أمام هذه المعاناة لم يبق أمام أطفال سوريا، وإدلب خصوصاً، إلا التعليم من أجل البحث عن حياة أجمل، أو ربما من أجل نسيان الألم الذي يكابدونه جراء الحرب والتهجير. ولكن مع ذلك فالتعليم لا يمر دون تحديات جمّة يعانيها الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور على حد سواء.
تحديات التعليم في إدلب
من أكبر تحديات التعليم في إدلب هو العدد الكبير من المدارس غير المدعومة والتي لا تتحصل على بيئة تعليمية ملائمه، وخاصة في المرحلة الثانية أساسي، والثانوي وتصل نسبة هذه المدارس إلى 75% حسب قول رئيس المجمع التربوي في إدلب، والذي ناشد بدوره جميع المنظمات الإنسانية والمجتمعات المدنية بالوقوف مع مديرية التربية في مدينة إدلب ودعمها، لأن الحاجة كبيرة لكل المستلزمات من الكوادر المؤهلة، إلى المقاعد والسبورات والمعقمات خصوصاً في ظل التحدي الكبير لتفشي فيروس "كورونا"، والوضع الأمني الأشد خطورة.
معلمو المرحلة الإعدادية يمارسون عملهم بشكل طوعي دون تلقي رواتبهم في إدلب
عوامل عديدة تقف في وجه استمرار الحياة في إدلب بالشكل الطبيعي، فمع استمرار القصف وانتشار جائحة كورونا، فُرض على المدارس في إدلبحالةعدم الاستقرار ومواجهة تحديات عديدة بفعل الظروف المعيشية التي تمر بها المدينة.
هدى عبسي وزيرة التربية في الحكومة السورية المؤقتة، تحدثت لـ TRT عربي، عن انقطاع الدعم المادي عن المرحلة الثانية في التعليم (من الصف الخامس الابتدائي وحتى الصف التاسع).
وغالبية المدرسين يمارسون عملهم بشكل طوعي، دون مقابل. أما بالنسبة للمدارس فإن الطاقة الاستيعابية فاقت الحد المسموح به بكثير، والأعداد، بفعل النزوح، في تزايد مستمر إذ بلغ عدد الطلاب في الصف الواحد حوالي 75طالبا أو طالبة.
التأخر في وصول الكتب المدرسية
وأشارت عبسي إلى أن واحدة من أبرز المشاكل التي تواجهها العملية التدريسية في الشمال السوري المحرر، هي التأخير المستمر في وصول الكتب المدرسية. فالأعداد المطبوعة لا تغطي أعداد الطلاب.
مع ذلك أشارت إلى أن "هناك اتفاقاً مع منظمة قطر الخيرية لتسريع عملية تسليم الكتاب المدرسي للطلاب قريباً".
وتتابع عبسي حديثها بأن منظمات المجتمع المدني الداعمة للتعليم في إدلب كثيرة، وأهمها منظمة قبس وبنيان و"رحمة حول العالم"، وسنابل الأمل وساعد الخيرية وغيرها.
وبالنسبة لأساليب الوقاية في المدارس من فيروس كورونا تؤكد عبسي أنه "يجري تعقيم المدارس بشكل دوري، ويجري العمل على أن تكون مدة الحصة الصفّية عشرين دقيقة فقط مع قياس درجة حرارة كل طالب قبل دخوله الغرفة الصفّية".
أما موضوع التعليم عن بُعد فقد أشارت إلى أن الوزارة حريصة "على تفعيله، بالإضافة إلى تفعيل الدوام الفعلي في المدارس".
وقد أصدرت مديرية تربية إدلب في وقت سابق قراراً يقضي بتحويل التعليم الفعلي إلى نظام التعليم عن بعد في جميع المدارس والمعاهد والجامعات العامة والخاصة الخاضعة لسيطرتها، وذلك اعتباراً من تاريخ السبت 19 ديسمبر/كانون الأول وحتى 15 يناير/كانون ثاني 2011.
الآنسة (س أ)، وهي معلمة لغة إنجليزية رفضت الكشف عن اسمها، قالت في حديثها معTRTعربي، إنها تعمل في مدرسة ضمن مخيم "أبو طلحة" والذي يضم قرابة 200 عائلة، يتراوح عدد سكان المخيم نحو 1650 نسمة، يقع على مقربة من مدينة سلقين بريف إدلب الجنوبي.
تقول إن "النزوح لا يزال مستمراً حتى اللحظة، والمشكلة الأكبر تبرز من خلال عدد المدارس التي تحولت لأماكن لإيواء النازحين التي شهدت مناطقهم قصفاً من قبل الطيران الروسي الذي عمل على استهداف المدارس والمستشفيات والأسواق دون أي تردد".
