تكثف حكومة بغداد تحركاتها رسمياً من أجل استعادة عوائل وعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من الجنسية العراقية الموجودين في مخيم "الهول" بريف الحسكة شمال شرقي سوريا، الذي يديره تنظيم YPG/PKK الإرهابي، وكذلك في سجون تتبع للأخير.
واستعرض وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع السفيرة الأمريكية إلينا رومانوسكي، بتاريخ 30 مايو/أيار الماضي، العلاقات الثنائية ونقل الأسر من مخيم "الهول" إلى داخل العراق.
وذكر بيان للوزارة أنّ وزير الخارجية، استقبل سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق، وجرى خلال اللقاء "مناقشة نقل الأسر من مخيم الهول إلى مخيم مخصّص لهم داخل العراق والتحديات المتعلقة بهذه العملية".
جهود عراقية
وعقب ذلك أُعيد 50 سجيناً عراقياً من عناصر داعش الإرهابي و168 عائلة من عائلات التنظيم، من سوريا إلى العراق، كما أفاد مصدر حكومي عراقي في 3 يونيو/حزيران الجاري.
وأضاف المصدر الحكومي العراقي لوكالة فرانس برس، أنّ هؤلاء العناصر "سيُحقّق معهم ويُحاكمون أمام القضاء العراقي".
كما أُعيدت 168 عائلة من المخيم، وفق المصدر، إذ أُودعت في مركز الجدعة الواقع جنوب الموصل، على أن تخضع "إلى مرحلة تأهيل نفسي، وبعد التأكد من عدم وجود حالات انتقامية من شيوخ العشائر في مناطقهم، سيُعادون إلى مناطق سكنهم".
ويشكل العراقيون ما يقارب نصف القاطنين في مخيم الهول، أغلبهم من النساء والأطفال من عوائل التنظيم، وآخرون ممن فروا من خلال معارك مدينة الموصل عام 2017 ضد تنظيم داعش.
وكان رئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة المسمى (يونيتاد)، كريستيان ريتشر، قد دعا في 7 من الشهر الجاري، إلى تعزيز المساءلة بشأن الجرائم المرتكبة من تنظيم داعش في العراق، و"اعتماد إطار قانوني محلي مناسب في العراق يسمح بإجراء المحاكمات".
وأكد ريتشر في إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن، على أنّ "فريقه لا يزال ملتزماً بدعم العملية التي يقودها العراق لتنفيذ إطار قانوني يمكّن من مقاضاة أعمال تنظيم داعش الإجرامية كجرائم دولية وجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، أمام المحاكم الوطنية في العراق".
ويضم مخيم "الهول"، الذي أقيم في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين في أوائل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، وفق إحصاءات الأمم المتحدة أكثر من 56 ألف شخص، من نازحين سوريين ولاجئين عراقيين، ونحو 10 آلاف من عوائل عناصر التنظيم، وأجانب من نحو 60 دولة.
والمخيم يمتدّ على مساحة 1.5 ميل مربع، ويضم نحو 13 ألف خيمة أُقيمت بدعم من الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، بينما تتكون بعض المَحال فيه من ألواح حديدية وخشبية.
ويوجد فيه قطاعان مخصّصان لعوائل تنظيم داعش من الجنسية السورية والعراقية، وقد شهد المخيم خلال الفترة الماضية جرائم قتل مجهولة بحق نساء ورجال من الجنسية العراقية.
ومنذ مايو 2021، أعاد العراق مئات من العائلات من سوريا إلى مركز "الجدعة"، ومذّاك غادر جزء منها إلى مناطق سكنها الأصلية.
وغالباً ما تثير عودة العائلات القادمة من مخيم "الهول"، إلى مناطقها في العراق الجدل، بسبب شبهة انتماء أفراد منها إلى تنظيم داعش الإرهابي، في بلد لا يزال بعد أكثر من خمس سنوات من دحر التنظيم يعاني هجمات تطول الجيش العراقي وتسفر عن قتلى يتبناها التنظيم الذي أُعلن القضاء عليه في العراق عام 2017.
"بُعدٌ أمني وإنساني"
وحقق الملف تقدماً طفيفاً، لكن غالباً ما يواجه العائدون رفضاً من مجتمعاتهم المحلية، ما يجعل إعادة دمجهم مهمة معقدة وطويلة.
وسبق أن ناقشت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، ملف النازحين العراقيين في مخيم "الهول"، في 5 من نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي.
ونشر حينها مجلس الوزراء العراقي بياناً، شدد فيه السوداني على أهمية إعادة توطين النازحين في مخيم "الهول"، ومعالجة موضوعهم إنسانياً، ومواصلة تنفيذ البرامج المخصّصة لتأهيلهم ودمجهم، تمهيداً لإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتذليل العقبات التي تعترض ذلك.
واعتبر السوداني أنّ "ملف مخيم الهول ينطوي على بُعدين أمني وإنساني، ومن الضروري توزيع الأدوار على الجهات المعنية كل حسب اختصاصها، من أجل السرعة في حسم هذا الملف، سواء من جانبه الإنساني أم الأمني، وما يتطلبه من تدقيق أمني لجميع العوائل النازحة في المخيم".
