جددت الأطراف الدولية تمسكها ودعمها لحل الدولتين، لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساسه، وذلك رغم ارتفاع التصعيد بشكل كبير وغياب آفاق الحل السياسي في أعقاب تنفيذ فصائل المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاه من إطلاق الجيش الإسرائيلي عملية توغل بري في قطاع غزة.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، في طليعة الداعين لإنهاء الحرب الحالية برؤية حل الدولتين، بحيث تصبح الضفة الغربية وقطاع غزة دولة فلسطينية، كما أعادت السعودية بعد عملية طوفان الأقصى" طرح فكرة تنفيذ المبادرة العربية لعام 2002، ودعت إلى الاستناد إليها في عملية السلام، إذ تتبنى المبادرة فكرة تأسيس دولتين مستقلتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية.
مضمون حل الدولتين
يُعدّ المفكر السياسي الأمريكي نعوم تشومسكي أول مَن اقترح حل الدولتين، بعد ما تُعرف بـ"النكسة العربية" في يونيو/حزيران 1967 التي شهدت احتلال إسرائيل مزيداً من الأراضي الفلسطينية، وتوغلها ضمن أراضٍ مصرية وسورية.
ويقوم الطرح على انسحاب إسرائيل من حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وإتاحة المجال أمام قيام دولة فلسطينية، وتحافظ إسرائيل على دولة على حدود أراضي عام 1948.
فعلياً، فإن تشومسكي غزل على منوال القرار الأممي "181" الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، وتحدث عن تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة أجزاء: الأول تقام عليه الدولة الفلسطينية وتمتد على مساحة 11 ألف كيلومتر مربع، والثاني يشمل الدولية اليهودية ومساحتها قرابة 15 ألف كيلومتر مربع، في حين تبقى مدينتا القدس وحيفا وما حولهما خاضعتين للوصاية الدولية.
وأتت مبادرة السلام العربية التي أقرها مجلس جامعة الدولة العربية في قمة مارس/آذار 2002، لتتبنى حل الدولتين من أجل إحلال السلام في المنطقة، وطالبت بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ 4 يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية.
وفي عام 2003 أصدرت اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط، التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، مبادرة خريطة الطريق لحل الدولتين، الأمر الذي مهَّد لعقد مؤتمر جنيف للسلام بحضور شخصيات فلسطينية وإسرائيلية.
لماذا تتمسك الدول بطرح حل الدولتين؟
بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي، على أن "الطريق الوحيد للأمن والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو وجود دولتين لشعبين".
تلا التصريحات الأمريكية بيان مشترك من 9 دول عربية على رأسها الإمارات والسعودية وقطر أدانت فيه استهداف المدنيين، ورفضت أعمال العنف ضدهم من الأطراف كافة، كما دعت مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته والسعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وبذل جهود سريعة وحقيقية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عبر إنفاذ حل الدولتين بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويرى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة، أن سبب طرح الأطراف الدولية حل الدولتين، يعود إلى عدم وجود بديل له في الفضاء الدولي.
ويؤكد عطاونة في حديثه مع TRT عربي، أن "الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً الإدارات الديمقراطية، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية كلها تشترك في المطالبة بحل الدولتين، والدول العربية والخليجية تتحرك وفق المنظومة الدولية، لذا نصَّت المبادرة العربية للسلام على طرح إقامة دولتين كأساس لعملية السلام".
من جانبه، يقول الباحث شفيق شقير، المتخصص بشؤون بلاد الشام في مركز الجزيرة للدراسات، إن "تمسك العرب والدول عموماً بالطرح هو بسبب غياب البديل".
ويرى شقير في حديثه مع TRT عربي، أن ما يُطرح "أقرب للعنوان المجهول، خصوصاً فيما يتعلق بواقع الدولة الفلسطينية التي تُطرح ضمن مبدأ حل الدولتين".
هل توافق حماس على حل الدولتين؟
في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 تحدث سفير فلسطين في النمسا صلاح عبد الشافي عن ظهور مؤشرات عن استعداد حركة المقاومة الفلسطينية حماس للاعتراف بدولة إسرائيل، والموافقة على حل الدولتين.
وفي هذا السياق، يعلّق الباحث شفيق شقير على وجود متغيرات في طرح حماس منذ أن غيَّرت ميثاقها عام 2017، مرجحاً بالفعل أن تكون الحركة قد أصبحت "أكثر قبولاً" لحل الدولتين في الفترة ما بين عملية "طوفان الأقصى" وإطلاق إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وباتت بالفعل تنظر إليه على أنه حل واقعي
ورأى شقير أن "حماس قد تسير على نهج حزب الله، فلا تعترف رسمياً بدولة إسرائيل، لكنها تلتزم بحدود الدولتين، تماماً كما فعل الحزب عندما التزم فعلياً بحدود الدولة اللبنانية رغم عدم الاعتراف الرسمي بإسرائيل".
من جانبه يعتقد الباحث أحمد عطاونة أن "حديث النخب والسياسيين الفلسطينيين وقيادات الفصائل عن انتهاء حل الدولتين بسبب سياسات الاحتلال لا يعكس الواقع، إذ لا تزال الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية والعربية تطرح الدولتين حلّاً وحيداً".
ويشير إلى أنه حتى حركة حماس توافق على دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967 كنقطة توافق وطني، بالإضافة إلى ضمان حق العودة للاجئين.
عوائق تأسيس دولتين
ويؤكد عطاونة أن الاحتلال الإسرائيلي والحكومات الإسرائيلية، خصوصاً التي تنتمي إلى اليمين المتطرف، وتتعاقب على حكم إسرائيل في آخر عقدين، هي العائق الوحيد أمام تطبيق حل الدولتين.
ويبرر رأيه بأن "بعض أحزاب اليمين فاشية وتُنكر حقوق الفلسطينيين بالكامل، وقد أفرزت شخصيات مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وتطالب بحسم الصراع من خلال التخلص من الفلسطينيين والقضاء على طموحاتهم السياسية".
ويرى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أن "الإجراءات على الأرض قوضت حل الدولتين، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية إلى ما يقارب مليون، بالإضافة إلى ممارسات تهويد القدس وتقويض السلطة الفلسطينية وإعادة احتلال الضفة الغربية".
ويلفت عطاونة إلى أن "أمريكا، بما في ذلك الإدارات الديمقراطية، لا تمارس الضغوط على إسرائيل من أجل تطبيق حل الدولتين، بل إن الحزب الجمهوري متطرف في دعم إسرائيل، كما يوجد ضعف في الموقف العربي حول القضية الفلسطينية".
بدوره، يوضح شفيق شقير أن اتفاقيات التطبيع العربية الثنائية مع إسرائيل وفق ما يُعرف بـ"اتفاقيات السلام الإبراهيمية" تجاوزت المبادرة العربية التي تتبنى حل الدولتين، وتطرح شعار الأرض مقابل السلام، والنتيجة أن كل دولة انتهجت مساراً منفرداً مع إسرائيل منذ طرح صفقة القرن.
ورأى شقير أن إسرائيل غير جادة في الموافقة على قيام دولة فلسطينية حقيقية، بل تتبنى فكرة تأسيس بلديات منفصلٌ بعضها عن بعض.