تابعنا
يتكون غلاف غزة من 50 مستوطنة إسرائيلية تقريباً، مقسمة على ثلاثة مجالس إقليمية تابعة للحكومة الإسرائيلية المركزية في تل أبيب.

ما إن تحدث مواجهات بين كيان الاحتلال الإسرائيلي ومنظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلا ويبرز معه الحديث بشكل كبير عن مصطلح "غلاف غزة"، نظراً لكونه نقطة تماس بين جيش الاحتلال والمقاومين الفلسطينيين، وما يمثله من أهمية استراتيجية لكلا الطرفين.

فما غلاف غزة؟ وما أهميته الاستراتيجية؟ ولماذا يشهد باستمرار معارك ضارية بين الجيش الإسرائيلي وعناصر منظمات المقاومة الفلسطينية المتمركزة في قطاع غزة المحاصر؟

غلاف غزة

هو مجموعة من المدن والمستوطنات الإسرائيلية التي تحيط بقطاع غزة، من جهة الشمال والشرق والجنوب الشرقي، في مسافة تقدر بنحو 41 كيلومتراً في محيط القطاع.

ويتكون الغلاف من 50 مستوطنة إسرائيلية تقريباً، مقسمة على ثلاثة مجالس إقليمية تابعة للحكومة الإسرائيلية المركزية في تل أبيب.

المجلس الأول، يحمل اسم "مجلس أشكول المحلي"، وهو الأكبر من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحته نحو 380 كيلومتراً مربعاً، يقيم فيه أكثر من 13 ألف مستوطن يهودي، موزعين على 32 بلدة استيطانية.

والمجلس الثاني، يسمى "مجلس أشكلون المحلي"، وهو الأول من حيث عدد المستوطنين المقيمين، الذين يقدرون بنحو 17 ألف مستوطن إسرائيلي، وتقدر مساحته بنحو 175 كيلومتراً مربعاً، كما يضم أربع بلدات استيطانية.

بينما المجلس الثالث، "مجلس شاعر هنيغف المحلي"، ويضم هو أيضاً أكثر من 11 مستوطنة إسرائيلية، يقطن فيها ما يزيد على سبعة آلاف استيطاني يهودي، وتبلغ مساحة الأراضي التابعة له ما يفوق 180 كيلومتراً مربعاً.

ويقدر عدد سكان غلاف غزة من المستوطنين الإسرائيليين، بأكثر من 55 ألف مستوطن إسرائيلي، حسب بيانات موقع جلوبس الاقتصادي الإسرائيلي، لسنة 2019.

كيف تشكل غلاف غزة؟

بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، سنة 1993 بمدينة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت السلطة الفلسطينية من دخول قطاع غزة وفق الاتفاقية ذاتها، سنة 1994، بهدف الشروع في تطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، حسب ما نص عليه الاتفاق.

فقد دخل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الملقب بـ"أبو عمار"، قطاع غزة لأول مرة في سنة 1994، ومن ثم بدأ الفلسطينيون في السيطرة على الأراضي التي يقطنونها، إلى جانب المستوطنات الإسرائيلية الموجودة هي أيضاً داخل القطاع.

استمر الوضع على ما هو عليه لمدة عقد من الزمن تقريباً، إذ طرح الرئيس الإسرائيلي السابق أرييل شارون، سنة 2004 خطة للانفصال عن قطاع غزة والانسحاب منه بشكل كامل، مع إخلاء المستوطنين لبيوتهم، الذين يقدر عددهم بأكثر من 8500 مستوطن يهودي.

وهي خطة أقرّها الكنيست الإسرائيلي وصدَّق عليها بعد ذلك، سنة 2005. وفي يوم 12 سبتمبر/أيلول من السنة نفسها، أُنهي الحكم العسكري في القطاع المحاصر بشكل نهائي، كما أُخليت المستوطنات الإسرائيلية كافة، البالغة 25 مستوطنة إسرائيلية.

بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، عمدت حكومة الاحتلال إلى إقامة "منطقة عازلة" في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل على طول الحدود البرية مع قطاع غزة المحاصر، منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، سنة 2006.

ورغم كونها منطقة حدودية ومنطقة شبه عسكرية، فإن القوات الإسرائيلية أبقت على عدد من التجمعات السكانية الاستيطانية في هذه المنطقة، التي بلغ عددها حتى الآن نحو 50 مستوطنة، موزعة على مسافة تقدر بـ41 كيلومتراً.

وعرفت منذ ذلك الحين في وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، باسم منطقة "غلاف غزة"، بينما يطلق عليها اسم "عوتيف غزة" باللغة العبرية داخل الكيان الاسرائيلي. وهو الاسم الذي يجري تداوله بشكل مستمر، في أي مواجهات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

أبرز مستوطنات غلاف غزة

تعتبر مستوطنة "سديروت" أكبر المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في غلاف غزة، كما أنها أقرب مستوطنة إلى قطاع غزة من جهة الشمال، إذ لا تبعد عن القطاع سوى كيلومتر ونصف الكيلومتر فقط، وأقيمت هذه المستوطنة سنة 1948 على أنقاض قرية النجد الفلسطينية بعد احتلالها، ثم تحولت إلى مدينة، يقطنها نحو 20 ألف مستوطن يهودي.