وتطرّق الاجتماع إلى جهود العراق في التعاطي مع هذا الملف بإيجابية، وسعيه لوضع حلول نهائية له، داعياً المجتمع الدولي إلى القيام بواجباته تجاه حل مشكلة النازحين في "الهول".
وحاول مراسل TRT عربي الحصول على إجابات حول مساعي بغداد في إعادة دمج عوائل تنظيم داعش المُعادة من المخيم بالمجتمع العراقي، من المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحّاف، إلّا أنّه لم يتلقَّ رداً حتى ساعة إعداد التقرير.
إجراءات عشوائية
وعن هذا الملف، يرى مدير "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" عمر الفرحان، أنّ "مساعي بغداد قاصرة جداً وتعمل وفق خطوات غير مسبوقة -ولا سيما لو نظرنا إلى الإجراءات التي تسبق هذه الإعادة، نجد أنها تفتقر أبسط مقومات الاندماج-، وكما هو معروف أنّ الإجراءات يجب أن تكون وفق مراحل وآليات تبدأ من خلال التأهيل وتوفير الحاضنة الجيدة والأماكن المهيّأة لاستقبال النازحين القاطنين في مخيم الهول والمخيمات الأخرى".
ويضيف لـTRT عربي: "للأسف هذه الإجراءات والآليات غير متوافرة وهذا يعني أنها إجراءات عشوائية غير مدروسة، وهي فقط لإنهاء التركة الملقاة على المجتمع الدولي"، على حدّ تعبيره.
وأشار الفرحان إلى إجراءات أمنية وإنسانية قانونية يجب أن ترافق الاندماج، كمراقبة سلوك الأفراد وتوفير الحماية لهم وعدم ملاحقتهم وإجراءات إنسانية تتمثل بتوفير الغذاء والدواء والسكن الآمن، وإجراءات قانونية كإعطاء الأوراق الثبوتية وإجراء المصالحة الوطنية وغيرها.
وحثّ الفرحان المجتمع الدولي على "العمل بالطرق المدنية والقانونية لمعالجة ملف النازحين، وأن تتعامل الحكومة العراقية مع أهالي مخيم الهول وغيره وفق مبدأ الإنسانية".
وترافق التحركات الرسمية العراقية بشأن النازحين العراقيين، جهود أممية لدفع هذا الملف قدماً نحو الأمام، وفي مطلع مارس/آذار الماضي، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بترحيل رعايا الدول من مخيم الهول، معتبراً أنه "أسوأ مخيم في العالم"، جاء ذلك خلال زيارته "مركز الجدعة للتأهيل المجتمعي".
و"الجدعة" هو مركز مخصّص لتأهيل النازحين العائدين من مخيم الهول، ويؤوي مئات العائلات التي أعادها العراق على مراحل من المخيم، وقبل العودة إلى مناطقها الأصلية، ينبغي على هذه العائلات المرور عبر هذا المخيم الواقع شمال العراق.
وأشاد غوتيريش بحكومة العراق "لما تبذله من جهود تعدّ مثالاً يحتذى به في العالم"، داعياً "جميع الدول الأعضاء التي يوجد أفراد من رعاياها في مخيم الهول وأماكن أخرى، لتكثيف جهودها إلى حد كبير لتيسير عودة مواطنيها في ظروف آمنة وكريمة إلى أوطانهم".
وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة: "عليهم أن يحذوا حذو العراق، فالعراق ليس من أغنى دول العالم، إلا أنّه يستقبل عائدين من الهول".
حلول سياسية وعشائرية
بدوره يؤكد الباحث السياسي العراقي مجاهد الطائي، أنه "ليس كل من في مخيم الهول منتمين أو عوائل تنظيم داعش، فكثير منهم وجد نفسه في المخيم في أثناء عمليات التحرير والبحث عن ممرات آمنة للهرب من القصف".
ويضيف لـTRT عربي، بأنّ "مساعي الحكومات العراقية المتعاقبة ولاسيما حكومة السوداني تتعلق بالملف الأمني فقط، ومعالجتها تأتي في سياق أمني بعيد عن المجالات الإنسانية وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي الذي يتطلب وعياً وإرادةً سياسيةً وإمكانات ماديةً".
ويلفت الطائي إلى أنّ "هذه الإجراءات الإنسانية مفقودة مع النازحين العاديين في المخيمات داخل العراق"، متسائلاً: "فما بالنا بالنازحين الذين توجد بينهم عائلات منتمية إلى تنظيم داعش؟".
وشدّد على أهمية تعامل وزارة الهجرة والمهجرين بإنسانية مع النازحين وتحسين جودة خدماتها.
ويرى الباحث السياسي، أنّ إعادة الاندماج تتطلب وضع حلول سياسية وأخرى عشائرية واجتماعية، ثم إنشاء بيئة لمرحلة ما بعد الحرب، مثل توفير الأمن والحماية والخدمات وفرص العمل والمدارس.
ويشير الطائي إلى أنّ هذه الحلول "غير متوافرة في معظمها من الدولة والحكومة إلا في إطار الشكليات التي لا تحل مشكلات، بقدر ما تحيلها إلى المستقبل، وتُحل عبر الزمن من المجتمع نفسه، إن توافرت ظروف لذلك".