لا مزيد من الاستثناءات، تنتهي غداً المهلة المحددة التي منحتها الولايات المتحدة لعدد من الدول من بينها تركيا، الصين والهند لشراء الإمدادات الإيرانية من النفط لتبدأ حملة جديدة من حملات دونالد ترمب للضغط على إيران اقتصادياً.
"لن يتم استثناء أية دولة بعد انتهاء المهلة المحددة، نحن نتجه إلى سياسة صفر صادرات هذه المرة"، قالها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال إعلان واشنطن قرارها بوقف الاستثناء الأمريكي لـ8 دول تستورد النفط الإيراني.
والهدف كما قال بومبيو هو حرمان النظام الإيراني، الخارج عن القانون بحسب وصفه، من ربح الأموال التي يستخدمها لزعزعة استقرار الشرق الأوسط على مدار عقود من الزمن، مضيفاً أن حرمان طهران من هذه الأموال قد يدفعها إلى أن تتصرف كدولة طبيعية.
فكيف ستتعامل إيران مع حزمة العقوبات الجديدة، وكيف سيكون رد الدول الـ8 المعنية بتلك العقوبات؟.
ليست المرة الأولى
اعتادت إيران الحظر الاقتصادي لعقود طويلة وهذا ما جعل اقتصاده غير منفتح على الاقتصاد الدولي وبعيداً في تعاملاته التجارية عن الدولار الأمريكي، إلا أن واشنطن تعتزم هذه المرة أن تزيد من ضغطها على طهران بحرمانها من كل صادراتها النفطية للمرة الأولى.
يقول ناصر قلاوون، أستاذ الاقتصاد السياسي في لندن في حديثه لـTRT عربي أن إيران قد تحدّت الحظر من قبل واستمرت في تصدير النفط، إذ قامت بتصدير مليون برميل كإنتاج يومي تحت وطأة العقوبات الأمريكية، هذا الرقم قد ينخفض الآن إلى 600 ألف برميل تصدّرهم إيران من خلال الدفع بالأجل أو مقايضتها النفط مقابل سلعات أخرى مع بعض الدول، وتحديداً المقايضة مع دول على استعداد للتجارة من تحت الطاولة مثل العراق وروسيا.
ليس جديداً على إيران أن تلجأ إلى البيع في السوق السوداء لتحقيق الربح، يقول عامر البياتي، المختص في الطاقة الذرية والنفطية لـTRT عربي.
"إن هناك بدائل لإيران، فهي على مدار الحظر تصدّر النفط من خلال الموانئ العراقية على مرأى من الولايات المتحدة وحلفائها"، يضيف البياتي.
تكون الصين من بين البدائل الأخرى التي يمكن لإيران أن تراهن عليها، إذ تلعب بكين دوراً تجارياً أكثر منه عسكرياً وذلك من خلال مبادرة الحزام المعروفة بـ"طريق الحرير".
وحسب قلاوون فإن بإمكان إيران الاستفادة من مشاريع السكك الحديد التي تعتزم الصين بناءها على الأرض، مثل مشروع الطريق السريع الذي يربط تركستان الشرقية، تركيا وطهران. وتتجلى هذه الاستفادة في كون تلك الاستثمارات تخضع للمعاملات بدون سيولة.
تهديدات إغلاق مضيق هرمز
إيران لم ترضخ للعقوبات الأمريكية، هي الأخرى جهزت أوراقاً للضغط من بينها التهديد بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي.
"الخيار النووي الحقيقي"، هكذا وُصف مضيق هرمز من قبل محللين غربيين، ويؤكد على ذلك الجانب الإيراني حينما قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري "لا نريد إغلاق مضيق هرمز ولكن إن استمر الأعداء في التصعيد، يمكننا أن نغلقه بالفعل".
مضيق هرمز، الممر المائي الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب، يمر عبره أيضاً كل إنتاج قطر تقريباً، و18.5 مليون برميل من النفط يومياً بحسب معلومات إدارة الطاقة الأمريكية، ما يعني مرور نحو 30% من النفط الخام في العالم وغيره من السوائل النفطية منه.
كما يمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدّرة للبترول "أوبك".
يتابع البياتي، أن الولايات المتحدة تحاول إرضاخ إيران لكي تذعن للإدارة الأمريكية، وبالمقابل إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز، إلا أن الخريطة الجيوسياسية للمضيق تخضع للقانون البحري الدولي وقوانين الملاحة للأمم المتحدة، وهذا قد يخضع إيران لمواجهة الأسطول الأمريكي الموجود هناك وهو ما يوقعها في أزمة يصعب الخروج منها في حالة إغلاق المضيق.
كيف ستكون ردة فعل الدول المعنية؟
على الرغم من استسلام إيطاليا واليونان وتايوان للقرار الأمريكي، وانسحابها من استيراد النفط الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن الدول الثمانية الأخرى، من بينهم الصين والهند وتركيا، لم تستلم بعد.
"لا يجب أن يتوقع الناس أن تتخلى تركيا عن إيران بهذه السهولة، لا نريد خرق العقوبات ولكننا لا نريد أن نخسر الحق في شراء النفط من إيران"، كان هذا تصريح إبراهيم قالن، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، والذي أكد بحث تركيا عن بدائل.
الرد التركي لم يخالف ما صرحت به الصين، وهي من أكثر الدول اعتماداً على إمدادات إيران النفطية، بأنها تعارض القرار الأمريكي وأن اتفاقيات التبادل بين الصين وإيران كانت اتفاقيات يرعاها القانون.
يؤكد قلاوون أنه قد تضطر العقوبات الأمريكية إيران للجلوس على طاولة المفاوضات بشكل غير مباشر، من خلال وساطة غربية، وقد تتنازل الأخيرة لبعض الشروط الأمريكية مثل الانسحاب العسكري من سوريا، وقد تقدم جائزة ترضي السعودية والأطراف العربية بخصوص اليمن، فغاية الولايات المتحدة واضحة، وهي حصار ليس من أجل النفط وإنما استتباع استراتيجي في المنطقة في محاولة لإرضاء إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، وإرضاء مزودي السوق الدولي بالنفط بديلاً عن إيران وهم السعودية والإمارات.