أزمات متلاحقة.. هل تشهد بريطانيا فصل شتاء "حالك"؟ (Getty Images)
تابعنا

"كان الرجل خلفي غاضباً، وبدأ في لكم الحارس. وأصبحت معركة بين 8 إلى 10 رجال يلكمون بعضهم ويركلون" يكتب تقرير لموقع "BBC" نقلاً عن تغريدة البروفيسور داني ألتمان من جامعة إمبريال كوليدج بلندن، في مشاهد من أمام محطات الوقود البريطانية، حيث أصبح ذلك وضعاً شبه دائم هناك.

فيما تعرف البلاد نقصاً حاداً في توفر الوقود بأسواقها، أرجع ذلك إلى ازدياد الطلب عليه إثر الرفع التام للإجراءات الصحية، تزامن ذلك مع أزمة سائقي الشاحنات التي أدت تغطيتها الإعلامية إلى دفع الناس للتهافت على المحطات خوفاً من الفقدان التام للمادة الحيوية، محدثين زيادة أكبر في الطلب أدت فعلاً إلى فقدانها حسب الرواية الحكومية. فـ "ليس هناك نقص وكان من الممكن علاج الأمر بالكامل إن لم نر تلك التغطية الإعلامية بشأن مسألة وجود نقص، ثم رد الفعل الشعبي على ذلك" يقول وزير البيئة البريطاني جورج أوستيس.

تحتاج الحكومة البريطانية إلى 100 ألف سائق شاحنات كبيرة لسد هذا النقص الذي أربك سلاسل توزيع المواد الأساسية لمعيشة مواطنيها. نقص مردُّه الرئيسي، حسب محللين، إلى مغادرة المملكة الاتحاد الأوروبي وما أحدثه من صعوبة في تأشيرات العمل بالنسبة لهذه الفئة من الموظفين، الذين غادروا البلاد وقت الإغلاق التام ولم يعودوا بعدها. بالمقابل، أوروبا هي الأخرى ليست أحسن حالاً من جارتها الشمالية، إذ هي في أمس الحاجة إلى هؤلاء السائقين لتحقيق الإقلاع الاقتصادي ما بعد أزمة كورونا.

لكن شبحاً آخر يتهدد المملكة بشتاء حالك هذه المرة، عنوانه نقصٌ لا يقل حدة في إمدادات الغاز الطبيعي، بعد ارتفاع الطلب عليه عالمياً، وأوروبياً على وجه التحديد. ينضاف إلى الوضع الذي تعيشه البلاد منذ أيام، ويضع رئيس وزرائها بوريس جونسون، وحكومته، أمام محك صعب يجاهد للخروج منه.

أزمة جديدة في الغاز تهدد بريطانيا

وجَّه الارتفاع المستمر منذ أسابيع في أسعار الغاز في السوق العالمية ضربة موجعة إلى الصناعة البريطانية. حيث أعلنت أكثر من ست شركات غاز إفلاسها، من بينها شركات"سيمبيو إنيرجي" و"إيجلو إنيرجي". هذه الأخيرة التي صرَّحت بأن "أسعار الغاز المرتفعة بصورة لا تصدق" جعلت من سوق تجزئة الطاقة غير صالحة لاستمرار عمل الشركة.

وقد صرَّح سابقاً وزير المقاولات الصغرى والاستهلاك والعمل البريطاني، بول سكالي، بأن حكومة بلاده "تعد للسيناريو الأسوأ في أزمة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي". فيما الحل الذي اعتزم بوريس جونسون تقديمه هو تشجيع الشركات على استقبال عمال نظيراتها المفلسة بمنح قروض حكومية لإنعاش القطاع. وأثر إفلاس تلك الشركات على نحو 1.5 مليون من العملاء الذين اضطروا إلى تغيير مورديهم من المادة الحيوية.

فيما تؤثر أزمة الغاز على نطاق واسع من الصناعات التي تمس المعيش اليومي للبريطانيين. وتتصاعد مخاوف من عودة بريطانيا إلى نظام العمل ثلاثة أيام في الأسبوع فقط كما حدث في السبعينيات، لمواجهة ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات وللحفاظ على المصانع والشركات بتقليل الإنتاج ومصاريف اليد العاملة.

وتوجد ببريطانيا اليوم أكثر من 3 ملايين أسرة يعيشون فقر الوقود يفرض عليهم الاختيار بين التدفئة وخبز يومهم خلال الشتاء، عددهم مرشَّح للازدياد بـ500 ألف آخرين والمحافظون الحاكمون في بريطانيا ينفذون قرارهم بالزيادة في فاتورة الغاز بداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول، يقول مقال لجريدة "نيويورك تايمز"، متهماً حكومة بوريس جونسون بأنها "لم توفر الحماية الكافية للأسر الكادحة" من الارتفاع المتسارع في أسعار الغاز الذي تعرفه السوق العالمية.

هذا وبدأت الحكومة البريطانية مطلع هذ الشهر تطبيق زيادة في فواتير الغاز والكهرباء لملايين البيوت بعد أن سمحت بذلك الهيئة المنظمة للطاقة في بريطانيا "أوفجيم" مطلع أغسطس/آب الماضي. فيما تسود مخاوف من نقص حاد في الغذاء بعد أن أجبرت أسعار الغاز المرتفعة معظم الإنتاج التجاري البريطاني لثاني أكسيد الكربون الضروري في الصناعات الغذائية على التوقف.

أزمة عالمية في توريد الغاز

فيما تسارع دول العالم إلى تحقيق الإقلاع الاقتصادي بعد ركود بسبب الجائحة، تصاعدَ الطلب العالمي على الغاز وبالتالي حققت أسعاره ارتفاعاً صاروخياً، بلغت نسبة 500% في أوروبا، يقول مقال لمجلة "نيوز ويك". مضيفاً أنه مع استعار المنافسة بين دول آسيا وأوروبا على هذه المادة، تعرف مرافق التخزين الأوروبية نقصاً وصل مستويات تاريخية مقارنة بهذا الوقت من العام، نظراً لمحدودية التدفقات عبر خطوط الأنابيب من روسيا والنرويج.

هذا النقص الحاد لمخزون الغاز في أوروبا، مقابل ارتفاع أسعاره بارتفاع الطلب عليه، أجبر بعض منتجي الأسمدة في أوروبا على خفض الإنتاج. ويتوقع أن يستمر ذلك الارتفاع الأمر الذي يهدد بزيادة التكاليف على المزارعين وربما زيادة تضخم أسعار الغذاء العالمي، مع قدوم شتاء صعب على ما يبدو من بشائره الأولى.

من جهة أخرى، يورد المقال، تواجه الصين التي تعد كبر مشتر للغاز الطبيعي في العالم مشاكل في مخزونها منه، حيث لم تملأ المخزونات بالسرعة الكافية على الرغم من أن الواردات تضاعفت تقريباً عما كانت عليه في العام الماضي، وفقاً لبيانات الجمارك. فيما "اضطرت المصانع الصينية إلى مواجهة نقص واسع النطاق في الطاقة، فإن الأسعار العالمية للصلب والألمنيوم سترتفع، ومما يزيد الطين بلة، أن البلاد تعاني بالفعل من نقص في الفحم".

TRT عربي