تابعنا
مع تواصل الحرب للشهر الثاني دون تمكّن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ أهدافه، وفي ظل التوغل البري وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين، بدأت دول أوروبية في التراجع وتغيير لهجتها.

شكّلت عملية طوفان الأقصى صدمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية دفعتها إلى دعم إسرائيل بالمال والسلاح من أجل "القضاء على حماس"، لكن تلك الأطراف بدأت تمتص الصدمة وتُخفّف من مواقفها الداعمة لتل أبيب.

ويبدو أن هذه الدول بدأت تتراجع عن المساندة المطلقة لإسرائيل، بعد أن نفّذت الأخيرة مجازر أدت إلى استشهاد أكثر من 10 آلاف فلسطيني، فضلاً عن إصابة أكثر من 26 ألفاً آخرين.

ومع تواصل الحرب للشهر الثاني من دون تمكّن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ أهدافه، وفي ظل التوغل البري وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين، بدأت دول أوروبية في التراجع وتغيير لهجتها.

انتقادات لإسرائيل

كانت البداية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يظهر أنه شجع القادة الأوروبيّين على التخفيف من حدة دعمهم لاستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقال غوتيريش في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن هجمات حركة حماس "لم تحدُث من فراغ"، مشيراً إلى أن الفلسطينيين تعرضوا لاحتلال "خانق" طوال 56 عاماً.

وفي كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أعلن عن مقتل ما لا يقل عن 35 من موظفي الأمم المتحدة جرّاء القصف الإسرائيلي على غزة، مجدداً ندائه "لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية".

وأشار غوتيريش إلى أن الوضع في الشرق الأوسط يزداد سوءاً "كل ساعة"، محذراً من أن "الحرب في غزة تزداد حدّة مع مرور الوقت، وخطرُ امتدادها إلى المنطقة يتزايد".

بدوره، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما يمكن فهمه على أنه انتقاد لإسرائيل، بعد إعلان دعمه لها عقب الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى، ودعوته إيّاها إلى "ردّ قوي وعادل"، مؤكداً أنها تعمل على "الدفاع عن نفسها".

لكنّ ماكرون عاد إلى القول في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن "مكافحة الإرهاب لا تبرر التضحية بالمدنيين ومهاجمتهم من دون تمييز".

وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس طلبت من إسرائيل توضيحات بعد قصف استهدف "المعهد الفرنسي" في غزة، وهي المؤسسة الثقافية التابعة للوزارة.

وقالت الخارجية الفرنسية: "طلبنا من السلطات الإسرائيلية أن تمدّنا من دون تأخير عبر الوسائل المناسبة بالعناصر الملموسة التي دفعت إلى هذا القرار".

وفي بيان ثانٍ، أدانت الوزارة "الهجمات ضد مواقع الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني الذين يعدُّ عملهم ضرورياً للسكان المدنيّين في غزة، وكذلك ضد مقارّ وسائل الإعلام".

وذكر بيان الخارجية أن "فرنسا تعرب عن قلقها العميق إزاء عدد الضحايا المدنيين في غزة، الذي وصل إلى عدة آلاف، وإزاء الوضع الإنساني الخطير"، مشدداً على أن "حماية المدنيين واجب أخلاقي والتزام دولي. ونطالب إسرائيل باتخاذ إجراءات ملموسة في هذا الاتجاه".

وقالت وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا، إن الغارة على المعهد الفرنسي في غزة "تثير لدينا تعجّباً وعدم فهم".

وذهب بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد، أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي بقطعها الغذاء والماء عن قطاع غزة، وانتقد إجلاء المدنيين من المناطق الشمالية واصفاً إياه بأنه "غير واقعي".

مراجعة المواقف

وتراجع الاتحاد الأوروبي في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن إعلان تعليق المساعدات للفلسطينيين رداً على الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، بعد أن ألغى وزراء خارجية الاتحاد قرار المفوضية الأوروبية بتجميد المساعدات.

وأعلن أوليفر فارهيلي، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار، أن المفوضية تضع جميع مساعداتها التنموية للفلسطينيين البالغة قيمتها 691 مليون يورو، قيد المراجعة، مشيراً في تغريدة على موقع إكس إلى أن جميع المدفوعات "عُلقت على الفور".

وأثار هذا الإعلان خلافات بين القادة الأوروبيين، إذ أعربت كل من إسبانيا وفرنسا في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن معارضتهما لقرار المفوضية الأوروبية بتعليق المساعدات للفلسطينيين، ليجري التراجع عن القرار "لأنه يضر بالمدنيين".

وبدلاً من ذلك، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن "المفوضية ستعمل على الفور على زيادة حجم المساعدات الإنسانية الحالية المقررة لغزة بمقدار 50 مليون يورو، وبذلك يصل المبلغ الإجمالي للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 75 مليون يورو".

ووفق موقع ميدل إيست آي البريطاني، فإنّ اللهجة الأوروبية بدأت تتغير بعد قصف إسرائيل للمستشفى الأهلي المعمداني في غزة، الذي خلّف مئات الضحايا.

