شكل اقتحام سجن صيدنايا نهاية عصر النظام السوري، بعد أن وصلت قوات المعارضة السورية إلى أبواب السجن صباح يوم الأحد الماضي.
ضخامة السجن ومنشآته المعقدة أخّرت عمليات الإنقاذ، ودفعت المعارضة السورية إلى الاستعانة بفرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء".
وفجر اليوم الثلاثاء، أعلنت فرق الدفاع المدني انتهاء عمليات البحث عن المعتقلين في زنازين وسراديب سجن صيدنايا، من دون العثور على أي "زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد".
وأكد الدفاع المدني السوري في بيان له أن "فرقه المختصة بحثت في جميع أقسام ومرافق السجن، وفي أقبيته وفي باحاته وخارج أبنيته، بوجود أشخاص كانوا بمرافقتها ولديهم دراية كاملة في السجن وتفاصيله".
ولم تؤدِ عملية البحث وفقاً لبيان الدفاع المدني السوري عن العثور على أي "دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو سراديب غير مكتشفة".
وأمام التعقيدات التي رافقت عمليات البحث عن السجون السرية لدى النظام السوري المنهار خصص الدفاع المدني السوري مبلغ 5 آلاف دولار لكل من يدلي معلومات حول السجون السرية للنظام السوري المنهار، كما وجهت مناشدة إلى ضباط الأمن السابقين في النظام المنهار إلى المساعدة في تحديد مواقع سجون جديدة.
“المسلخ البشري"
بدأ النظام السوري المنهار في بناء سجن صيدنايا عام 1978 بالقرب من بلدة صيدنايا على بعد 30 كيلومتراً من شمال العاصمة دمشق، وخصص النظام السوري المنهار أرضاً صادر جزءاً من أصحابها، بلغت مساحتها 1.4 كليو متر مربع وعلى ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر.
السجن الذي استمرت عمليات الإنشاءات فيه ما يقرب من 9 سنوات، استقبل أول معتقل بحلول العام 1987، وتولت مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية "متاع" عمليات إنشاء وبناء السجن، الذي يتميز عن السجون الأخرى بتبعيته المباشرة إلى جيش النظام السوري.
ووفقاً لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، فإن السجن يختلف عن السجون المركزية في المحافظات والتابعة لوزارة الداخلية، وتخضع لإشراف وزارة العدل، في كونه يتبع لوزارة الدفاع وشعبة الاستخبارات العسكرية.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، التي وصفت السجن بـ"المسلخ البشري"، واستناداً لشهادات موظفين في السجن، فإنه يتكون من مبنيين، الأول يدعى المبنى الأبيض، ويتخذ شكل حرف "L"، فيما المبنى الأساسي يعرف بـ"الأحمر"، وهو مبنى ذو تصميم معماري يقوم على وجود قسم مركزي تتفرع منه ثلاثة ممرات طويلة، ليتخذ السجن شكل "علامة المرسيدس" كما يصفه العاملون فيه، ويصل عدد المحتجزين فيه من 10 إلى 20 ألف محتجز.
ووفقاً لمؤسس "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، دياب سرية فإن "الأشخاص الجنائيين كانوا موجودين في المبنى الأبيض، الذي يتميز بلونه الخارجي الأبيض. في هذا البناء كان يوجد معتقلون عسكريون بتهم جنائية لا علاقة لها بالثورة أو بالسياسة أو المعارضة للنظام".
ويضيف مؤسس الرابطة في حديث له مع TRT عربي أن "القسم الآخر من سجن صيدنايا هو البناء الرئيسي الموجود على تلة عالية ويأخذ شكل حرف Y. هذا البناء، الذي يُطلق عليه السجن الأحمر، يحتوي على ثلاثة طوابق وثلاث كتل. وهو مخصص فقط للمعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الثورة وعلى خلفية قضايا معارضة للنظام.
