وبين الفينة والأخرى، تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالنقاشات بين النباتيين وغير النباتيين حول قضية ذبح اللحوم وأكلها، خصوصاً في المناسبات مثل عيد الأضحى -على سبيل المثال-، ويعتقد الكثير من غير النباتيين أن "النباتية" أو "الخضرية"، هي "ظاهرة" مستجدة ولا تعود بأي فوائد على صحة الإنسان، ولكن في حقيقة الأمر أن هذا النظام يعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
تاريخ النباتية
النباتية ليست ظاهرة مستجدة، بل هي قديمة جداً تعود إلى زمن الفيلسوف اليوناني فيثاغورس، صاحب أشهر النظريات في الرياضيات، الذي عاش فترة 570-495 ق.م، وقد أسس ما سُمي بـ "النظام الغذائي الفيثاغورسي"، حيث كان مبدأه أن الحيوانات والأسماك هي كائنات حية لها أرواح ومن الحرام قتلها، لذلك اعتمد في غذائه على النباتات فقط، وقد سار طلابه وأتباعه على نظامه.
أخذت الحركة النباتية في الانتشار مجدداً حول العالم، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، بعد أن بدأ الفلاسفة والشعراء ينادون بالنزعة الإنسانية والرفق بالحيوانات وفكرة التقدم الأخلاقيأمثال فولتير ومارس بيرسي بيش شيلي وهنري ديفيد ثورو، ومما عزز فكرة هذه الحركة، هو اتباع الجماعات المسيحية البروتستانتية للنظام النباتي، باعتباره يحقق لهم العيش بدون خطيئة قتل أرواح الحيوانات.
اكتسبت الحركة النباتية زخماً واسعاً في القرن التاسع عشر، وأصبحت تأخذ شكلاً أكثر تنظيماً بعد أن جرى إنشاء مؤسسات خاصة للتعبير عن المخاوف النباتية، فقد تم تأسيس أول جمعية نباتية في إنجلترا عام 1847 على يد طائفة الكتاب المقدس المسيحية، وأُسِّس الاتحاد الدولي النباتي مبدئياً في عام 1889 ورسمياً في عام 1908.
وبحلول أوائل القرن العشرين ساهم النظام النباتي في الغرب بشكل كبير في دفع عجلة التغيير والتخفيف من اتباع النظام الغذائي غير النباتي في دول العالم الأخرى، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الستينيات من القرن الماضي، ظهرت حركات أمريكية تنادي بضرورة اتباع النظام النباتي، ولكن ليس لأسباب دينية وأخلاقية؛ بل من أجل إنقاذ البيئة المهددة بالخطر.
وعبر تاريخ النباتيين الطويل، يوجد العديد من الشخصيات المشهورة التي اتبعت النظام النباتي، مثل: العالم ألبرت أينشتاين، وتوماس أديسون، ونيكولا تيسلا ، والمهاتما غاندي، وأدولف هيتلر وبيل كلينتون، والموسيقي بول مكارتني، وستيف جوبز والممثل براد بيت و الممثل وودي هارلسون وغيرهم الكثير من المشاهير.
تعريف النباتية والخضرية
في حوارها مع TRT عربي، تقول اختصاصية التغذية ريما كريم: "إنه يوجد في العالم أنواع مختلفة من الحميات النباتية، أشهرها النباتية والخضرية "النباتية الصرفة"، وتُعرف النباتية على أنها نظام غذائي يعتمد على النباتات ويستثني أكل اللحوم من المواشي والدجاج والأسماك وغيرها، ولكنه يسمح بأكل بعض منتجات المملكة الحيوانية مثل الحليب، الزبدة، البيض والعسل، أما الخضرية فهو نظام لا يمتنع عن أكل اللحوم فقط، بل يمتنع حتى عن استخدام المنتجات الحيوانية".
أما عن أسباب اختيار الأشخاص للأنظمة النباتية، فيقول خبير التغذية حازم برغوث في حديثه مع TRT عربي: "للنباتية أسباب كثيرة متنوعة، يعترض بعض الأشخاص على أكل اللحوم من باب الرأفة بالحيوانات، التي تعود في أساسها لبعض المعتقدات الدينية، مثل الديانة "الجاينية" في الهند، أو لأسباب أخرى متعلقة بالصحة ومشاكل الجهاز الهضمي، أو لأسباب تتعلق بالمحافظة على البيئة".
