تحطمت طائرتا هليكوبتر في مدينة دهوك شمال العراق في إحدى ليالي شهر مارس/آذار، مما أسفر عن مقتل تسعة إرهابيين على الأقل من PKK الإرهابي في حادثة يكتنفها الغموض، وربما الخداع أيضاً. من جانبها رفضت باريس، مباشرة بعد تحطم الطائرتين من طراز AS350 Eurocopters فرنسية الصنع في 15 مارس/آذار، التعليق على الحادثة.
يزعم ما يُسمَّى بقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وهي جماعة مدعومة من الولايات المتحدة تقودها وحدات PYD/PKK الإرهابية، أن المروحيتين تحطمتا بسبب سوء الأحوال الجوية.
بعد أيام اتضح أن المروحيتين تعودان إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حزب كردي-عراقي تقوده عائلة الطالباني البارزة ومقره السليمانية، وهي مدينة تقع في شمال شرق العراق. قبل وفاته في عام 2017 كان جلال طالباني، مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أصبح رئيساً للعراق بعد الغزو الأمريكي، أبرز أفراد أسرة طالباني.
قالت ريوا حاجي، وهي صحفية مقيمة في السليمانية، إن الولايات المتحدة سهلت عملية شراء طائرات الهليكوبتر من قبل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
"تُظهِر جميع الأدلة الدامغة" أن المروحيتين تابعتان للاتحاد الوطني الكردستاني، إذ "استحوذ عليهما جناح المخابرات التابع له الأسايش تحت رعاية الولايات المتحدة، حسبما قالت حاجي لـTRT World.
من جانبه صرح مسرور بارزاني، وهو أحد أعضاء عائلة كردية عراقية رئيسية أخرى ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق المقيم في أربيل، بأن طائرة هليكوبتر واحدة فقط من المروحيتين اللتين سقطتا تنتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني. لطالما اشتبك البارزانيون، الذين قادوا الحزب الديمقراطي الكردستاني مع عائلة طالباني، للسيطرة على حكومة إقليم كردستان.
تقول حاجي إن الاتحاد الوطني الكردستاني ربما يمتلك مزيداً من طائرات الهليكوبتر، وجميعها اشتُريَت من الولايات المتحدة قبل نحو تسع سنوات خلال الغزو العراقي.
وتضيف أن الولايات المتحدة سمحت للاتحاد الوطني الكرستاني ببيعها لـYPG، الذراع السورية من PKK. مع العلم أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يصنفون PKK تنظيماً إرهابياً.
تحت ذريعة القتال ضد داعش، تحالفت الولايات المتحدة مع وحدات YPG الإرهابية، وهو موقف أدانته تركيا منذ فترة طويلة لفرضها استخدامها جماعة إرهابية ضد جماعة إرهابية أخرى. لطالما أنكرت الولايات المتحدة وجود صلة تربط وحدات YPG بـPKK، على الرغم من أنها حقيقة سياسية واضحة لا يمكن إنكارها ومعروفة لعديد من المراقبين، بمن فيهم الأمريكيون.
"مرة أخرى، قُبض على داعمي PYG/PKK متلبسين من خلال منح طائرات الهليكوبتر للإرهابيين" حسبما صرّح وزير الدفاع التركي خلوصي أقار الأسبوع الماضي، في إشارة إلى حادثة تحطم المروحية والدعم الأمريكي لوحدات PYG/PKK الإرهابية، وأضاف: "يجب أن يفهموا الآن أن هذه جهود لا طائل منها".
وبينما طوّرَت الولايات المتحدة علاقات قوية مع وحدات YPG خلال الحرب الأهلية في سوريا، فإن دعم واشنطن لـPKK يعود إلى بداية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
إلى جانب العلاقات بين الولايات المتحدة وPKK الإرهابي، كشف سقوط المروحية أيضاً عن "علاقة عمل" بين الاتحاد الوطني الكردستاني وPKK، وفقاً لعبد الله أغار، الضابط السابق بالجيش التركي والمحلل الأمني.
تعتقد حاجي أيضاً أن العلاقات بين PKK والاتحاد الوطني الكردستاني تعززت مؤخراً عبر المناطق الشمالية العراقية والسورية، الأمر الذي قد يكون له عواقب وخيمة على قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل.
رحلات غامضة
تُظهِر بيانات الرحلة أن المروحيتين كانتا تحلّقان في الأجواء انطلاقة من مدينة الحسكة الواقعة شمال شرقيّ سوريا وتخضع لسيطرة وحدات YPG، متجهة إلى السليمانية التي يحكمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ووفقاً لحاجي فإن مسار طيران المروحيتين أظهر أن الولايات المتحدة أمّنَت ممرّاً جوّيّاً لمجموعة YPG/PKK الإرهابية. وتعتقد الصحافية المقيمة في السليمانية أن الولايات المتحدة قد تكون أمّنَت "ممرّاً برّيّاً" لوحدات حماية YPG/PKK لنقل إرهابيِّيها بين الأراضي العراقية والسورية.
يتفق أغار وحاجي على أن "بعض الطرق المعروفة وغير المعروفة التابعة لـPKK والتي تثبت الصلة بينه وبين YPG أُنشئَت بين سوريا والعراق".
