تابعنا
تُمنِّي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، النفس بولاية ثانية على رأس المؤسسة، معززة هذا الطموح بالفوز الذي حققه حزبها، ائتلاف "حزب الشعب الأوروبي"، خلال انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، التي أجريت في 9 يونيو/حزيران الجاري.

وقد أتت الأحزاب اليمينية التابعة لـ"حزب الشعب الأوروبي" في مقدمة الترتيب في عدد كبير من الدول، بدءاً من ألمانيا، إذ حصل التحالف بين حزبي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" على 30% من الأصوات، 29 مقعداً من أصل 96 مخصصة للبلاد.

واحتفت فون دير لاين بهذه النتائج، وقالت في خطاب، يومها: "شكراً للناخبين الذين وضعوا ثقتهم بحزب الشعب الأوروبي، وجعلوه مرة أخرى أكبر قوة سياسية في البرلمان الأوروبي".

وبالرغم من كل هذا النجاح الانتخابي، ما زالت تعترض فون دير لاين مطبّات كبيرة في طريقها نحو ولاية ثانية على رأس المفوضية، عنوانها الرئيسي الحسابات الخاصة لزعماء الدول في تقسيم مناصب مؤسسات الاتحاد، كما الفضائح التي لا تزال تلاحق رئيسة المفوضية الأوروبية.

فشل اجتماع المجلس الأوروبي

وكان من المفترض أن يقرر اجتماع المجلس الأوروبي، يوم الاثنين 17 يونيو/حزيران، مصير فوز أورسولا فون دير لاين برئاسة المفوضية لولاية ثانية. غير أن الاجتماع فشل في حسم القرار، نظراً لتجدد الخلاف بين قادة الاتحاد حول تقسيم المناصب السيادية الأخرى في هياكله.

ويجري اختيار أعضاء المفوضية الأوروبية من حكومات الدول الأعضاء، بينما يختار المجلس الأوروبي رئيسها، لكن يشترط موافقة البرلمان الأوروبي عليهم جميعاً كي يجري التعيين. وهو الشرط نفسه لرئيس المجلس الأوروبي، الذي يمكن أن يغير كل عامين ونصف العام.

وفي أعقاب الانتخابات الأوروبية، ظهر إجماع مبكر حول تعيين فون دير لاين الألمانية لولاية ثانية رئيسة للمفوضية الأوروبية، والاشتراكي أنطونيو كوستا من البرتغال رئيساً للمجلس الأوروبي، واليمينية المحافظة روبرتا ميتسولا من مالطا رئيسةً للبرلمان الأوروبي، وكايا كالاس من إستونيا مسؤولةً عن السياسة الخارجية.

ونقل موقع بوليتيكو، أن مفاوضات الاثنين فشلت بعد مطالبة ائتلاف "حزب الشعب الأوروبي" المحافظ، نظراءه الليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين، بالمزيد من التنازلات والمزيد من المناصب العليا في هياكل الاتحاد.

واقترح حزب فون دير لاين، تقسيم فترة ولاية رئيس المجلس الأوروبي إلى جزأين مدة كل منهما عامان ونصف العام، من أجل تداول المنصب بينهم وبين الاشتراكيين الديمقراطيين، الذين كانوا يدفعون بأنطونيو كوستا ليشغله. وهو ما رفضه الاشتراكيون، لتنطلق إثرها جولة من التراشق بالاتهامات في إجهاض الاجتماع.

مناورات قادة الاتحاد

ومن جانب آخر، تشهد المفاوضات حول تنصيب أورسولا فون دير لاين مناورات كثيرة يقودها الزعماء الأوروبيون لخدمة أجنداتهم الخاصة في الاتحاد. وفي وقت يدعم فيه المستشار الألماني أولاف شولتز ترشح فون دير لاين، بالرغم من اختلاف معسكرها السياسي، تتمسك رئيسة الوزراء الإيطالية بتحفظها إزاء هذا الخيار.

وبحسب الموقع الأمريكي، فإن العديد من دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، أشاروا إلى سبب آخر لفشل المحادثات، وهو عدم رضا ميلوني عن الطريقة التي سار بها الاجتماع، إضافة إلى استيائها من محاولات زعماء الاتحاد الأوروبي الآخرين إبعادها عن المفاوضات على الرغم من الفوز الذي حققته خلال الانتخابات الأوروبية.

