تصنف صناعة الزجاج الملون بالنسبة إلى الفلسطينيين بالشيء الأساسي من الجانب الاقتصادي، لما توفره هذه المهنة للعديد من فرص العمل والمهن بتلك الصناعة.
ولا تشكل صناعة الزجاج رمزاً اقتصادياً خصوصاً لسكان قطاع غزة وحسب، بل إنها تعتبر رمزاً تراثياً وأثرياً، نتيجة الحضارات المتعاقبة التي سكنت فلسطين وظلت شاهدة على هذه الصناعة، نتيجة لموقعها الجغرافي الذي يربطها بأكبر القارات، وما زال العديد من الأماكن الأثرية القديمة يوجد بها الزجاج الملون كون أن هذه الصناعة لها مئات السنين.
آلات حديثة
لتعرّف الزجاج وصناعته أكثر، يقول أحمد الغفري الذي يعمل بمهنة تصنيع الزجاج لـTRT عربي: "قديماً كان الزجاج يتم صناعته بنظام النفخ، أما في الوقت الحالي فيتم من خلال نظام آلات حديثة".
وأشار الغفري إلى أن مهنة الزجاج عملت على تشغيل العديد من الشباب، وتمثل جانباً اقتصادياً مهماً داخل قطاع غزة، مبيناً أن الكريستال هو عبارة عن زجاج نقي خالٍ من الشهب، ويتم استخدامه ديكوراً للمحال وواجهات للمنازل والأبنية.
وبين الغفري أن صناعة الزجاج تشكل نظام دخل جيد، وتعتبر مصدر رزق وتعمل على تشغيل الناس نتيجة المهن المرتبطة به.
اكتشاف الزجاج
وعن اكتشاف الزجاج يقول الدكتور ناصر اليافاوي الباحث في التاريخ والتراث الفلسطينيين: "تشير الدلائل إلى أن مكتشف الزجاج بحار "فينيقي" في بلاد الشام، وفلسطين جزء أساسي منها، اكتشف الزجاج بعد عودته من رحلة تجارية في البحر المتوسط، وبعد عودته إلى الساحل الشامي أراد أن يطهو الطعام هو ومن معه فوضع تحت موقد النار بالصدفة قطعة من النيتر "مركب الصوديوم" فتفاعلت هذه القطعة مع لهب النار، وامتزجت بالرمل الناعم على الشاطئ وشاهد البحار "سائلاً لزجاً"، ولفت نظر البحار الذي وجد أن هذا السائل قد تحول إلى مادة شفافة، وهي الزجاج الذي قام بتطوير صناعته الشاميون، ونرى هذا في مدن عكا والخليل وغزة".
ويضيف اليافاوي لـTRT عربي: "صحة هذه الرواية كشفت عنها الحفريات الأثرية وما قرأنا من كتابات الرحالة، وما نجده من تحف زجاجية في المتاحف والكنائس والمقتنيات الخاصة لبعض العائلات".
ومن المعلوم أن بلاد الشام كانت خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر مركزاً مهماً لصناعة الزجاج الجميلة، وبخاصة مدن عكا والخليل وغزة وحلب ودمشق، حيث وصفها ابن بطوطة بأنها مراكز صناعة الزجاج.
وتابع اليافاوي قائلاً: "الفلسطينيون ورثوا صناعة الزجاج الروماني الشهير وطوروه بإدخال تقنيات صناعية جديدة، كالضغط على الزجاج الحار بخاتم نقشت عليه تصاميم زخرفية بأشكال متحررة، مع خط تزييني في قوالب، حيث ينفخ الزجاج السائل في قالب، أو حفره، ونقشه، أو حتى قطعه".
ويشير اليافاوي إلى أن صناعة المنتجات الزجاجية شملت القوارير و"الحوجلات" والمزهريات والأكواب والصفائح والشبابيك والعدسات، ومكنتهم كذلك معرفة الصناعات الكيميائية من تقديم هذا التنوع.
يأتونه من جميع أنحاء العالم
ويشير اليافاوي إلى أنه في القرن الثالث عشر بلغ الزجاج الشامي وبخاصة الفلسطيني روعة الجمال، وصار التجار والمشترون يأتونه من أنحاء العالم، أما أقدم القطع الزجاجية التي امتازت بها غزة فيعود تاريخها إلى عام 708م، وهي أوزان تشبه قطع العملة ممهورة بأسماء الحكام، أو مسؤولين حكوميين، وتتنوع ألوانها من الأخضر القاتم والأخضر الفاتح إلى الفيروزي والأبيض والأرجواني.
وكانت أكثر الأواني الزجاجية الممزوجة بحضارة غزة المتقدمة تزخرف بالبريق المعدني، وهو لامع ذو أثر معدني أحياناً، بفضل طلاء سطوحها بأوكسيد النحاس، أو أوكسيد الفضة.
من أهم الصناعات الفلسطينية
ويبين اليافاوي حين الإشارة إلى ارتحال أفران صناعة الزجاج الفلسطينية إلى أنحاء العالم كافة، وصناعة الزجاج الملون لها امتداد تاريخي في غزة وتقوم على تحويل المواد الخام إلى منتج مصنع يعكس طابعاً تراثياً فلسطينياً، تحمل معايير وملامح تاريخية ودينية، وتُعد صناعة الزجاج الملون من أهم الصناعات التقليدية الموجودة في فلسطين.
وفي نهاية حديثه يرى اليافاوي أن الفلسطينيين وبخاصة سكان قطاع غزة كان لهم تطبيقاتهم الصناعية والمعمارية التي كانت على شكل خرزات، واشتهرت عكا والخليل وغزة بالزجاج الملون وتطوير الكريستال بفعل توافر المكونات الأساسية للزجاج وهي "السيليكا" المشتقة من الرمل والصوان والكوارتز، فضلاً عن مهارة ودقة الفلسطينيين تاريخياً في العمل والإبداع الجمالي وخبراتهم المتوارثة في العديد من المهن، وبخاصة تشكيل وتلوين الزجاج.
صناعة مهمة ومرتبطة بالاقتصاد
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب لـTRT عربي: "إن احتياجات الإنسان متعددة وله أغراض مختلفة، ومن بين تلك الاحتياجات حاجته إلى الزجاج الملون، والذي يعتبر أحد أهم السلع التي تتنوع في تشكيلها واستخداماتها".
ويضيف رجب: "صناعة الزجاج بشكل عام لها استخدامات متنوعة، وبخاصة أغراض البناء وتلك المتعلقة بالأواني الزجاجية والنجف، وتعتبر أيضاً من السلع المعمرة والتي تعمر لسنوات طويلة".
وتابع رجب قائلاً: "هذه السلعة يكون عليها طلب مستمر من جانب المستهلك والمنتج، وتشكل أحد الاهتمامات الرئيسية في الاقتصاد الفلسطيني كونها مرتبطة بالعديد من الصناعات الأخرى، وتعتبر من السلع الرئيسية في مجال الاستيراد والتصدير والتوزيع وتنوع الأطراف التي تتعامل مع تلك السلعة".
وبيّن رجب أن صناعة وتركيب الزجاج الملون شكلت فرصة عمل للعديد من الفرص، وهناك حاجات دقيقة تتطلب أيدي عاملة فنية في التصنيع، مشيراً الى أن هذه المهنة تحدت الحصار الإسرائيلي، منوهاً بأن هذه المهنة وفرت فرص عمل متعددة للتجار والمستهلكين وأصحاب المهن والاستثمار في هذا المجال، وهي جزء من الناتج المحلي المرتبط بالجانب الاقتصادي الفلسطيني وتحقق قيمة مضافة.