ما زال أكثر من 2.2 مليون شخص في قطاع غزة يعيشون معاناة يومية في الحصول على لقمة خبز أو شربة ماء، في سياسة تجويع جماعية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، بعد مرور 25 يوماً على عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط مجازر يومية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي من دون هوادة، تستهدف المدنيين والمنشآت العامة.
أزمة الخبز
وعلى طوابير الانتظار التي تمتد لمئات الأمتار ويطول وقتها لـ5 ساعات وأكثر، ينتظر الغزيون (النازحون من الشمال إلى الجنوب) الحصول على ربطة خبز (5 إلى 6 أرغفة) لسدّ رمقهم، وإسكات جوع أولادهم، الذين لا يفارقهم الخوف ليلاً ولا نهاراً من أصوات الصواريخ، التي ترميها الطائرات الإسرائيلية من كل حدب وصوب.
وعن ذلك تقول السيدة الخمسينية فاطمة، وهي أم لـ4 أولاد: "نقف في طوابير على المخبز في رفح جنوبي غزة، منذ الساعة 5:30 صباحاً بانتظار دورنا، ولسنا متأكدين حتى ما إذا كنا سنحصل على الخبز".
فاطمة التي هجّرها الاحتلال رغماً عنها إلى جنوب القطاع بعد أن كانت تعيش في حي الشاطئ، تصف لـTRT عربي المشهد اليومي حول امتداد الطوابير أمام مخبز واحد فقط، بقي ينتج الخبز في رفح، بعد أن قصف الاحتلال الإسرائيلي 8 مخابز ودمّرها بشكل كامل.
وتبيّن السيدة أنّ ربطة الخبز الواحدة تكلف قرابة 8 شواكل (نحو 2 دولار) بوزن 2.5 كيلوغرام، وهي تكفي لعائلة من 4 أفراد، مشيرةً إلى أنّ المخبز أحياناً يجبر الناس على إحضار الطحين (الحنطة) بسبب نقص الإمدادات وعدم توافر الطحين بشكل دائم.
سلاح التجويع
وقالت منظمة أوكسفام الخيرية -مقرها المملكة المتحدة- في تقرير لها، إنّ إسرائيل تمارس سياسة "العقاب الجماعي" لأكثر من مليوني مدني في قطاع غزة، وإنّ استخدام سلاح المجاعة "أمر لا يغتفر".
وكتبت أوكسفام أنّ الدعوة إلى المساعدات العاجلة ووقف إطلاق النار الآن أمران ضروريان، مشيرة إلى أنّ أكثر من مليوني مدني في قطاع غزة يتعرضون لعقاب جماعي، حتى يرى العالم كيف أنّ إسرائيل تستخدم "التجويع كسلاح في الحرب".
وأشارت المنظمة إلى أنّه بناءً على تحليل بيانات الأمم المتحدة، فإنّ 2% فقط من المواد الغذائية التي كانت تصل إلى قطاع غزة جرى إدخالها منذ فرض الحصار الشامل في 9 أكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي يشكل تشديداً للحظر القائم أصلاً منذ سنوات، كما لم تدخل أي سلع غذائية تجارية رغم السماح بدخول كمية صغيرة من المساعدات الغذائية.
"طوابير الموت"
محمود الوالي (41 عاماً) من حي "دير البلح" في غزة، يقول إنّ "الحياة في غزة أصبحت صعبة جداً، لا نجد ماءً نظيفاً، ولا نستطيع الحصول على الطعام بسهولة".
ويضيف الوالي لـTRT عربي: إنّ "الحياة في غزة باتت مقسمة إلى طوابير من الخبز والمياه"، كما يعبّر الرجل عن أهوال ما يحصل من قصف ودمار بقوله: "الموت أصبح بالطوابير أيضاً، والذي لا يأتي دوره اليوم، يأتي الغد".
ويشير إلى أنّ كثيراً من السكان لجؤوا إلى الشاطئ للاستحمام بمياه البحر، بسبب العجز عن تأمين احتياجاتهم من المياه النظيفة، جراء قطع إسرائيل لإمدادات المياه، وعدم توافر الوقود لتشغيل محطات التحلية.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" قالت في بيان لها، إنّه على مدى الأسابيع الماضية، أفادت التقارير بوفاة آلاف الأطفال وإصابة آلاف آخرين بجراح، كما قُطعت المياه والغذاء والدواء وغيرها من الضروريات عن الأطفال والأسر في غزة، بما في ذلك إمكانية الوصول الآمن إلى المستشفيات بعد الأعمال العدائية المستمرة.
ودعت اليونيسيف إلى وقف فوري لإطلاق النار وإتاحة الوصول الإنساني من دون عوائق، للسماح بوصول المساعدات إلى الأطفال والأسر المحتاجة وإنقاذ الأرواح ومنع المزيد من المعاناة.
كارثة تهدّد الأطفال
وتشكو الغزيّة حنان عبدربة قلة توافر حليب الأطفال، وتقول: "سوف أخسر طفلي إذا لم يتوافر الحليب"، معبرةً عن قلقها من عدم توافر حليب الرُّضع لطفلها البالغ من العمر ثلاثة أشهر، إذ إنّها "لم تجد عبوة حليب واحدة منذ أكثر من 10 أيام في مختلف مناطق القطاع".
وتوضح حنان لـTRT عربي، أنّها تلجأ إلى غلي الماء مع السكر إذا توافر، بديلاً عن الحليب، مضيفةً أنّ "الأمر يجب ألّا يستمر؛ لأن طفلها بدأت تظهر عليه علامات الهزال والضعف".
وبيّنت أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وبعض المنظمات كانت تقدم حليباً للرُّضع (عبوة كل 10 أيام)، لكن بعد منع الاحتلال دخول المساعدات للقطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا توجد ما تطعم به طفلتها، داعيةً الجهات الدولية إلى الإسراع في إنقاذ أهل غزة من كارثة المجاعة التي يتعمّدها الاحتلال.
وأكدت حنان أنّ الاحتلال دمّر أغلب المراكز الصحية ودور الرعاية والمستشفيات، وهو ما تسبّب بتلف الأدوية والمستلزمات الطبية والعلاجية لكثير من الأطفال والمرضى والحوامل.
شحّ الوقود يفاقم الكارثة
وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة، أكدت في بيان لها، أنّه ما زال الاحتلال يقطع الكهرباء ومياه الشرب، ويمنع إدخال إمدادات الوقود والدواء والغذاء، ما يفاقم حجم الكارثة.
وأضافت الوزارة أنّه لم يدخل قطاع غزة قطرة وقود واحدة منذ 25 يوماً، وهو ما يسبّب توقف محطات المياه وقطع الكهرباء عن القطاع.
من جهته حذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، من أنّ الترتيب الراهن لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر "محكوم عليه بالفشل".
وأوضح المسؤول الأممي بقوله: "لنكُن واضحين؛ العدد القليل لقوافل المساعدة التي سمح لها بالدخول عبر رفح لا يُقارن بحاجات أكثر من مليونَي شخص عالقين في غزة"، داعياً الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ قرار بشأن "وقف إطلاق نار إنساني فوري".
من جانبها قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنّ 150 شاحنة مساعدات دخلت قطاع غزة منذ اشتعال الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنّ هذا العدد يكاد يشكل نقطة في بحر الاحتياجات، ولا سيّما مع نزوح ما يقارب مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها، كما أنّ المساعدات التي دخلت القطاع بعيدة للغاية عن أن تفي بالاحتياجات "العارمة".