وتقود ميلوني جناح اليمين الشعبوي الأوروبي، إلى جانب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والذين يشعرون بالإبعاد من المناصب العليا، مع اتجاه "حزب الشعب الأوروبي" إلى تقاسمها مع الاشتراكيين والليبراليين، بالرغم من انهيار هؤلاء الأخيرين خلال الانتخابات.

وفي تصريحاته يوم الاثنين، 24 يونيو/حزيران، دعا أوربان لإزاحة ​أورسولا فون دير لاين​ عن رئاسة المفوضيّة الأوروبية. وأوضح، تعليقاً على أسباب معارضته تعيين فون دير لاين لولاية ثانية، أنه "بسبب فعاليّتها المنخفضة".

ويذكر، أنه حتى إن منح المجلس الأوروبي ولاية ثانية لفون دير لاين، ستبقى هذه الأخيرة في حاجة إلى دعم الكتلة النيابية الأوروبية لـ"إخوة إيطاليا"، من أجل حسم تصديق البرلمان على اختيارها. وهي الورقة الضاغطة التي تلعبها ميلوني، في سبيل الحصول على حقيبة مهمة في المفوضية الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، يناور الرئيس الفرنسي بدوره لانتزاع مكاسب من منح رئاسة المفوضية الأوروبية لفون دير لاين. هذا بالرغم من التأكيدات حول قرب حصول اتفاق بين ماكرون وشولتز حول هذا الأمر.

وبحسب ما كشفت وسائل إعلام إيطالية، فإن ماكرون يضغط من أجل بقاء الفرنسية كريستين لاغارد رئيسة للبنك المركزي الأوروبي حتى عام 2027، وذلك سعياً منه للحصول على وعود بأن تكون مفوضية الاتحاد الأوروبي الجديدة أكثر التزاماً تجاه الديون المشتركة للاتحاد الأوروبي وتخفيف القيود المالية.

فضائح تلاحق فون دير لاين

وعلى هامش هذه المعركة السياسية التي تخوضها فون دير لاين، تلاحقها فضائح قد تؤثر في مساعيها لرئاسة ثانية للمفوضية الأوروبية. وإحداها ما كشفته وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، عن قيام فون دير لاين بتعطيل تقرير ينتقد حرية الصحافة في إيطاليا.

ونشر موقع بوليتيكو، يوم الأحد 16 يونيو/حزيران، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين في المفوضية الأوروبية، بأن أورسولا فون دير لاين سعت إلى إبطاء خروج تقرير رسمي للاتحاد الأوروبي ينتقد إيطاليا بسبب تآكل الحريات الإعلامية، ذلك في سبيل الحصول على دعم روما لولاية ثانية رئيسةً للمفوضية الأوروبية.

وأكد أحد مسؤولي المفوضية، الذين تحدثوا للموقع الأمريكي، بأن: "هناك رغبة واضحة الآن (من طرف فون دير لاين) بكبح جماح القضايا المتعلقة بإيطاليا وسيادة القانون". مضيفاً أن هذه التحركات أثارت غضب الموظفين داخل المفوضية.

وفي يوم الجمعة، 21 يونيو/حزيران، انطلقت جلسات الاستماع القضائية في فضيحة "فايزر غيت"، التي كشفت عن قيام فون دير لاين بالتفاوض مباشرة مع مدير شركة "فايزر" عبر محادثات على تطبيق "واتساب"، من أجل شراء 1.8 مليار جرعة لقاح ضد كوفيد بمبلغ 44.4 مليار يورو. وهو ما يمثل انتهاكاً لقواعد الاتحاد الأوروبي في مثل هذه التعاملات.

وتنفتح هذه الفضيحة أيضاً على شبهات تقاطع مصالح وفساد، إذ إن زوج رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كان يشتغل وقتها في منصب المدير الطبي لشركة "Orgenesis" للتكنولوجيا الحيوية المرتبطة بشركة فايزر.

وينتظر أن يعقد المجلس الأوروبي اجتماعاً آخر في 27 و28 يونيو/حزيران الجاري، من أجل تأكيد مصير اختيار رئيسة المفوضية الأوروبية، بينما يبقى هذا القرار رهيناً لمدى تخطيها هذه العقبات التي تواجه مسارها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً