تابعنا
تصدَّرت الحرب في قطاع غزة أعمال المؤتمر منذ يومه الأول، وشكَّلت جزءاً من خطابَي المستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن

60 جلسة، تضمَّنها مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام في الذكرى الستين لتأسيسه، إذ عُقدت دورته السنوية بين 16 و18 فبراير/شباط الجاري، في مكانه التقليدي بفندق بايريشر هوف، وشارك فيه سياسيون وقادة أمنيون وعسكريون وخبراء رفيعو المستوى من جميع أنحاء العالم لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحاً، المتعلقة بالأمن الدولي.

وشهد الافتتاح حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إضافة إلىى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كما شهد حضور نحو 50 رئيساً ورئيس وزراء وأكثر من 100 وزير، من بينهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى جانب رؤساء عديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، كما عقد وزراء خارجية الدول السبع اجتماعاً على هامش المؤتمر.

الحرب في غزة.. الصوت الأعلى

تصدَّرت الحرب في قطاع غزة أعمال المؤتمر منذ يومه الأول، وشكَّلت جزءاً من خطابَي المستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، كما شارك في الجلسة الحوارية المخصصة للعلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية كل من رئيس الوزراء الفلسطيني محمود اشتية، ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي.

وكان من اللافت في النقاشات، طرح مسألة حل الدولتين وضرورة قيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وكانت من أبرز التصريحات اللافتة خلال المؤتمر، ما قاله جوزيب بوريل، منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي: "إن إسرائيل في حاجة إلى حل سياسي، وليس إلى حل عسكري، للصراع مع الفلسطيني، فلا يمكن القضاء على حماس، لأنها فكرة، وإنما يجب تقديم بديل أفضل"، حسب قوله.

الانتخابات الأمريكية وعودة ترمب

وجاء أحد أبرز الملفات التي طرحت بعد الحرب على غزة، ملف الانتخابات الأمريكية المقبلة، وإمكانية عودة ترمب إلى الحكم، ما يعني احتمالية عودة التهديدات التي أطلقها ترمب سابقاً بالتخلي عن الناتو، الذي وفّر للأوروبيين مظلة عسكرية، أتاحت لهم التركيز على الاقتصاد والتنمية طوال عقود بعد الحرب العالمية الأولى.

وكان اللافت في هذا الملف، هو تصريح السيناتور من ولاية "أوهايو جي دي فانيس"، حول إمكانية إجراء تفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والانسحاب من الحرب الأوكرانية.

ورغم أن عبارات التضامن والتنسيق عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، هيمنت على الكلمات الرسمية للمسؤولين من الطرفين، فإن أحاديث كثيرة دارت حول الضغوطات التي يجريها الجمهوريون لوقف المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا، التي كان آخرها وقف مساعدات بقيمة 60 مليار دولار.

كما كان الترقب والتساؤل واضحين في أجواء القادة الأوروبيين من الموقف المقبل للإدارة الأمريكية حال سيطر الجمهوريون وترمب عليها، ترقب كان في محلّه، إذ حث كثير من الديمقراطيين نظراءهم على الضغط "بكل ما يستطيعون" على أعضاء الكونغرس الجمهوريين لتمرير حزمة المساعدات إلى أوكرانيا.

الاتحاد الأوروبي والحرب الأوكرانية وقوة الردع

وليس ببعيد عن الانتخابات الأمريكية، فقد سيطر موضوع الأمن المشترك والتنسيق الأوروبي -بعيداً عن أمريكا- على كثير من محاور وكلمات المؤتمر، إذ تضمنت كلمة المستشار الألماني أولاف شولتز تصريحاً واضحاً بعزم ألمانيا زيادة إنفاقها الدفاعي بالوصول إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال شولتز: "كثيراً ما جرى انتقاد ألمانيا في الماضي لعدم إنفاقها ما يكفي على الدفاع، ستحقق هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الحادي والعشرين وما بعده، وهذا العام سنقدم مساعدات لأوكرانيا بقيمة 7 مليارات يورو، أتمنى بشدة -وهذا شيء أمارس أنا وبعض زملائي الضغط من أجله هنا- أن تُتخذ قرارات مماثلة في عواصم أخرى".

