنة في المنطقة".
وردت غلوبال تايمز على التقارير الأمريكية قائلة: "إذا كانت الصين ستنشئ محطة إمداد بحرية لهذه الغاية، فسيكون الأمر مختلفاً عما تخيلته الولايات المتحدة، وستفيد المنطقة دون أي ضرر".
طموح الصين في خليج غينيا
هذا ويفسر التنافس على خليج غينيا، بما يمثله التواجد الصيني به بالنسبة للأمريكيين، أي حصوله على منفذ على المحيط الأطلسي، مقابل السواحل الشرقية الأمريكية، ما سيمكن البواخر الحربية الصينية قدرات على الامداد والتسليح بشكل أسهل وأسرع، كما سهولة صيانتها والرفع من جاهزيتها القتالية في مياه المحيط.
لكن ليس هذا المكسب الاستراتيجي الوحيد للصين إذا حظيت بوجود عسكري دائم في غينيا الاستوائية، بل سيمكنها ذلك من وضع يدها على احتياطيات النفط الذي تزخر به المنطقة، كما ستطل بذلك على أحد أهم التقاطعات التاريخية لخطوط النقل البحري بين شمال وجنوب القارة وغربها والعالم.
وسعت بكين للحصول على هذا النفوذ في مياه الخليج الإفريقي بحصولها على صفقة توسيع ميناء باتا أكبر مدن غينيا الاستوائية، حيث تمر معظم واردات النفط والسلع التجارية نحو دول "المجموعة المالية لوسط إفريقيا".
وبدأ إنشاء مشروع ميناء باتا في أوائل فبراير/شباط 2009، بمدة إنجاز تعادل 65 شهراً، وتولى مكتب المساعدات الخارجية التابع لوزارة النقل الصينية وشركة "China Road and Bridge" عمليات الإنشاء. فيما موّل المشروع بنك "Eximbank" بقرض يزيد عن 267 مليون يورو.