العمل المنزلي (Getty Images)
تابعنا

كثيرات من النساء يقضين حياتهن في المنزل ينظّفن ويكنسن ويرتّبن ويطبخن ويربّين الأطفال وينتقلن بالسطول الثقيلة من غرفةٍ إلى غرفة، يُعِدن لأزواجهنّ الظروف الملائمة للعمل، ولأطفالهنّ الظروف الملائمة للدراسة، دون أن يحصلن على قرشٍ واحدٍ لقاء كلّ هذا العمل، لأنّ العمل المنزلي لا يزال عملاً غير مدفوع الأجر في العالم.

قضت رشيدة (45 عاماً) ستة عشر عاماً من حياتها في العمل المنزلي، دون احتساب العمل الذي كانت تقوم به في بيت والديها قبل أن تتزوّج، إذ عملت على توفير الأجواء المناسبة لزوجها الموظّف ولأبنائها الثلاثة حتى يكونوا مرتاحين: بيتٌ نظيف طيلة الوقت، وطعامٌ جاهز. بالإضافة إلى ذلك، تحرص رشيدة على مساعدة أبنائها على إنجاز واجباتهم المنزلية بعد المدرسة، مثلما تفعل كثيرات من الأمهات في العالم.

رشيدة هي أول من يستيقظ في الصباح، وآخر من ينام في المساء. بل إن دوامها يستمرّ إلى الليل، حيث عليها أن تستيقظ في كلّ مرّة لترضع طفلها أو تغيّر حفاظاته.

لكنّ كل هذا العمل الذي تقوم به رشيدة وكثيرٌ من النساء ربات البيوت في العالم لا يُعتَبر عملاً، بل "جلوساً في البيت" فقط، ولذلك لا يحصلن لقاءه على أي شيء، باعتباره عملاً غير منتِج.

كثيرات من النساء يقضين حياتهن في المنزل ينظّفن ويكنسن ويرتّبن ويطبخن ويربّين الأطفال (Getty Images)

تقول رشيدة: "إنه لا يُعتَبر عملاً ولا مجهوداً ولا أي شيءٍ من هذا القبيل، بل شيئاً طبيعياً يولَد معنا، وعلينا أن نتحمّله حتى نموت. لدرجة أنني لم أسأل نفسي يوماً "لماذا لا تحصل النساء في العالم على أجر مقابل العمل المنزلي؟".

"اللاعدالة الاجتماعية"

رشيدة ليست الوحيدة، فأغلب ربّات البيوت يقمن بمجهودٍ جسديّ جبار دون أن ينتظرن أجراً. إذ يدخل هذا العمل في إطار "الواجب الطبيعي" الذي لا أجر له سوى الطعام والمبيت.

في هذا السياق، تحكي حنان، ربة بيت، لـTRT عربي: "أحياناً أشعر أنّ المجهود الذي أقوم به داخل البيت أكبر من المجهود الذي يقوم به زوجي خارج البيت، لأنّ عمل زوجي ينتهي في وقتٍ معيّن، يعود بعده إلى البيت ليحظى بقسط من الراحة، بينما أظل أنا واقفةً طيلة النهار، ولا يُفترض في عملي أن ينتهي في ساعةٍ معيّنة. إنه عمل 24 ساعة على 24".

وتضيف حنان: "أشعر أن الأمرَ غير عادل، لأنني، بالرغم من عملي الكثير والأعباء العديدة الملقاة على كاهلي، أظلّ دائماً في وضعية دونية، أنتظر أن يجود عليّ زوجي بنقود الحمّام".

يفسّر عبد الرحيم العطري، مختصّ في علم الاجتماع، هذا الوضع بكون "الزواج في ظل المجتمعات الذكورية يُبنى على أساس التراتب وعلى أساس اللاعدالة الاجتماعية، بمعنى أن المرأة تكون في وضعية دونية والرجل في وضعية أعلى، بحكم أنه مَن يعمل ويعول البيت، ومن ثمّ فعملها المنزليّ هذا لا يستحق أي ترتيب".

ويضيف العطري في حديثه لـTRT عربي: "العمل المنزلي يلتصق بالمرأة ويفترض فيه أنه من الأشياء الطبيعية التي عليها أن تقوم بها دون أن تطالب بمقابل لها أو حتى بوضعية اعتبارية تعطي مقابلاً لما تقوم به".

"عمل بلا قيمة"

اعتبرت عديد من المناضلات النسويات أن عمل المرأة في البيت، بالنسبة للمجتمع الذكوري، يدخل ضمن دائرة عمل العبيد، وذلك لما بينه وبين عمل العبيد من مشتركات، فهو أولاً عملٌ طبيعي ولصيق بالمرأة، وثانياً هو عمل لا مقابل له.

أغلب ربّات البيوت يقمن بمجهودٍ جسديّ جبار دون أن ينتظرن أجراً (Getty Images)

وفي هذا السياق، تطرقت الكاتبة والباحثة الإيطالية سيلفيا فيديرتشي في كتابها "كاليبان والساحرة" إلى غياب قيمة للعمل المنزلي الذي تقوم به النساء كنتيجة للرأسمالية، والسبب، بالنسبة لها، أنّ هذا العمل غير منتِج وهو واجب طبيعي على المرأة، ولذلك لا يخضع لقواعد سوق العمل، رغم أهميته.

لذلك، فإن العديد من النساء اللواتي ولجن سوق العمل وأصبحن يشتغلن خارج البيت، ظل العمل المنزليّ مرافقاً لهنّ بعد الانتهاء من العمل خارج البيت، إذ يُعتبر من مسؤولياتهنّ وحدهنّ.

يقول عبد الرحيم العطري في حديثه لـTRT عربي إنّ أحد أهم الأسباب التي جعلت العمل المنزلي عملاً بدون أجر ولا قيمة هو النظام الرأسمالي الذي يحكم المجتمعات الإنسانية اليوم. "فقبل هذا النظام، كانت الأسر تعيش وفق ما يسمى بالاقتصاد التضامني الداخلي، وفي إطار عملٍ جماعي، ولم يكن هناك عمل مأجور، والذي حدث هو أن النقود أصبحت حاضرة بقوة في العلاقات الاجتماعية، وأصبح كلّ عمل هو مقابل النقود، وهو نتيجة طبيعية لاتساع الممارسات الرأسمالية والاستهلاكية ولبروز علاقات جديدة لا يمكن تقييمها إلا من خلال زاوية الربح والخسارة".

ويضيف العطري: "يدخل العمل المنزلي ضمن علاقات إنتاجية غير مربحة وغير مدرة للدخل، مع أنه في الأخير عمل منتج وعمل تأسيساتي بدونه لا يمكن أن يذهب الزوج إلى العمل وبدونه لن يدرس الأبناء، بمعنى أنه عملٌ حيوي ويتطلب جهداً كبيراً مقارنةً بأعمالٍ أخرى مدفوعة الأجر، ولا بد من الاعتراف بقيمته".

TRT عربي
الأكثر تداولاً