إلى جانب مستوطنة "كيسوفيم" التي تأسست سنة 1951، على يد أعضاء "حركة الشباب الصهيوني"، الذين هاجر معظمهم إليها من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أمريكا الجنوبية. وتقع المستعمرة في شمال صحراء النقب، ويعتمد اقتصادها على تربية الدواجن وإنتاج الحليب وزراعة الحمضيات.

فضلاً عن مستوطنة "زيكيم"، التي تقع في شمال صحراء النقب، وهي أبرز المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، إذ تضم مصفاة ضخمة للبترول ومحطة توليد الكهرباء، كما تضم أيضاً قاعدة عسكرية تطل على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

كما تعد مستوطنة "سوفا" أقرب مستوطنة إسرائيلية إلى قطاع غزة من جهة الجنوب، إذ تقع في شمال مدينة رفح الفلسطينية داخل القطاع المحاصر.

بالإضافة إلى مستوطنات أخرى، مثل مستوطنة "كفار عزة"، التي تبعد عن قطاع غزة نحو خمسة كيلومترات من جهة الشرق، والتي تقع بين مستوطنتي سديروت ونتيفوت، فضلاً عن مستوطنة ييشاع، نحال عوز، كريات غات، كريات ملاخي وتلمي إلياهو…

كما يضم الغلاف أيضاً العديد من المدن، مثل عسقلان وأسدود وديمونا، وهي أكثر المناطق استهدافاً من طرف المقاومة الفلسطينية بوساطة القذائف والصواريخ التي من داخل قطاع غزة.

أهمية غلاف غزة

يمثل غلاف غزة أهمية استراتيجية كبيرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية المتمركزة في قطاع غزة، إذ يعتبر نقطة التماس بينها، وقد شهدت المنطقة منذ سيطرة حماس على قطاع غزة العديد من المعارك والحروب.

وكان آخرها عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها المقاومة الفلسطينية على الغلاف، بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، صباح يوم السبت الماضي، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتولي إسرائيل أهمية قصوى للغلاف، إذ تعتبره خط "الدفاع" الأول لها، نظراً لكونه متاخماً للمنطقة العازلة بين الكيان الإسرائيلي وقطاع غزة التي تسيطر عليه حركة "حماس" الفلسطينية.

نتيجة لهذه الأهمية القصوى، تخصص الحكومة الإسرائيلية بشكل سنوي ميزانيات ضخمة لغلاف غزة، إذ تقوم ببناء جدار إسمنتي مكون من عدة طبقات في أسفل الأرض، على طول الحدود البرية مع القطاع، بهدف منع المقاومة الفلسطينية من حفر أنفاق تحت الأرض إلى داخل المستوطنات والقواعد العسكرية المتاخمة لقطاع غزة.

كما تسعى الحكومة الإسرائيلية من وراء هذه الخطوة، إلى منع وصول أفراد المقاومة إلى العمق الإسرائيلي، وتقييد حرية الفصائل الفلسطينية في الوصول إلى أهداف وأماكن أكثر حساسية.

إلى جانب الأهمية الأمنية الكبيرة التي يشكلها غلاف غزة لإسرائيل، يحظى الغلاف بالقدر نفسه من الأهمية لفصائل المقاومة الفلسطينية، إذ تنظر إليه على أنه أولى وأقرب الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يجب تحريرها من الكيان العبري.

كما تنظر إليه أيضاً على أنه أقرب الأهداف التي يجب استهدافها كمرحلة أولية، ومن ثم الدخول إلى العمق الإسرائيلي، وخاصة أن صواريخ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة -في البداية- كانت قصيرة المدى، ولا تستطيع الوصول إلى شمال الكيان العبري، مثل العاصمة تل أبيب، إلا أنها تمكنت بعد ذلك من تطوير قدراتها العسكرية والتسليحية.

امتيازات لمستوطني غلاف غزة

يحظى المستوطنون اليهود المقيمون في مستوطنات غلاف غزة، بالعديد من الامتيازات والصلاحيات التي لا يتمتع بها باقي المستوطنين في باقي المناطق الأخرى داخل إسرائيل، نظراً لوجودهم في نقطة التماس "الأكثر خطورة"، إلا أن أغلبيتهم يرفضون البقاء في المنطقة، حفاظاً على أرواحهم.

إذ تقيم الحكومة الإسرائيلية لهم العديد من المشاريع الاقتصادية والتجارية بهدف إقناعهم بالبقاء في مستوطنات الغلاف، ومحاولة استيطان المنطقة، بهدف جعلها بمنزلة "جدار فصل صهيوني" بين قطاع غزة والضفة الغربية، ومنع قيام دولة فلسطينية مترامية الأطراف، عن طريق هذا "الحاجز الديموغرافي اليهودي".

وحسب العديد من المحللين الإسرائيليين، فإن الأغلبية الساحقة من مستوطني غلاف غزة هم من الفلاشا ويهود السفارديم واليهود الشرقيين المنبوذين داخل المجتمع الإسرائيلي، بهدف تجنّب مشكلات اجتماعية داخل الكيان العبري.

TRT عربي
الأكثر تداولاً