في ذلك الوقت، وخلال انتفاضة الأقصى، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية على المخيم ذاته ودمره، لكنّ تل أبيب خلال عمليتها الحالية هجّرت أغلب الفلسطينيين هناك، وهو ما لم يحدث في 2002، وفق الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أحمد أبو الهيجاء.
ويروي نازحون في أحد مراكز الإيواء بمدينة جنين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أجبرهم على مغادرة منازلهم، فامتثلوا خشيةً على حياة أطفالهم، وسط تدمير واسع للبنية التحتية وهدم منازل.
وفي وقت سابق الأربعاء، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن مصدر عسكري لم تسمه، أن "نحو 60 مبنى في المخيم جرى هدمها خلال أسبوع". وأضافت الصحيفة: "في جولة داخل مخيم جنين، بدا الدمار واسع النطاق، والمخيم الآن في حالة خراب".
أما وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، فأفادت بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي هدم نحو 100 منزل خلال عدوانه على المخيم، وأحرق أخرى، وأجبر معظم الفلسطينيين على الرحيل.
وفي تصريحات سابقة، قال رئيس بلدية جنين، محمد جرار، إن عدد المهجّرين يصل إلى نحو 3200 أسرة فلسطينية، أي قرابة 15 ألف نسمة، فيما لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد من انقطعت بهم السبل. لكنه أشار إلى تقديرات محلية تفيد بوجود "نحو 70 حالة إنسانية وعائلات لا تزال داخل المخيم بحاجة إلى تدخل عاجل لإخراجها".
وأكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "ينكّل بكل من يعثر عليه داخل منزله ويجبره على مغادرة المخيم".
ومنذ 21 يناير/كانون الثاني الجاري، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية في جنين ومخيمها التي أطلق عليها اسم "السور الحديدي"، مما أسفر عن استشهاد 18 فلسطينياً وإصابة 50 آخرين حتى ظهر الأربعاء، وفق مصادر فلسطينية رسمية.
وفي وقت سابق الأربعاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في كلمة متلفزة من داخل مخيم جنين: "لن يعود المخيم إلى ما كان عليه، وبعد انتهاء العملية (لم يحدد موعداً لذلك)، ستبقى قوات من الجيش الإسرائيلي فيه".
أعداد كبيرة من النازحين
وحول أوضاع النازحين، قال رئيس جمعية رعاية الكفيف، ياسين أبو سرور، في أثناء تفقده مركزاً للجمعية، إن نحو 85 نازحاً "أُجبروا على مغادرة منازلهم في مخيم جنين بأمر من الجيش الإسرائيلي".
وأضاف أبو سرور: "وصلت إلينا أعداد كبيرة تفوق قدرة الاستيعاب، فخصصنا لكل عائلة غرفة حتى اكتملت الطاقة الاستيعابية". أما بقية العائلات الفلسطينية، فقد لجأت إلى البلدات المجاورة حيث أقاربهم ومعارفهم، وفق رئيس الجمعية.
وتابع أبو سرور: "نوفر الطعام والشراب للنازحين، كما تقيم الفتيات فقرات ترفيهية للأطفال في ملعب معشب، وهناك تبرعات من أهل الخير".
بدوره، قال النازح يوسف شريم، من شارع مهيوب بمخيم جنين، إنه خارج منزله منذ 64 يوماً بسبب العملية العسكرية للأجهزة الأمنية الفلسطينية، تلتها عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف شريم، وهو والد لأسيرين وشهيد: "نعيش أوضاعاً أصعب من معركة مخيم جنين عام 2002، فهذه المرة الاجتياح أوسع، والجيش الإسرائيلي طرد غالبية السكان".
وأشار إلى أنه لا يعلم شيئاً عن مصير منزله بسبب الحصار الإسرائيلي، مؤكداً: "ما يجري في غزة من إبادة أمر مروّع، لكنّ الاحتلال يرتكب أيضاً جريمة كبرى في مخيم جنين".
وأعرب عن خشيته من حجم الدمار في المخيم، مضيفاً: "كل حياتي فيه، أسست فيه عائلتي، ولا بديل عنه".
معاناة النزوح القسري
في مكان قريب، تفحص السيدة الفلسطينية أم رامي بعض الملابس التي قدمتها مؤسسات إغاثية، قائلة: "ما جرى كان صعباً للغاية، بقينا في المنزل خمسة أيام، لكن انقطاع الماء والطعام والكهرباء أجبرنا على النزوح بعد تهديد الاحتلال".
وعن طريق النزوح، أوضحت أنها وعائلتها أُجبروا على السير في طرقات دمَّرتها جرافات الاحتلال حتى وصلوا إلى المدينة. وتابعت: "في الطريق، كان كل شيء مدمراً، وأمرنا جيش الاحتلال بالخروج من الجهة الغربية للمخيم".
وذكرت أن قوات الاحتلال دققت في هويات النازحين، واعتقلت شباناً فلسطينيين بعد التنكيل بهم أمام المارة.
نزحت أم رامي مرات عديدة منذ عام 2002، لكنها تؤكد أن "الوضع هذه المرة مختلف، فالاحتلال يدمر كل شيء".
ويقع مركز إيواء أم رامي على تلٍّ يطلّ على مخيم جنين، وعن ذلك قالت: "نسمع من هنا أصوات الانفجارات، ونرى الدخان يتصاعد من المنازل المحترقة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية".
وفي تعبير عن تمسكها بديارها، ختمت حديثها بالقول: "لو استطعت العودة الآن لفعلت، لن نترك المخيم، سنعود ونعيد بناء ما دمره الاحتلال".
إلى جانب الإبادة في غزة، وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن استشهاد 882 فلسطينياً وإصابة نحو 6700 آخرين، واعتقال 14300، وفق معطيات رسمية فلسطينية.
وبين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، ارتكبت إسرائيل بدعمٍ أمريكي، إبادة جماعية في غزة، أوقعت نحو 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى أكثر من 14000 مفقود.