راتب المعلم لا يغطي جميع احتياجاته
وتؤكد (س أ) أن راتب المعلم "يتراوح ما بين 120 و140 دولاراً فقط، وهو مبلغ لا يغطي ربع احتياجات المعلم اليومية، وهناك قلة في الكادر التدريسي، وأغلب المعلمين يقدمون الدروس بشكل تطوعي، حيث يوجد داخل المخيم ثلاثة صفوف فقط، ونعاني من نقص في القرطاسية، وعدم التزام الطلاب بالدوام بسبب الظروف الأمنية في المنطقة".
وكان الائتلاف السوري المعارض قد نشر عبر صفحته على تويتر إعلاناً عن مبادرة تطوعية لإنشاء نقطة تعليمية في أحد المخيمات في منطقة كفر لوسين بريف إدلبتستوعب 60 تلميذاً. المبادرة جاءت لتشجيع المبادرات الأهلية من أجل التغلب على تحديات بعد المدارسعن موقع المخيم وصعوبة وصول الأطفال إليها، خاصة في فصل الشتاء.
من جهته قال أحمد السعيد عضو نقابة المعلمين لـTRT بأن "مهمتنا الأساسية في النقابة مناصرة المعلم من خلال الدفاع عن حقوقه والمطالبة بها ورفع الظلم عنه".
وقد أكد السعيد على أن النقابة تعقد حالياً "بدورات تدريبية للمعلمين حول تقنيات التعليم عن بعد بالتعاون مع منظمة مضمار".
ويتابع السعيد بأن نقابة المعلمين "تعمل وفق المعايير المتاحة لدينا لأننا كمؤسسة كرسنا عملنا بشكل كامل كمتطوعين دون دعم من أي طرف كان، باعتبارنا منظمة مجتمع مدني والنقابات بشكل عام هي أجسام مستقلة لا تتبع لأي حكومة".
ويدير السعيد إحدى مدارس إدلب التي تتلقى دعماً من قبل منظمة الرواد بحسب قوله.
و"يشكل موضوع الرواتب عائقاً أمام المدرسين لمواصلة مهنتهم"، وإن وجدت حسب السعيد "فهي لا تكفي أسرة معلم لنصف الشهر فهي لا تتجاوز 120$ إن توفرت طبعاً، في المقابل فإننا نجد أن راتب مستخدم في الصحة لا يقل عن 300 $".
وعن فرص عمل بديلة أشار السعيد إلى أنه "لاحظنا في الفترة الأخيرة أنه أصبح خيرة المعلمين يتركون التعليم عند أول فرصة عمل مع منظمة إنسانية، وهذا ينعكس سلباً على مستوى التعليم".
ولعل استمرار انقطاع الدعم عن مديرية التربية يحتم على الكادر التدريسي الغياب أو الانتقال إلى مجالات أخرى، فالمعلم له أسرة وأطفال ومتطلبات الحياة اليومية، وخاصة في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار بشكل يومي إضافة إلى النزوح حيث يجد المعلم نفسه عاجزاً أمام كثرة الاحتياجات مما يضطره إلى ترك التعليم والبحث عن عمل يسد به رمق الحياة.
التعليم محارَب من الخارج
ويرى السعيد أن التعليم بشكل عام محارَب من الخارج، والدليل أن المنظمات المعنية بتقديم الدعم للتعليم وأولها "مناهل" اقتصر دعمها فقط على الحلقة الأولى من التعليم أي من الأول حتى الرابع ابتدائي، وألغت دعمها عن الحلقة الثانية مما جعل التعليم يعاني من صعوبات جمّة.
ويلاحظ أن باقي القطاعات غالباً تعتبر أوضاعها أفضل بكثير من قطاع التعليم كقطاع الصحة وغيره.
ويعلل السعيد ذلك بالضغط الكبير على المدارس نتيجة موجة النزوح الأخيرة مما رفع القدرة الاستيعابية للصفوف لتبلغ 70 طالباً أحياناً في الصف، وأكد حرص النقابة على "التواصل مع قنوات مفتوحة مع منظمات دولية، ولكن كلها تبقى مجرد وعود وعلى الأرض لا يوجد شيء"
وختم السعيد حديثه متمنياً أن تقوم تركيا بدعم القطاع التعليمي وذلك بالتنسيق مع اليونيسيف التي تقدم الدعم للمعلمين السوريين في الداخل التركي. فالتعليم في مناطق الشمال السوري على شفا الانهيار الكلي.
ورغم كل ما ذكر من صعوبات وتحديات فإن هذا لم يمنع الطلاب من الإبداع والتفوق في دراستهم، فالتلميذة "سارة كيالي" من بلدة حزانو شمال إدلب حصلت على المركز الأول عالمياً بمسابقة الحساب الذهني. والتي شارك فيها أكثر من 6 آلاف طفل وطفلة حول العالم من حوالي 20 دولة بينها أمريكا والصين وبريطانيا والتي أقامتها منظمة "ACIDA" الصينية.