تشير عدة مصادر إلى أن طاقمَي المروحيتين ينتمون إلى ما يسمى وحدات مكافحة الإرهاب، YAT، التابعة لقوات SDF، التي اعترفت أيضاً بأن المروحيتين كانتا تُقِلّان عناصر من أفرادها.
أحد الإرهابيين الذي لقي حتفه في الحادثة يُدعى شيروان كوباني وهو ابن شقيق مظلوم كوباني، وكلاهما من إرهابيي PKK. يُذكر أن مظلوم كوباني يُعَدّ زعيم SDF الإرهابية في سوريا، كما يبدو أن القتلى الآخرين أيضاً أعضاء قياديون في YPG/PKK.
في العام الماضي التقى بافل جلال طالباني، الرئيس الحالي للاتحاد الوطني الكردستاني، شروان ومظلوم كوباني في شمال شرق سوريا، مما يشير إلى تحالفه السياسي المتنامي مع قيادة YPG/PKK ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني. وبافل هو الابن الأكبر لجلال طالباني.
بعد زيارة سوريا، نشر طالباني -الذي أطاح بابن عمه لاهور طالباني وأنصاره من قيادة الحزب في نزاع عائلي منتصف عام 2021- مقطع فيديو على فيسبوك شوهد فيه وهو يرتدي زيّاً عسكريّاً فاخراً تظهر عليه كلمة YAT ويقدّم تعازيه لكوباني.
وحسب آغار، فإن طالباني الذي تربطه علاقات بإيران والولايات المتحدة، وهما خصمان لدودان، يريد "لعب دور رئيسي كحليف لوحدات YPG/PKK في كل من شمال سوريا وشمال العراق".
تحالف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مع PKK ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني
وحسب آغار، فإن حادثة تحطُّم المروحية لها أهمية كبيرة لأنها تُظهِر "تحالفاً جديداً" يتكون في المنطقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وPKK. ويضيف أن "الولايات المتحدة عملت بجِدٍّ لتطوير تفاهم سياسي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني ووحدات YPG/PKK في شمال سوريا لسنوات، لكنها فشلت في الجمع بين الطرفين".
يقول آغار: "في السنوات الأخيرة عملت الولايات المتحدة على جبهة أخرى حيث كانت تهدف إلى إقناع الاتحاد الوطني الكردستاني ووحدات YPG/PKK بالعمل معاً من خلال مسار تعاون يجمع مظلوم كوباني وبافل طالباني على مستوى القيادة". وحسب آغار يبدو أنهم "قطعوا شوطاً طويلاً لأن الطالباني لديه ميل نحو هذا التحالف".
ويشير آغار أنه في الوقت الذي واجه فيه PKK معارضة قوية في المناطق التي يسيطر عليها بارزاني في شمال العراق، فإن التنظيم الإرهابي قد يتمكن من التحرك بسهولة عبر المناطق الخاضعة لحكم الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد أنشأ PKK قرابة 20 قاعدة في أنحاء منطقة كرميان الواقعة بين كركوك والسليمانية، المدينتين الخاضعتين لنفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حسب آغار.
يهدف تحالف الاتحاد الوطني الكردستاني PKK إلى تقليص نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق، التي يقودها تحالف سياسي من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. غير أن الصراع على السلطة بين الطالباني والبرزاني عاق حكومة إقليم كردستان عن العمل بشكل صحيح، مما دفع الاتحاد الوطني الكردستاني وحلفاءه إلى مقاطعة الجلسات البرلمانية للإقليم من حين إلى آخر.
قد يدفع تحالف الاتحاد الوطني الكردستاني مع PKK الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى زيادة تعاونه مع تركيا، التي تعتبر التعاون بين كوباني وطالباني تهديداً لحدودها وأمنها القومي.
الإنكار وتضارب عدد الوفيات
على الرغم من ظهور بعض التفاصيل المتعلقة بالحادثة الغامضة، تواصل الولايات المتحدة إنكار أي صلة لها بسقوط المروحيتين مؤخراً. وحسب المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر، "لم يكن للولايات المتحدة أو التحالف أي تدخُّل في حادثة الهليكوبتر، وليس لدينا أي علم مسبق قبل حدوث تلك المهمة".
لكن السؤال الذي تركه بلا إجابة هو: كيف يمكن لطائرة هليكوبتر صناعة غربية أن تحلّق في الأجواء بين شمال العراق والأراضي السورية، حيث تتمتع الولايات المتحدة بحضور كبير، دون علم واشنطن؟
تتعلق نقطة أخرى بالتكهنات والجدل حول عدد الضحايا في تحطُّم المروحيتين، فيما قالت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة إقليم كردستان، ومقرها أربيل، في البداية إن سبعة من أعضاء PKK قُتلوا، قدرت SDF العدد من جانبها بنحو تسعة.
يبدو أنه حتى عدد طائرات الهليكوبتر المشاركة في الواقعة يكتنفه الغموض أيضاً، فقد أشار بعض التقارير الأولية إلى تحطُّم مروحية واحدة، لكن تقارير أخرى، لا سيما الصادرة عن SDF، أفادت بفقدان مروحيتين.
"لا تقارير عن المروحية الثانية"، كما يقول آغار الذي يعتقد أن المروحيات ربما كانت تحمل أسلحة ثقيلة أو مخدرات.