تابعنا
كثفت الجزائر مساعيها الدبلوماسية في الآونة الأخيرة والمستمرة منذ سنوات بهدف الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية، باعتبارها الجارة الشرقية التي تتقاسم معها حُدوداً برية تُقارب ألف كيلومتر.

وبعد ساعات قليلة فقط من عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من العلاج في ألمانيا وعقده جلسة عمل مع رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة الذي قدم له تقريراً مُفصلاً حول الوضع الداخلي والمُستجدات بالنسبة إلى ما يجري في دُول الجوار وعلى مُستوى الحُدود الجنوبية والشرقية والغربية مع موريتانيا والصحراء الغربية، كثفت الجزائر اتصالاتها وتنسيقها مع دول الجوار بالأخص تونس بهدف توحيد موقفهما في أي تسوية للأزمة الليبية، بخاصة أنهما يتفقان على إمالة الكفة لصالح الحل السياسي لا غير.

ضغط جزائري تونسي

وحسب ما ورد في بيانين مُنفصلين للخارجية الجزائرية، أجرى قائد الدبلوماسية صبري بُوقادم، مُكالمة هاتفية مع ممثل الدبلوماسية الليبية محمد طاهر سيالة ومع وزير خارجية تونس عُثمان الجرندي، وتناول الاتصال بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره الليبي تطورات الأوضاع في ليبيا، التي شهدت في الساعات الأخيرة زخما أوروبياً واستعداداً للناتو لبذل جُهود لإحلال السلام في ليبيا، ولقاء بين فرقاء الحرب في ليبيا برعاية أممية.

وشهدت الفترة الأخيرة اتصالات دبلوماسية مُكثفة بين تونس والجزائر، إذ تطرقت المُباحثات الهاتفية بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره التونسي إلى مُواصلة التشاور والتنسيق حول سبل الدفع بالعملية السياسية للوصول إلى حل جديد يحفظ سلامة وأمن الشعب الليبي.

وتسعى الجزائرُ التي تتقاسم حدُوداً برية محفوفة بالمخاطر مع جارتها الشرقية ليبيا، إلى توحيد موقفها مع تونس بشكل يفرض بقوة موقف دول الجوار الليبي في أي حل مستقبلي لا يخرج عن دائرة الحوار مع تفادي خيارات الحل العسكري الذي يهدّد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، وهي المخاوف التي عبر عنها الرئيس تبون في يوليو/تموز الماضي، إذ وصف مُحاولات تسليح بعض القبائل في ليبيا بالأمر الخطير الذي قد يعصف بالبلاد ويحوّلها إلى صومال جديد.

ومن المرتقب أن يقوم رئيس الُحكومة التُونسية هشام المشيشي بزيارة إلى الجزائر في الأيام القادمة، ويمكن أن تدفع مخرجات الزيارة المرتقبة نحو مُبادرة جديدة حول ليبيا، وهو ما لمّح إليه وزير الخارجية الجزائري صبري بُوقادوم، في تصريحات صحافية أدلى بها مُنذُ أيام على هامش حفل نُظم بمُناسبة تخرج الدُفعة 49 للمدرسة الجزائرية للإدارة بالعاصمة الجزائرية، حيث صرح بأن "عدداً من المسائل تستحق حُضور الرئيس الجزائري، وبعودته سترتفعُ الوتيرة لمُواجهة جميع التحديات التي تُواجهها الجزائر اليوم".

وحول هذه المُبادرة اكتفى بوقادوم بالقول إن "الجزائر تدعو للسلام وتعمل على إحلال السلام في جوارها، وحل كل النزاعات الموجودة سواء في ليبيا أو مالي".

وستكون زيارة هشام المشيشي إلى الجزائر فرصة لترتيب زيارة من المقرر أن يقوم بها رئيس الجزائر عبد المجيد تبون بعد عودته من رحلته العلاجية الثانية إلى ألمانيا، وتكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى إذ من المتوقع أن يُلقي تبون خطاباً مُطوَّلاً أمام البرلمان التونسي، وهي سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وتُعَدّ الزيارة التي سيقوم بها تبون إلى تونس التي تتقاسم مع الجزائر حُدُوداً بطول 1034 كيلومتراً، الأولى من نوعها مُنذ عقد كامل من الزمن، أي مُنذُ زيارة قصيرة قام بها رئيس الجزائر السابق عبد العزيز بوتفليقة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2009.

