تابعنا
مع استمرار الاحتجاجات، في الغرب، المناهضة للحرب في قطاع غزة، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة الدعم لصالحها من خلال تخصيص ملايين الدولارات لبرامج واسعة النطاق تهدف إلى مواجهة الرواية الفلسطينية وإعادة عرض الصورة الإيجابية لإسرائيل في الغرب.

وكشف تقرير موسع لصحفية "الغارديان" البريطانية في 24 من يونيو/حزيران عن قيادة وزير المساواة الاجتماعية الإسرائيلي عميحاي شيكلي، حملة موجهة لمنتقدي إسرائيل، مستندةً بذلك إلى "أدلة تُظهر إعادة إسرائيل إطلاق كيان مثير للجدل كجزء من حملة علاقات عامة أوسع لاستهداف الجامعات الأمريكية وإعادة تعريف معاداة السامية في القانون الأمريكي".

والكيان هو شركة أو جمعية "كيلا شلومو" (مقلاع شلومو)، المصمم لتنفيذ ما سمته إسرائيل بـ"أنشطة الوعي الجماهيري" التي تستهدف، إلى حد كبير، الولايات المتحدة وأوروبا.

ما "كيلا شلومو"؟

كان برنامج الحكومة الإسرائيلية الساعي للتأثير على الجماهير الغربية يُعرف في البداية باسم "كيلا شلومو" أو "مقلاع شلومو" (Kela Shlomo) ثم بات يُعرف باسم شركة "كونسيرت" (Concert) ثم باسم "أصوات إسرائيل" (Voices of Israel)، وانخرطت الشركة في حملات مصممة لمواجهة ما تعتبره "تصاعد العداء لإسرائيل في الولايات المتحدة".

ووفق موقع "تايمز أوف إسرائيل"، فإن "كيلا شلومو"، شركة منفعة عامة أُسّست عام 2017 لرفع وتخصيص الأموال من أجل المساعدة في حماية إسرائيل من الذين يسعون إلى "شيطنة ونزع الشرعية عنها" حسب زعمها.

صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها الأخير قالت إنه في نوفمبر/تشرين الثاني وبعد أسابيع فقط من الحرب على قطاع غزة جرى استدعاء "الوزير المتهور" في حزب الليكود عميحاي شيكلي إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لإطلاع المشرعين على ما يمكن فعله بشأن تصاعد العداء لإسرائيل، أي الاحتجاجات ضد الحرب من قبل الشباب في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبخاصة في جامعات النخبة.

وقال شيكلي أمام المشرعين في الكنيست: "لقد قلت ذلك من قبل، وسأقول ذلك مرة أخرى الآن، وأعتقد أنه ينبغي علينا، وبخاصة في الولايات المتحدة، أن نكون في موقف هجوم".

ومنذ ذلك الحين، قاد شيكلي حملة لمواجهة منتقدي إسرائيل، وكشفت "الغارديان" عن أدلة تظهر كيف أعادت إسرائيل إطلاق الكيان المثير للجدل "Concert" (كونسيرت) كجزء من حملة علاقات عامة أوسع لاستهداف الجامعات وإعادة تعريف معاداة السامية.

وأكد الوزير الإسرائيلي للمشرعين أن أموالاً جديدة موجودة في الميزانية لحملة الردع هذه، والتي كانت منفصلة عن العلاقات العامة التقليدية والمحتوى الإعلاني المدفوع الذي تنتجه الحكومة، مضيفاً أن الحملة تتضمن 80 برنامجاً يجري تنفيذه لجهود المناصرة "التي سيجري تنفيذها بطريقة برنامج كونسرت (Concert)".

عمل برنامج "كونسرت" المعروف الآن باسم "أصوات إسرائيل" ( Voices of Israel)، في السابق مع مجموعات تقود "حملة مناهضة لحركة مقاطعة إسرائيل" (anti-BDS) ولاستصدار قوانين في كل ولاية من الولايات المتحدة تنص على معاقبة الأمريكيين المشاركين في المقاطعة أو غيرها من الاحتجاجات غير العنيفة لإسرائيل، وفق ما ذكرته صحيفة "الغارديان".

أحدث نتائج هذا البرنامج جزء من عملية "متشددة وسرية" من قبل الحكومة الإسرائيلية للرد على الاحتجاجات الطلابية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من أصوات المعارضة.

وأشرف شيكلي خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول حتى مايو/أيار الماضي، على ما لا يقل عن 32 مليون شيكل، أو حوالي 8.6 مليون دولار، جرى إنفاقها على مساعي الحكومة الإسرائيلية لـ"إعادة صياغة النقاش العام"، ومحاولة الترويج للرواية الإسرائيلية.