ووفقاً للباحث السوري المختص في سجون النظام السوري المنهار، ومؤلف كتاب جحيم "الغولاك السوري: سجون الأسد 1970-2020" جابر بكر، فإن السجن الأحمر يتألف من أربع طبقات، طبقة واحدة فقط تحت الأرض.
وأشار إلى أن سجن صيدنايا عبارة عن نسخة مطابقة تماماً لسجن حلب، من حيث شكل البناء وتوزيع الأجنحة، ويوضح الباحث السوري والمعتقل السابق في سجن صيدنايا أن هذا التوزع يساعد على المراقبة، وخاصة قبل أن يجري تركيب كاميرات المراقبة.
ويوضح بكر أن السجن يقوم على أرجل ثلاث مسماة "ألف، باء، جيم"، ويضم كل قسم منها جناحين، تسمى ألف يمين، ألف يسار، وباء يمين وباء يسار، وجيم يمين وجيم يسار.
فجر الحرية
وبدأت عملية تحرير السجن وفقاً لسرية صباح يوم الأحد عندما تقدمت مجموعة من قوات المعارضة السورية إلى السجن الذي كان يخضع سابقاً لحراسة مما يقرب من 500 عنصر من الفرقة الثالثة والشرطة العسكرية، بالإضافة إلى حقلي ألغام مضادة للأفراد والآليات وعدد من المدرعات والدبابات، وذلك وفقاً لدراسة أصدرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.
ووفقاً لمؤسس الرابطة دياب سرية فإن قوات المعارضة وصلت إلى أبواب السجن بحلول الساعة الرابعة صباحاً، ورافقهم الأهالي لاحقاً، وبعد ذلك تركت المجموعات المقاتلة السجن وظل الأهالي الذين واجهوا صعوبات في فتح أبواب السجن، واستعانوا بالأهالي من المناطق المحيطة، لتبدأ عملية تدفق السجناء من أبوابه.
وأضاف سرية في حديث مع TRT عربي أن "تقديراتنا منذ العام 2011 وحتى العام 2021 تشير إلى اعتقال نحو 30 ألف إنسان. اليوم أيضاً التقديرات الأولية للأشخاص الذين جرى تحريرهم من السجن نحو 2000 شخص. قسم من هؤلاء الأشخاص تهمهم جنائية".
وشدد سرية على أن "السجن لا يضم أي سرداب ولا يحتوي على أي مكان سري إطلاقاً. يوجد فقط قبو فيه نحو ثمانين منفردة. جرى الدخول إلى هذا القبو وتحرير جميع المعتقلين. لا صحة لأي خبر أو أي نبأ غير دقيق حول وجود معتقلين تحت الأرض أو أماكن مخفية".
وفي السياق ذاته أكد الباحث السوري بكر أن الأرقام التي جرى تداولها حول أعداد الأسرى في السجن، والتي قالت بوجود أكثر من 60 أو 70 ألف معتقل غير دقيقة.
العدالة الانتقالية
يؤكد دياب سرية على أن الرابطة تملك تقارير مفصلة عن هيكلية السجن وتسلسل القيادة فيه، ولديها شهادات دقيقة عن أكثر من 100 شخص تورطوا في انتهاكات بحق المساجين، مجدداً عزم الرابطة على ملاحقتهم وتقديمهم للعدالة.
ومع ذلك شدد سرية على ضرورة وأهمية "تأمين السجن من فصائل تتولى إدارة العمليات، كما نطالب بحماية أجهزة الكومبيوتر داخل السجن، إذ إنها تحتوي على معلومات مهمة لكشف مصير المعتقلين".
وأشار سرية في حديث له مع TRT عربي إلى أن عمل الرابطة يشمل "تحديد مواقع المقابر الجماعية، نطالب بحماية المواقع وعدم العبث بها. فتح هذه المقابر يتطلب جهوداً دولية غير متوافرة حالياً في سوريا".