وكان الرئيس التُونسي قيس سعيد، قد زار الجزائر شهر فبراير/شباط الماضي، في أول زيارة دولية له بعد وُصوله إلى قصر قرطاج الرئاسي، واتفق مع نظيره الجزائري على رفع نسق التعاون المُشترك بخاصة في المجال الأمني، لأن الجزائر وتونس هُما أكثر المتضررين من انفلات الوضع الأمني عند الجارة الشرقية الليبية.

ترقُّب للدور الأمريكي الجديد

وبغضّ النظر عن مضمون المبادرة الجديدة والتي لا تُعَدّ الأولى من نوعها، يطرحُ متتبعون للمشهد السياسي في البلاد تساؤلات عديدة حول مدى نجاحها وإن كانت ستلقى نفس سيناريو المُبادرات السابقة خاصة أمام برُوز إدارة أمريكية جديدة، ولا يعرف إن كانت ستسير على خطى سابقتها والتي حالت دون نجاح أي مُبادرة جزائرية في وقت سابق.

وحسب الأستاذ في القانون الدولي إسماعيل خلف الله، فإن فترة حُكم دُونالد ترامب تميزت بالتوتر في العلاقات مع الجزائر إلى درجة أنها حالت دون إتمام جلسات الحوار بين فرقاء الحرب في ليبيا والتي احتضنتها البلاد سنة 2014 ونقلتها إلى مدينة الصخيرات المغربية، والتي تمخض عنها "اتفاق الصخيرات" الذي بقي حبراً على ورق.

وتجدد التقاطع الجزائري-الأمريكي حول الملف الليبي، بعدما رفضت واشنطن تأييد خلافة رئيس الدبلوماسية الجزائري السابق رمطان لعمامرة كمبعوث أممي لليبيا خلفا للبناني غسان سلامة الذي استقال من منصبه كمبعوث أممي إلى ليبيا مطلع مارس/آذار الماضي لأسباب صحية.

ويتقاسم أستاذ العلاقات الدُولية والباحث في الشؤون الإفريقية مبروك كاهي نفس وجهة النظر، ففي تصريح له لـTRT عربي قال إن "فرص نجاح أي مُبادرة جزائرية في الظرف الراهن ترتبط بالمُقاربة التي ستنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، فالكل يتساءل اليوم حول كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع الملف الليبي الذي لم يعُد إقليمياً، بل دولياً، إذ في الأزمة لاعبون رئيسيون بالإضافة إلى الجزائر التي لا يمكنُ استبعادها إطلاقاً نظراً إلى العلاقات الوطيدة التي تربطها بالفرقاء الليبيين ومعرفتها التامة بهم.

ويرى مبروك كاهي، أن الجزائر تسعى جاهدة لاسترجاع زمام المُبادرة بعد الغياب الطويل عن الواجهة بسبب الرحلة العلاجية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي تجاوزت الشهرين، إضافة إلى الظروف التي أملتها جائحة كورونا.

وفي سياق مُتصل، يرى المحلل السياسي والإعلامي الجزائري أحسن خلاص، أن أي مبادرة جزائرية تُطرح اليوم تبقى رهن "التوافق الإقليمي والدولي" بالنظر إلى إصرار الأطراف الأجنبية على فرض أجندتها على غرار روسيا والولايات المُتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى، في وقت يضغط فيه كل من الجزائر وتونس بقوة لفرض أجندة دول الجوار في ليبيا كونهما الدولتين الأكثر تضرراً من تنامي الجماعات الإرهابية في المنطقة، ويقول المُتحدث لـTRT عربي إنه قبل الحديث عن أي مُبادرة في الظرف الحالي يجب حدوث توافق بين جميع الأطراف كخطوة أولى.

TRT عربي