عمليات ترويج ودعاية

وفي هذا الصدد، يوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي، عبد القادر بدوي، أن جمعية أو شركة "كيلا شلومو" التي اتخذت خلال العشر سنوات الماضية أكثر من تسمية وتَبِعت أكثر من وزارة حكومية هي عملياً "تمثل الحكومة الاسرائيلية لكن بزي مدني"، إذ تساعد الجمعية في عملية "الهسبارا" والترويج والدعاية الإسرائيلية لمواجهة كل عمليات نزع الشرعية عن إسرائيل أو مواجهة حركة "BDS".

وفي حديث لـTRT عربي، يقول بدوي إن الجمعية التي تأسست في عام 2017 تغير اسمها في الفترة الماضية، في البداية كانت تحمل اسم "مقلاع شلومو" في نهاية عام 2017 وبداية عام 2018 تأسست جمعية جديدة أو شركة جديدة باسم "كونسيرت" (Concert) لكن هي استمرار لنفس الشركة، إذ كانت قد تأسست بمبادرة من وزارة الشؤون الاستراتيجية التي كان يشغل فيها الوزير جلعاد إردان منصب الوزير، وهو يشغل اليوم منصب ممثل إسرائيل في الامم المتحدة.

هذه الجمعية أو هذه الشركة كانت تهدف إلى تجنيد المنظمات والمؤثرين عبر منصات الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، من أجل التضامن مع إسرائيل والوقوف إلى جانبها في الفضاء الإعلامي والرقمي، وأيضاً من أجل محاربة ونزع الشرعية عن كل الحملات المناهضة لإسرائيل، وفق البدوي.

ويشير إلى أن هذا المشروع كان يهدف إلى نشر دعاية حكومية إسرائيلية لكن بزي مدني وبهيئات يجري تقديمها للجمهور العالمي على أنها هيئات مدنية، وهذا كان يهدف إلى التغلب على مسألتين أو معضلتين، الأولى أن تسجيل الجمعية كجمعية حكومية كان سيضع حداً للتبرعات الأمريكية الخاصة بها نظراً إلى القوانين الأمريكية.

المعضلة الثانية أنه كان هناك تصور لدى المستوى الرسمي في إسرائيل وتحديداً في النخب اليمينية أن المتحدثين الرسميين باسم الحكومة الإسرائيلية أو حتى ممثلي إسرائيل الرسميين لا يمكنهم تحقيق التأثير المطلوب في الفضاء الجماهيري والتأثير على المواطن الغربي، وبالتالي كان التصور القائل بأنه من الأفضل أن ينفذ عملية الهاسبرا الإسرائيلية مواطن عادي وليس حكومياً من خلال الدفع بتمرير أجندة إسرائيل السياسية الحكومية.

لكن يؤكد البدوي أن "هذا المشروع فشل فشلاً ذريعاً لأن، وحسب الرواية الرسمية الإسرائيلية وبعض الوثائق التي كشفت عنها بعض المراكز الحقوقية في إسرائيل، الجمعية فشلت في تجنيد المبالغ المالية المطلوبة، إذ فشل مقلاع شلومو في تجنيد المبلغ المطلوب أو الذي جرى إقراره وهو 128 مليون شيكل من خلال تبرعات أجنبية، على أن تزودهم الحكومة الإسرائيلية بالمبلغ نفسه إذا نجحوا في تجنيد هذا المبلغ".

ويضيف أنه كان هناك اتهامات بين وزارة الشؤون الاستراتيجية وبين مقلاع شلومو في مهمة جمع التبرعات، إذ اتهمت الأخيرة الوزارة بعدم تحويل الميزانيات المطلوبة والتسبّب بأضرار جسيمة للمشروع برمّته، ما أدّى إلى توقّف المشروع نهائياً. جدير بالذكر أن مقلاع شلومو تلقّت حينها تمويلاً بقيمة 7.3 مليون شيكل من الصندوق المركزي لإسرائيل (The Central Fund of Israel) وهو صندوق أمريكي متورّط بتمويل جمعيات ومنظّمات اليمين في إسرائيل.

ما الدور الذي لعبته منذ السابع من أكتوبر؟

ويؤكد بدوي أنه حسب المعطيات والتحقيقات، فمنذ بداية الحرب تركز عمل الشركة على نشر الرواية والأكاذيب الإسرائيلية المزيفة حول أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واتهام الفلسطينيين وحركة حماس بارتكاب جرائم منها جرائم جنسية وقتل أطفال، وكل الرواية الإسرائيلية الكاذبة التي جرى تناقلها وبثها عبر منصات مختلفة.

