نددت وزارة الخارجية التركية بتقرير حقوق الإنسان الصادر عن نظيرتها الأمريكية لعام 2022، مؤكدة أن ما تضمنه، من مزاعم ومعلومات "لا تمت للحقيقة بصلة، وأنه يحمل تعليقات متحيزة بحق تركيا".
وشددت الوزارة في بيان أصدرته في 24 مارس/آذار 2023، على أن التقرير الأمريكي لم يتضمن سوى جزء من الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم PKK في تركيا عام 2022، مؤكدة أنها ترفض تشويه كفاح تركيا المشروع ضد الإرهاب.
وأكد البيان استمرار أنقرة في كفاحها ضد التنظيمات الإرهابية بحزم، لا سيّما ضد تنظيمَي PKK/YPG وتنظيم كولن (FETO) وداعش الإرهابيَّين، من أجل أمن تركيا والمنطقة في إطار القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان.
ولفت البيان إلى أن التقرير الأمريكي جرى إعداده من دولة تغض الطرف عن أنشطة التنظيمات الإرهابية YPG/PYD/PKK وتنظيم كولن (FETO)، بل وتؤسس شراكة معها، مشيراً إلى أنها "تشكك بشرعية ومصداقية التقرير الذي صيغ بدوافع سياسية وهو خالٍ تماماً من الموضوعية".
من الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تدين فيها الخارجية التركية تقرير نظيرتها الأمريكية، إذ استهجنت في بيان لها، تقرير 2021 الذي خصص "مساحة واسعة لأكاذيب تنظيم كولن منفذ الانقلاب الغادر في تركيا يوم 15 يوليو/تموز 2016 رغم جميع الأدلة الملموسة التي قدمتها تركيا".
واعتبرت الخارجية التركية آنذاك، أن التقرير يُظهر الولايات المتحدة أنها "لا تزال أداة للبروباغندا التي يمارسها التنظيم الإرهابي الذي تغض الطرف عنه"، داعية واشنطن إلى التركيز على سجلها في مجال حقوق الإنسان وإنهاء الشراكات التي تعقدها مع الأذرع التابعة للجماعات الإرهابية بدعوى مكافحة الإرهاب.
مماطلة أمريكية
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو في مقال نشرته الخارجية التركية في الذكرى السادسة للانقلاب العسكري الفاشل، إن منظمة كولن (FETO)، شنت "محاولة انقلابية دموية هدفها إقامة نظام أصولي راديكالي موالٍ فقط لزعيمها فتح الله كولن".
وأشار إلى أن الحكومة التركية تطالب الولايات المتحدة منذ سنوات بتسليم كولن إلى بلاده، ولكن "لم تُلبَّ هذه الطلبات حتى اليوم".
في سياق متصل قال وزير العدل التركي بكير بوزداغ، إن متطلبات "اتفاقية المساعدة القانونية" بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا اكتملت، وإنه حان الوقت لتسليم واشنطن زعيم منظمة "كولن" الإرهابية، فتح الله كولن.
وشدد في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، على أن المعركة ضد منظمة كولن مستمرة دون هوادة، وأنه يتعين على تركيا مواصلة كفاحها الفعال والحازم والمستمر ضد المنظمات الإرهابية وعلى رأسها PKK وFETO الإرهابيَّان، والمنظمات الأخرى.
وكشف أن أنقرة تقدمت رسمياً بطلب للسلطات الأمريكية من أجل تسليم كولن، خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وفي المراحل السابقة، وتكررت المطالب التركية خلال فترة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، مبيناً أن أنقرة أرسلت الأدلة ولوائح الإدعاء إلى الجانب الأمريكي، ومع ذلك لم تعرض وزارة العدل الأمريكية المذكور على المحكمة.
ازدواجية أمريكية
يرى عديد من الخبراء أن غض الولايات المتحدة الطرف عن جهود تركيا في مكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم لوحدات PYD-PKK الإرهابية في ذات الوقت، يكشف ازدواجية الولايات المتحدة في معايير حكمها على الإرهاب.
وترفض أنقرة استخدام تنظيم إرهابي مثل PYD لمحاربة تنظيم إرهابي آخر مثل داعش، مؤكدة أن محاربة الإرهاب يجب أن تأتي عبر القنوات الرسمية، إذ إن الولايات المتحدة وتركيا حلفاء في الناتو.
وكانت القوات التركية نفذت مع الجيش الوطني السوري، عمليات عسكرية في الشمال السوري، بدأتها بـ "درع الفرات" في (24 أغسطس/آب 2016) ضد تنظيم داعش الإرهابي، و"غصن الزيتون" في (20 يناير/كانون الثاني 2018) ، و"نبع السلام" في (9 أكتوبر/تشرين أول 2019) وصولاً إلى "المخلب-السيف" في (20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022) ضد عناصر YPG/PKK الإرهابية.
وخلال هذه العمليات طهرت أنقرة آلاف الكيلومترات من الأراضي من سيطرة الإرهابيين، كما حيدت 6 آلاف و370 إرهابياً في منطقة "غصن الزيتون" لوحدها، حسبما كشفت عنه وزارة الدفاع التركية.
ذراع واشنطن البشرية
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر ميليشيات PYD الذراع البشرية لها على أرض الميدان في سوريا، وتستخدمها في مشاريعها الخاصة.