وأضاف الموقع أنه "في الساعات التي تلت الحادث، تصاعدت ردود الفعل، وتركزت في الغالب على احترام السكان المدنيين وقواعد القانون الدولي، والحاجة إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة".

وهو ما اضطر أورسولا فون دير لاين إلى محاولة موازنة موقفها نسبياً، من خلال الإعلان عن مضاعفة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين ثلاثة أضعاف، حسب الموقع.

وفي وقت مبكر من تصاعد المجازر الإسرائيلية، طالبت كل من وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية، إيوني بيلارا، ووزيرة التعاون الدولي البلجيكية كارولين غينيز بالتحقيق في "جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل".

وبعدما منعت دول أوروبية التظاهر ومُنع رفع علم فلسطين على غرار ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، جابت المظاهرات أنحاء تلك البلدان على مدار الأسابيع الماضية بفعل الضغط الجماهيري الكبير، ما دفعها إلى التراجع.

النزول عن الشجرة

وفي ظل هذه المواقف المتغيّرة والضغط الدولي المتزايد، اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مكالمة هاتفية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، الموافقة على وقف الحرب لمدّة ثلاثة أيام، للعمل على إطلاق سراح بعض الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة، حسب ما قال مسؤولَان أمريكيّان وإسرائيليون لموقع "أكسيوس" الإخباري.

ويواجه بايدن معارضة ضخمة لهذا العدوان في وقت تزداد فيه التظاهرات التي كانت آخرها مسيرة توجّهت نحو البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، وقدرت "إي بي سي نيوز" عدد المشاركين فيها بأكثر من 300 ألف شخص.

وفي كلمة ألقاها نهاد عوض، مدير مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) خلال مظاهرة 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قال إن "اللغة التي يفهمها بايدن وحزبه هي لغة الأصوات في الانتخابات، ورسالتنا هي: لا وقف لإطلاق النار، لا تصويت".

بدورها قالت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، إن "بايدن دعم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، لن ينسى الأمريكيون هذا"، مطالبةً الرئيس بدعم وقف إطلاق النار أو "لا تعتمدوا علينا في (انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني) 2024".

وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة رويترز بشراكة مع معهد "إبسوس" لاستطلاعات الرأي، أن شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن تراجعت هذا الشهر إلى أدنى مستوى لها منذ نيسان/أبريل الماضي، وهي أحدث بيانات تثير المخاوف بشأن محاولة الديمقراطيين إعادة انتخابه العام المقبل.

وارتفعت نسبة المشاركين في الاستطلاع -الذين قالوا إن "الحرب والصراعات الخارجية" هي المشكلة الأولى- إلى 8% خلال نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن كانت النسبة 4% خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي علامة على عدم الارتياح حيالَ التصعيد الحالي في الأراضي الفلسطينية.

وقالت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية: "يبدو أن التعاطف مع إسرائيل بعد هجمات الشهر الماضي قد جفّ، لم يخرج أنصار الفلسطينيين إلى الشوارع فحسب، بل استخدموا أيضاً لوحات المفاتيح الخاصة بهم"، في إشارة إلى النشاط الواسع على مواقع التواصل.

وبناءً على طلب الصحيفة، جمعت شركة (DMR) المتخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مليون مشاركة من (Instagram وTwitter وYouTube) في الفترة من 7 إلى 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وجدت الشركة تحولاً حاداً ضد إسرائيل مع مرور الوقت، وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أوّل يوم لعملية طوفان الأقصى، حصل الجانبان على حصص متساوية تقريباً من الدعم، لكن بحلول التاسع عشر من الشهر ذاته، كانت المنشورات المؤيدة للفلسطينيين أكثر شيوعاً بمقدار 3.9 مرة من تلك المؤيدة لإسرائيل.

وقد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتطلع إلى "حرب طويلة وصعبة"، لكن سابقه إيهود باراك يخشى أن إسرائيل لم يتبقَّ لها سوى أسابيع فقط للقضاء على حماس، إذ يتأرجح الرأي العام بسرعة، لا سيّما في الولايات المتحدة، ضد هجماتها على غزة، وفق ما صرح لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.

ولاحظ باراك الذي قاد الحكومة الإسرائيلية بين عامي 1999 و2001، أن خطاب المسؤولين الأمريكيين تحول في الأيام الأخيرة مع تزايد الدعوات لوقف القتال لأسباب إنسانية.

وأعرب عن قلقه من أن "التعاطف الذي نشأ تجاه إسرائيل في أعقاب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بدأ يتضاءل الآن".

وتابع: "يمكنك أن ترى أن الكوّة تغلق، ومن الواضح أننا نتجه نحو احتكاك مع الأمريكيين بشأن الهجوم. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تملي على إسرائيل ما يجب فعله، لكن ليس بوسعنا تجاهلهم"، في إشارة إلى دور واشنطن باعتبارها الضامن الرئيسي لأمن إسرائيل.

ولفت باراك بالقول: "سيتعين علينا أن نتقبل المطالب الأمريكية في غضون الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة، وربما أقل من ذلك".

TRT عربي