تأثير النظام النباتي على صحة الإنسان
يقول برغوث خبير التغذية: "إن جسم الإنسان يستمد غذاءه من الهرم الغذائي سواء بروتينات أو نشويات أو فيتامينات، ومن لديه مشاكل بالجهاز الهضمي من البروتينات الحيوانية يلجأ للبروتين النباتي، ولكل نظام إيجابياته وسلبياته، فالنظام النباتي له جوانب سلبية لنقص فيتامينB بكل أنواعه في الجسم لدى متبعي هذا النظام، مبيناً أن فيتامينB يعتبر ضرورياً في عملية الروابط العصبية وبنائها لذا وجوده مهم في عملية التكوين الحيوي للجسم".
وبحسب برغوث فإن متبعي النظام النباتي، لابد من تناولهم فيتامين B خاصة B12 والموجود بشكل أساسي في لحوم الحيوانات وتفتقر إليه الأغذية النباتية، لذا يتناوله النباتيون عبر أخذ الفيتامينات إما عن طريق الحبوب أو عن طريق المحاليل في الدم.
ولفت برغوث إلى "أن اتباع النظام النباتي يتسبب في نقص الزنك وفيتامين دال، فرغم توفرهما بالنباتات إلا أنهما يمثلان نسبة قليلة"، مشيراً إلى أن فقدان تلك الفيتامينات يعرض الأشخاص إلى مشاكل في الذاكرة، كما، وبحسب متابعة خبير التغذية برغوث، فإن النباتيين يعانون فقر الدم والأنيميا ونقص فيتامينB12 وهو مركب ضروري في عملية تكوين خلايا الدم وأنسجتها.
وبالنظر إلى ذلك فإن خبراء التغذية يلاحظون انخفاض الهيموجلوبين لهؤلاء الأشخاص الذين يحرصون على تعويض نقص الحديد والفيتامين من مصادر خارجية كالبيض، رغم أن بعض النباتيين يحجمون عن تناول أي شيء يتعلق بالحيوان.
يؤكد برغوث "أن من يحجم عن المشتقات الحيوانية يواجه الخطر الشديد، حيث إن نقص فيتامين دال الذي يعد من المكونات الأساسية لهرمون السيروتونين أحد النواقل العصبية في جسم الإنسان، والمسئول عن النقل العصبي بشكل صحيح يجعل النباتيين أكثر عرضة للاضطرابات النفسية".
وفي سؤال حول مدى اتباع النظام النباتي طوال الحياة أجاب خبير التغذية: "غير مفيد نظراً لفقره للكثير من المكونات التي يحتاج إليها الجسم، من يتناول الخضراوات بشكل كامل دون اللحوم يصبح لديه مشاكل مناعة وتساقط للشعر في المدى البعيد".
أما عن إيجابيات النظام النباتي، قال خبير التغذية: "يقلل "الشوارد الحرة" أي "الابن الضال" كما نشبهه في علم الكيمياء، فتلك الشوارد تلف على أضعف منطقة في جسم الإنسان وتسبب الأمراض خاصة السرطانات، حيث إن قلتها عند النباتيين تسبب عدم تكاثر الخلايا، ولذلك ننصح دائماً أن يتناول آكلو اللحوم الخضار كونها تحتوي على مضادات تقتل الشوارد الحرة"
وأضاف برغوث:" يمتلك النباتيون بشرة جيدة لخلوها من المواد الدهنية والزيوت الضارة والكوليسترول"، فضلاً عن الصحة الجنسية للإناث فتناول النباتات يسبب انتظام الهرمونات الأنثوية وبالتالي عند اتباع نظام نباتي متكامل تُضبط الدورة الشهرية لمن تعاني من اضطرابها".
تأثير النظام النباتي على البيئة
تقول ريما كريم "إن درجة حرارة الجو بازدياد دائم وبشكل يدعو للقلق، وتشكل الانبعاثات الغازية التي تأتي من مصانع منتجات اللحوم، وخصوصاً من الغازات المنبعثة من الأبقار والعجول، نسبة لا يستهان بها في التلوث البيئي والاحتباس الحراري، فضلاً عن الوقود الذي تستهلكه المصانع في إنتاج الكميات الضخمة من اللحوم ومن ثم توزيعها".
وأضافت ريما: "من خلال ما سبق يتبين أن النباتيين لا يشكلون أي ضرر على البيئة، حيث إن عدم تناولهم للحوم سيخفف الحاجة من إنتاجها، وبالتالي سيقل التدهور البيئي المطرد الذي يحدث بسبب شح الموارد، فالأطعمة النباتية تحتاج لكمية طاقة أقل بنسب كبيرة من التي تحتاجها المنتجات الحيوانية، ولذلك فلعل محاولة تغيير الكثير من الناس نظامهم الغذائي، من شأنه إبطاء حركة التغييرات المناخية".