ويوضح رضوان أوغلو في حديثه مع TRT عربي، أن "وجود القوات العسكرية الأمريكية وخطتها هناك مرتبطة بهذا الكيان الإرهابي"، معتبراً أن "واشنطن ستدافع عن هذه الميليشيات لمصلحتها التي ستبقى لسنوات قبل أن تنتهي يوماً ما، ثم تتخلى عنها بعد ذلك".
صحيفة "ستار" التركية، قالت في مقال بعنوان "الوجه الحقيقي لتنظيم الـ PYD"، إن تنظيم PYD لم "يشكله وينظمه أكراد سوريا وإنما جرى تأسيسه في جبل قنديل ويُعد الجناح العسكري لـ PKK في سوريا"، كاشفة أن "التنظيم الذي يضم في صفوفه عناصر سورية يتبع آيديولوجياً وفكرياً لتنظيم PKK الإرهابي التي تعاني منه الدّولة التركية منذ عقود".
وحول تجاهل واشنطن جهود تركيا في محاربة داعش، يرى رضوان أوغلو أن "أساس الوجود الأمريكي في سوريا قائم على مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش حصراً، وبالتالي لن يبقى للأمريكان حجة للوجود هناك أمام الرأي العام الدولي لذلك لا بد من إبقاء دعاية داعش قائمة لمصلحتها ولتبرير وجودها".
أداة لإثارة الفوضى
بدوره يقول المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو، إن رؤية الولايات المتحدة ونظرتها للتنظيمات الإرهابية PKK/PYD ، ترتكز على أن PYD هي أداة لها لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي رغم تحذيرات أنقرة في كل محفل من أن هذه المنظمة تمثل تهديداً وخطراً كبيراً للأمن التركي.
ويبين عودة أوغلو في حديثه مع TRT عربي، أنه خلال العامَين الماضيَين حدثت عمليات تفجيرية، وكشفت التحقيقات التي أرسلتها أنقرة إلى واشنطن بالصور والمعلومات الموثقة، أن هذه الميليشيات هي التي تقف خلفها، كما أنها تحاول إثارة الفوضى في الشمال السوري.
ومن بين تلك العمليات، تفجير شارع الاستقلال بميدان تقسيم بإسطنبول، في 13 نوفمبر 2022، إذ أكدت الداخلية التركية، أن تعليمات تنفيذ التفجير صدرت من قيادات PKK الإرهابي في مدينة عين العرب في شمال سوريا.
وحسب مديرية الأمن العامة في إسطنبول، فإن منفذة التفجير الذي أدى إلى استشهاد 6 مدنيين وإصابة 81 آخرين، اعترفت في أثناء التحقيق بانتمائها إلى تنظيم PYD/PKK الإرهابي.
ويؤكد عودة أوغلو، أن PKK الإرهابي يستخدم الأراضي العراقية منصة لشن هجمات على الجيش التركي والأتراك في الداخل التركي، مبيناً أن من طرف الحكومة العراقية تفهماً كبيراً، وهو ما أكدته مباحثات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس التركي.
ويعتقد عودة أوغلو أن الولايات المتحدة "تبقى هي المشكلة الأكبر، مستدلاً بالتوترات التي حدثت بين أنقرة وواشنطن خلال السنوات الماضية منذ إدارتَي أوباما وترمب وحتى الإدارة الحالية بقيادة بايدن، مشيراً إلى أنها متعلقة بشكل أساسي بالدعم الأمريكي المستمر لهذه التنظيمات الإرهابية.
ويلفت إلى أن هذه القضايا تستخدمها واشنطن دائماً لإثارة البلبلة والفوضى في الداخل التركي وهو ما ترفضه أنقرة جملة وتفصيلاً، وتطالب أمريكا دائماً بأن تكف عن دعمها لهذه التنظيمات الإرهابية إذا أرادت أن تمضي العلاقات التركية-الأمريكية قدماً.
تطويع الإرهاب
أما الخبير بقضايا الإرهاب حسن أبو هنية، فيؤكد أن واشنطن لديها نظرة متحيزة للإرهاب وغيرها من القضايا، مبيناً أنها جعلت الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر عدوها المباشر.
ويضيف أبو هنية في حديثه مع TRT عربي، بالقول: إن "الحرب على الإرهاب تندرج في سياق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، إذ يجري تطويع هذا المصطلح واستخدامه أداة سياسية للهيمنة والسيطرة، كما يُستخدَم أيضاً في الصراع الجيوسياسي".
ويكمل موضحاً أن مفهوم الإرهاب "غير محدد، فهو ذاتي غير موضوعي"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لديها قائمة للإرهاب تتبع وزارة الخارجية مرتبطة بالمصالح فأحياناً تضع حركات مقاومة تصنفها إرهابية، وإذا أرادت استخدام جماعة لأغراض سياسية ترفعها من قائمتها للإرهاب.
ويبيّن أن واشنطن تصنف PKK منظمة إرهابية ولا تستطيع أن تتراجع عن ذلك، مشدداً على أنها تعلم في الوقت عينه، أن PYD هو الفرع السوري لـPKK.
ويشدد على أن ما يحدث ليست عملية جهل إطلاقاً، وإنما مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخارجية الأمريكية ومصالح واشنطن، إذ يُستخدَم ملف حقوق الإنسان لهذه الأغراض الجيوسياسية لا لأسباب موضوعية.
ويؤكد أبو هنية أن تركيا أكثر بلد في العالم تعرض للإرهاب من عدة مصادر سواء من PKK والحركات المرتبطة به أو تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن القاعدة وبقية الحركات الراديكالية، كما أن أنقرة أكثر من بذل جهداً في محاربة التنظيمات الإرهابية.