وكان منسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي هو الآخر قد أشار إلى السعي لتحقيق وحدة أوروبية أكثر في اتخاذ القرارات، عندما تحدث عن ضرورة أن يكون للاتحاد الأوروبي دور فاعل في ملف الحرب على قطاع غزة، وهو ما يتطلب أن تكون الدول الأوروبية كتلة واحدة في التحرك على الصعيد السياسي.

ملفات أخرى

واستبق مؤتمر ميونخ للأمن أعماله باستطلاع شارك فيه 12 ألف شخص من مجموعة الدول السبع والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وكشفت النتائج عن أن "الهجرة الناجمة عن الحروب وظاهرة تغير المُناخ" تتصدران المخاوف الأمنية بما يتجاوز ما تشكّله روسيا من تهديدات.

وذكر استطلاع مؤشر ميونخ أن الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يبدو أنهم قد اعتادوا مشهد الحرب الروسية في أوكرانيا، وأنهم يرون أن تزايد أسهم الصين وتعاظم قوتها سيدفع إلى حرب جديدة في الشرق الأقصى.

كما رأى كثيرون ممَّن شملهم الاستطلاع أن التغير المُناخي والأمن السيبراني، هما أهم ملفين يؤثران في كل شخص في هذا العالم.

أما دول مجموعة السبع، فقد كشف تقرير مؤتمر ميونخ أن قطاعات كبيرة من شعوبها أعربت عن اعتقادها بأن بلدانهم ستكون "أقل أماناً وثراءً في غضون عشر سنوات".

وكانت هذه الملفات أيضاً، وملفات أخرى، هي موضوعات المؤتمر في أيامه الأخرى، إذ تناولت أبرز الجلسات الحوارية ملفات عديدة، أبرزها النظام العالمي الجديد ودور الولايات المتحدة فيه، والعنف الجنسي سلاحاً للابتزاز، والأمن السيبراني ومكافحة المعلومات المضللة، والقانون الدولي الإنساني وطرق تطبيقه وحمايته، وكذلك ملفات الأمن الغذائي والأمن المائي والتغير المُناخي.

كما تناولت جلسات المؤتمر مواضيع مكافحة الفساد والشفافية، والهجرة الدولية وملف اللاجئين، والذكاء الاصطناعي وتغوُّله في المستقبل، والأمن النووي والتعاون الدولي الاستخباري، فضلاً عن ملفات محلية أخرى مثل الأمن الأوكراني والألماني والحرب في السودان.

نهاية غير متوقعة

وكان انتهاء مؤتمر ميونخ للأمن دون توصيات أو قرارات أمراً لافتاً للانتباه، وحول ذلك يقول المحلل السياسي قحطان الشرقي، إن هذا يعود إلى تباين وجهات النظر بين الدول المشاركة في المؤتمر.

ويضيف الشرقي لـTRT عربي أن تبايناً كبيراً في الأولويات ظهر بين الدول المشاركة، بما يمس مصالح كل منها، إذ تعطي دول أولوية للمُناخ، بينما تهتم أخرى بملف انتشار الأسلحة، وثالثة تبحث عن التنمية.

ويبيّن وجود دول تبحث عن الاستقرار، وأخرى تبحث عن إنهاء الحروب والنزاعات، لافتاً إلى أن حضور ملف الحرب على قطاع غزة كان غريباً بشكل كبير، إذ ركزت النقاشات على وضع ما بعد الحرب، في حين غابت أحاديث ما يمكن فعله خلال الحرب.

ويرى الشرقي أن انتهاء المؤتمر بهذه الطريقة جاء غير منسجم مع حساسية الوضع الحالي وما يتطلبه من تحرك دولي في مختلف الملفات التي تناولها الحاضرون خلال جلساته.

ويشير المحلل السياسي إلى أن الملفات التي كانت دائماً تحتل المرتبة الأولى، مثل ملف العراق وسوريا وانتشار المليشيات والنزوح وغيرها، قد غابت بصورة كبير عن مؤتمر ميونخ الأخير.

TRT عربي