طرح خبراء أمميون وحقوقيون مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث" لوصف الفظائع المرتكبة بحق الفلسطينيات على مدار شهور الإبادة / صورة: AA (AA)
تابعنا

المسؤولة الأممية ماريس غيمون صرحت في شهر يوليو/تموز الماضي قائلة: "مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب ممتدة"، وأضافت أن "النساء في غزة جائعات، منهكات، مريضات، ويحافظن على بقاء الأسر متماسكة على الرغم من أنهن يعشن في خوف مستمر وفقدان".

إلى جانب ذلك، طرح خبراء أمميون وحقوقيون مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث" لوصف الفظائع المرتكبة بحق الفلسطينيات على مدار شهور الإبادة، وهو مصطلح أيدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، التي صرحت قائلة: "اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من استراتيجية إبادة جماعية ممنهجة".

وأكدت السالم، الأحد، أن "قتل الفلسطينيات لمجرد أنهن نساء يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، مشيرة إلى أن "قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية يستخدمان أداةً ضمن الإبادة الإسرائيلية الجماعية في قطاع غزة".

ووفقاً لآخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل خلال أكثر من 15 شهراً من الحرب 12316 سيدة.

فقدان المعيل

السيدة منيرة شبات، من بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، تقول: "إنّ المعاناة في الحرب كانت مضاعفة على الجميع، وخاصة النساء اللواتي تحملن أعباء كبيرة خلالها".

وتوضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل زوجها، الذي كان سندها في الحياة ومصدر الأمان لعائلتها والمعيل الوحيد لها، وذلك في الشهر الثاني من الحرب، تاركاً لها طفلين صغيرين لإعالتهما.

وتصف ذلك قائلة: "كان الأمر شاقاً للغاية، وخاصة لكوني نازحة داخل مدرسة منذ بداية الحرب، بعد أن فقدنا منزلنا في بيت حانون".

أما عن معاناة المعيشة، فتقول: "اضطررت للوقوف في طوابير طويلة من أجل تعبئة المياه، وانتظرت أمام المخبز أكثر من 7 ساعات للحصول على ربطة خبز، وفي أيام المجاعة بقينا لأيام كاملة من دون طعام".

وتشير إلى أن عائلتها وعائلة زوجها نزحتا منذ بداية الحرب إلى جنوب القطاع، لكنها تؤكد: "زوجي رفض النزوح وأصرّ على البقاء في الشمال، وبعد استشهاده اخترت أن أبقى"، وفق تعبيرها.

ووفق بيانات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 13901 سيدة فقدن أزواجهن خلال حرب الإبادة الجماعية.

أعباء كبيرة

إيمان الغزالي، وهي أم لسبعة أبناء، تعيش في حي التفاح شرقي مدينة غزة، تسرد قسوة المعيشة التي مرت بها في أثناء الإبادة الجماعية، قائلة: "في أيام المجاعة التي عشناها، كنت أتألم كلما طلب مني أحد أبنائي طعاماً ولم أجد ما أسد رمقهم به".

وتتابع حديثها: "الأمومة في الحرب مأساة بكل تفاصيلها، نحن النساء أكثر المتضررين خلال الحرب الطاحنة، تحملنا أعباء لم نعتد عليها طوال حياتنا".

وتشير إلى أن ابنتها الكبرى "ريم" وضعت مولودها الأول بعد اندلاع الإبادة الجماعية بنحو ستة شهور وسط ظروف معيشية وصحية صعبة للغاية، وحينما كانت المجاعة في أشد حالاتها.

وتلفت الغزالي إلى أنهم بالكاد كانوا ينجحون في تأمين وجبة طعام واحدة لها طوال اليوم، بينما كانت مستلزمات الأطفال الأساسية مثل الحفاضات والحليب غير متوافرة تماماً.

انعدام الخصوصية

أما وفاء شلوف، التي نزحت إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فقد عايشت مرارة الحرب وانعدام الخصوصية والظروف القاسية بكل تفاصيلها.

وتقول: "خلال الحرب الإسرائيلية، عشنا معاناة صعبة جداً، لم تكن المياه متوافرة، وكان إشعال النار من أجل طهي الطعام تحدياً يومياً، حتى الطعام لم يكن متاحاً لنا إلا بصعوبة عبر التكيات، ومع ذلك، كنا نعاني كثيراً للحصول عليه".

وتضيف: "في مخيمات النزوح، كانت المرأة هي المسؤولة الأولى عن توفير الاحتياجات الأساسية لعائلتها، حتى وإن تطلب الأمر الوقوف في طوابير لساعات طويلة من أجل الحصول على ربطة خبز أو غالون ماء".

أما أم سميح دولة، التي نزحت منذ أكثر من 15 شهراً من منزلها ومكان سكنها، فتصف معاناة النزوح بأنها "الهموم والصعوبات المتراكمة التي لا تنتهي".

وتوضح "أم سميح"، وقد بدا التعب واضحاً على وجهها وعينيها الغائرتين، أن انعدام الأمن الغذائي والمياه الصالحة للشرب جعلا الحياة شبه مستحيلة، وخاصة مع مرض زوجها وحاجتها إلى إطعام أطفالها الخمسة.

وتقول إنها وعائلتها تعيش على المساعدات، مؤكدة أنه "لو لم يكن هناك تكيات توفر لنا بعض الطعام بعد انتهاء الحرب، فإننا لن نجد شيئاً نأكله".

وتضيف: "الحياة قاسية جداً، البرد يفتك بنا، ووسيلتنا الوحيدة للدفء هي احتضان بعضنا بعضاً، لكن ذلك لا يجدي نفعاً من دون غطاء يحفظ حرارة أجسادنا".

ضغوط نفسية

لم تقتصر معاناة النساء على الجانب المعيشي فقط، بل امتدت إلى الجانب النفسي أيضاً، إذ أثر النزوح والدمار ومشاهد الموت على صحتهن النفسية والجسدية، وفق ما ذكرته الاختصاصية النسوية روان شتات.

وتؤكد شتات أن النساء في غزة تعرضن لضغوط نفسية هائلة خلال حرب الإبادة الجماعية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر بينهن.

وتقول: "الحرب والنزوح أثرا بشكل كبير في صحة النساء النفسية، فالكثيرات يعانين من القلق المستمر والتوتر، حتى إن بشرة العديد منهن تغيرت بسبب سوء التغذية والإجهاد النفسي، وهناك حاجة ماسة إلى جلسات دعم نفسي لمساعدتهن على التعافي".

إلا أن الوصول إلى هذه الجلسات ليس بالأمر السهل، إذ أوضحت شتات أن النساء غير قادرات على الالتحاق بها بسبب انشغالهن بتأمين أساسيات الحياة اليومية لأسرهن، إضافة إلى صعوبة التنقل بسبب ندرة وسائل المواصلات جراء شح الوقود.

واعتبرت أن "وقف إطلاق النار هو المدخل الأساسي لتمكين النساء من الوصول إلى الدعم النفسي واستعادة بعض الاستقرار في حياتهن".

وفي 19 يناير/كانون الثاني الجاري، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل.

وخلال الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، ارتكبت إسرائيل، بدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 159000 فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 14000 مفقود.

TRT عربي - وكالات