ويضيف أن هذا الحراك انتقل لاحقاً لمواجهة كل الحراك الجماهيري وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الأوروبية المناهض لإسرائيل وسياساتها، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والمطالب بوقف الحرب.

ثم انتقل الحراك ليقود عمليات تشويه ضد بعض الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مواقفها من الحرب أو المناهضة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بالإضافة إلى شن حملات تشويه بحق الفلسطينيين في أوساط الطلاب، واتهام العرب والفلسطينيين بأنهم كانوا يستعبدون السود في إفريقيا وغيرها من المناطق، بمعنى كان يوجد بث لرسائل مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

ووفق البدوي فإن الجمعية تعمل من خلال منصات مدنية استطاعت أن تشتري العديد من الحسابات الوهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي والحسابات الموثوقة من خلال مبالغ مالية طائلة.

ويقول: "الهدف هو نقل الرواية الإسرائيلية والعمل من خلال بعض النخب والمؤثرين وبعض الشخصيات المقبولة في هذه المجتمعات. من أجل تقديم معلومات تضليلية حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومحاولة خلق شرعية لهذه الحرب ومواجهة كل حملات نزع الشرعية ومناهضة إسرائيل وسياستها الإجرامية بحق الفلسطينيين تحديداً في قطاع غزة".

وكانت صحيفة الغارديان سلطت الضوء على الدور الذي لعبته "أصوات إسرائيل" عبر إحدى مجموعات المناصرة الأمريكية التي تنسق بشكل وثيق مع وزارة شيكلي، وهي "معهد دراسة معاداة السامية والسياسة العالمية" (ISGAP) التي استطاعت "تحقيق انتصار قوي" في وقت قصير.

وفي جلسة استماع للكونغرس في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن معاداة السامية المزعومة بين الطلاب المتظاهرين المناهضين للحرب في غزة، استشهد العديد من المشرعين الجمهوريين في مجلس النواب صراحة بأبحاث معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسة في استجواباتهم لرؤساء الجامعات.

وواصل "معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسة"، في التأثير على تحركات الكونغرس من منطلق أن الاحتجاجات ضد إسرائيل مدفوعة بمعاداة السامية، كما شارك في حملة تهدف إلى سن قوانين جديدة تعيد تعريف معاداة السامية، بما يجرم أشكالاً معينة من الخطاب الناقد لليهود وإسرائيل.

وذكرت صحفية الغارديان أن من بين المجموعات الأمريكية الأخرى المرتبطة بشركة "أصوات إسرائيل"، "المجلس الوطني لتمكين السود" الذي نشر رسالة مفتوحة موقّعة من سياسيين ديمقراطيين سود يتعهدون فيها بالتضامن مع إسرائيل.

ومجموعة أخرى أيضاً مرتبطة بـ"أصوات إسرائيل" وهي "سايبر وول" (CyberWell) وهي مجموعة مؤيدة لإسرائيل "لمكافحة التضليل" يقودها مسؤولون سابقون في المخابرات العسكرية الإسرائيلية أثبتت نفسها باعتبارها "شريكاً موثوقاً به" رسمياً لـ TikTok و Meta، مما يساعد كلا المنصتين الاجتماعيتين على فحص المحتوى وتحريره، إذ دعا تقرير حديث لشركة CyberWell شركة ميتا إلى قمع شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر".

وكذلك نفذت مجموعة سايبر ويل CyberWell، وهي مجموعة مؤيدة لإسرائيل، حملة زعمت أنها "لمكافحة التضليل الإعلامي"، انطلاقاً من تفاهمات بينها وبين شركة "ميتا" و"تيك توك" وقد دعا تقرير حديث للمجموعة ميتا، المالكة لفيسبوك، إلى مكافحة شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر".

كما سبق أن كشفت صحيفتا "هآرتس" الإسرائيلية و"نيويورك تايمز" الأمريكية مؤخراً أن وزارة شيكلي استخدمت شركة علاقات عامة للضغط سراً على المشرعين الأمريكيين، كما استخدمت الشركة المئات من الحسابات المزيفة التي تنشر محتوى مؤيداً لإسرائيل، أو معادياً للمسلمين، على منصة (إكس) وفيسبوك، وإنستغرام.

TRT عربي
الأكثر تداولاً