لجأ المواطن الغزيّ وليد الحصوة مع أفراد عائلته الـ12 إلى إحدى المدارس التابعة لوكالة الأونروا جنوب قطاع غزّة، ويوضح أن رغيف الخبز الواحد صار يُقسّم على 4 أفراد، وأنّ ما وصل إليهم من مساعدات منذ أكثر من 20 يوماً كان عبارة عن نزر يسير من المعلبات الغذائية من حمّص وسمك معلب وعصير، وهو "ما لا يسد رمق أي شخص"، كما يقول.
يتأسف وليد في حديثه مع TRT عربي لأن "النازحين في مراكز الإيواء لا يجدون ماءً نظيفاً للشرب، إذ يجمعون المياه من برك في الشوارع، ويغلونها على نار يشعلونها بطرق بدائية، وعندما تبرد يشربونها رغماً عنهم ليرووا عطشهم".
ويصف بحرقة ما يعيشه الغزيّون يومياً من تجويع، مستحضراً مشهد فاجعة سيّدة لاجئة في المدرسة التي يقطنها، وكيف فقدت قبل يومين رضيعها البالغ 4 أشهر بسبب عدم توفر الحليب، ما أصابه بجفاف حاد أدى إلى وفاته.
يناشد وليد "كل شريف وحر في العالم إلى إنقاذ سكان غزة من موت محقق مزدوج، من ويلات الحرب والقصف العشوائي الذي يشنه الاحتلال على مدار الساعة، ومن ويلات الجوع والعطش والعوز وانعدام الغذاء والماء والكهرباء".
دعوات لتوفير المساعدات
تبدو الحاجة إلى دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ضرورية، فإلى جانب الدمار الذي يخلّفه القصف، هناك دمار وقتلى بسبب سياسة الحصار والتجويع، مع ندرة المساعدات الإنسانية التي استطاعت دخول قطاع غزة.
وقد وجَّه رئيس جمعية الهلال الأحمر المصري رامي الناظر نداءً عاجلاً إلى العالم، قائلاً إن المساعدات الدولية الموجّهة إلى قطاع غزّة لا تكفي الاحتياجات الحالية.
وأضاف الناظر أن المساعدات الحالية بمثابة "نقطة في محيط، ونحن بحاجة إلى توفير مساعدات عاجلة لـ2.5 مليون فلسطيني"، مشدّداً على أن مخازن المنظمة على وشك النفاد من المساعدات الإنسانية الدوليّة.
ودعا مسؤول الهلال الأحمر المصري جميع المانحين لاستكمال الجسر الجوي للمساعدات.
ويأتي نداء الهلال المصري بعد مرور 30 يوماً على اشتعال الحرب في غزة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة تجويع المواطنين في القطاع، وتعمُّد عرقلة إدخال المساعدات الغذائية، ومنع إدخال الوقود الذي تحتاج إليه المستشفيات للعمل.
390 شاحنة في 30 يوماً
كشف مصدر مطلع من لجان الإغاثة في معبر رفح الحدودي مع غزة أنه لم يدخل إلى القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلّا 390 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية والطبية الأساسية، رغم أن الاحتياج اليومي للقطاع يتجاوز 100 شاحنة.
المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته يؤكد لـTRT عربي أن هناك شاحنات تقف في طوابير منذ قرابة 16 يوماً، ولم يسمح لها بالدخول، وسط تفتيش دقيق وطويل من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لافتاً إلى أن لجان الإغاثة تتعامل مع الأزمة في وقت يشهد تخوفاً من تلف بعض المساعدات الموجودة، خصوصاً الغذائية منها.
وينوّه بأن في غزة حاجة كبيرة إلى المواد الطبية الأساسية والمياه، مضيفاً أن سلطات الاحتلال تمنع إدخال أغلب المواد الطبية "خصوصاً المطهّرات والمعقّمات"، نظراً إلى احتوائها على مواد كحولية (لأنها قابلة للاشتعال) بحجة منع عدم وصولها إلى المقاومة واستخدامها في العمليات القتالية.
ويشددّ المصدر على أن نقص مياه الشرب يشكل تحدياً كبيراً لسكان القطاع، إذ لم يدخل إلى غزة منذ بداية الحرب سوى 700 ألف لتر من المياه النظيفة، وهو ما يشكل 1% من الحاجة اليومية من المياه.
مساعدات هزيلة
من جهته قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط، إن أكثر من 670 ألف نازح يوجدون الآن في مدارس ومباني الأونروا المكتظة.
وأوضح أنهم يعيشون في ظروف مروّعة وغير صحية، مع محدودية الطعام والماء، وينامون على الأرض دون فراش، أو في الخارج، في العراء.
وأكد لازاريني أن الحصار الحالي المفروض على غزة هو عقاب جماعي، والمساعدات التي قُدّمت ما زالت هزيلة، ما يعني أن الخدمات الأساسية تنهار، مع ما يترتّب على ذلك من نفاد الأدوية والغذاء والماء والوقود، مشدداً على أن الأونروا بحاجة إلى تدفق آمن وكبير ومستمر للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود.
الحكم على كل المرضى بالإعدام
يؤكد عطار الواكد، طبيب الجراحة في مجمع الشفاء الطبي في غزة، أن 80% من العمليات التي تجرى في المستشفى تجري من دون تخدير، نظراً إلى عدم توفر الكميّات اللازمة من المخدّر الطبي وعدم توفر المعدات الجراحية.
ويضيف الواكد لـTRT عربي أن "المستشفى أصبح مكان إيواء، وهو ما يزيد الأعباء حول توفير الماء والغذاء لمن يأوون إليه، خصوصاً من الأطفال والمرضى"، منوّهاً بأن المستشفى على شفير الهاوية والقدرات المتوفرة لا تكفي ولا تفي بالغرض.
ويعتبر الطبيب أن عدم إدخال المساعدات الطبية والإغاثية بسرعة وبشكل عاجل يعني الحكم على كل المرضى بالإعدام.
ويشير في هذا الصّدد إلى أن الكوادر الإدارية والطبية في المستشفى أصبحت مجبرة على تتبّع سياسة المفاضلة في العلاج وتقديم الخدمات الطبية، إذ تقدم العلاج لمن حالتهم الصحيّة أصعب.
كارثة صحية في غزة
أكدت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن هناك حاجة ماسة لإدخال المساعدات بمختلف أنواعها، مبينة أن الكوادر الطبية في ما تبقّى من مستشفيات تعمل في القطاع لا يجدون ما يسكّن آلام المرضى والجرحى، ولا يملكون أي بديل متاح.
وأضافت الوزارة أنه رغم الأوضاع الصعبة والحرجة التي يعيشها القطاع الطبي في غزة، فإن الاحتلال لا يزال يتعمد قصف المستشفيات والمراكز العلاجية ومركبات الإسعاف، بما فيها 3 مستشفيات هي مجمع الشفاء الطبي والمستشفى الإندونيسي ومستشفى القدس.
وطالبت الوزارة المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية بالضغط على الاحتلال وإدخال المساعدات العاجلة، محذرةً من حدوث كارثة صحية في غزة لم يشهد لها التاريخ أي مثيل.
ووفقاً لآخر إحصائيات وزارة الصحة في غزة، وصل عدد الشهداء خلال الحرب في القطاع إلى 10569 شهيداً، ضمنهم نحو 4324 طفلاً و2823 سيدة، ويقدّر عدد الشهداء والجرحى من النساء والأطفال بنسبة 70%.