عام كامل وما يقارب نصف عام مرّ على بداية انتشار فيروس كورونا وتصنيف منظمة الصحة العالمية له كجائحة، الذي أدَّى بدوره إلى إجراءات عالمية ودولية للتعامل مع هذه الجائحة وتقليل معدلات الإصابة والوفيات منها قدر الإمكان، ومن ضمن هذه الإجراءات الإغلاقات في قطاع التعليم الذي اشتمل على المدارس والجامعات ورياض الأطفال والمراكز التعليمية، إضافة إلى الإغلاقات في القطاعات الترفيهية كالحدائق والأماكن المخصصة للعب للأطفال.
لا يزال معظم شعوب العالم يعاني الإغلاقات جراء انتشار فيروس كورونا، ومن أهمّ الفئات تأثراً بهذه الإغلاقات الأطفال ابتداءً من سن خمس سنوات، إذ تُعتبر هذه الفترة أوج سنّ النموّ والتغيرات الجسمية والعقلية والسلوكية.
ما تأثيرات جائحة كورونا على الأطفال صحياً وغذائياً؟
في مرحلة الطفولة يُعتبر الاهتمام بالنواحي الصحية شديد الأهمية، إذ تؤثر مرحلة النمو بشدة في الطفل في جميع مراحل الحياة اللاحقة، وخلال هذه المرحلة يكتسب الطفل من خلال نمط حياته والتوجيهات المقدمة له نمط حياة صحيًّا يتضمن سلوكيات تغذوية، وطبيعة النشاط البدني، وسلوكيات صحية عامة.
أثّرت جائحة كورونا في نمط حياة الأطفال بشكل كبير، في نواحٍ عديدة من أهمها النشاط البدني، إذ اتسمت حياة الأطفال بالخمول الحركي نتيجة لإغلاق المدارس والحدائق والمناطق المخصصة للعب، بخاصة في ظل طبيعة التعلم عن بُعد الذي أدَّى إلى جلوس الطفل أمام الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة للدراسة.
التغيير الذي طرأ على طبيعة مرحلة الطفولة وأثر في نشاط الطفل فيها أدَّى إلى انتشار زيادة الوزن وارتفاع معدلات السمنة بشكل ملحوظ بين الأطفال، إضافةً إلى بروز تشكلات جسمية نتيجة للجلوس لفترات طويلة، من أهمها بروز البطن (الكرش).
التزام الطفل جدولاً يومياً معيَّناً يبدأ بالذهاب إلى المدرسة ثم فترة اللعب والنوم في ساعة محددة، يُعتبر عاملاً هامّاً جدّاً لتحديد نمطية وجبات معينة، فيما أصبح هذا صعباً في ظل وجود الأطفال في المنزل طوال الوقت، مما شكّل عشوائية في الوجبات، وبالتالي نمط حياة غير صحي.
تأثير جائحة كورونا في السلوكيات الصحية العامة التي لها أثر كبير في هذه المرحلة على النمو السليم، تَمثَّل في السهر وعدم التزام النوم مبكراً وعدم النوم لساعات كافية لا تقل عن 8 ساعات ليلاً للحفاظ على الصحة والنمو السليم، إضافة إلى إهمال وجبة الفطور التي تُعتبر محركًا لعمليات الأيض في الجسم، وغيرها من السلوكيات مثل تناول وجبة عشاء متأخرة.
ما الحلول الممكنة لمنع أو تقليل ارتفاع معدلات زيادة الوزن والسمنة في مرحلة الطفولة في ظل الجائحة؟
نظراً إلى خطورة ارتفاع معدلات السمنة وبروز البطن وزيادة الوزن لدى الأطفال على الصحة والمجتمع، أصبح من الهامّ جداً إيجاد حلول واتخاذ خطوات جدية عالمياً ودولياً وعلى مستوى الأسرة الواحدة، لمنع الإصابة أو منع تفاقم حالة الطفل لاحقاً.
مجموعة من التوجهات الغذائية والحركية هامة جدا في كل أسرة مثل:
ـ منع الطفل من استهلاك الوجبات السريعة والأطعمة المنزلية الغنية بالدهون، وبدلاً منها يجب تحضير طعام منزلي بلا دهون مضافة، وبطرق صحية كالسلق والشَّيّ.
ـ الحد من استهلاك الطفل للمقرمشات والشوكولاتة والأطعمة المصنعة، بتوفير بدائل منزلية بكميات معتدلة مثل الفشار والحلويات المنزلية المحضَّرة من الحليب.
ـ استغلال فترات تخفيف الإغلاقات وفتح الأندية الرياضية والحدائق ولو لفترات محدودة، إذ يجب مسارعة الأهل إلى تحفيز الطفل على ممارسة أنشطة حركية كالجري والمشي والقفز.
ـ محاولة الأهل في الأسرة الواحدة أو مجموعة أسر في الحيّ الواحد توفير بدائل حركية كالترامبولين أو تحفيز السباقات الحركية بين الأطفال بإشراف شخص بالغ.
ـ تحديد نمطية معينة لساعات النوم والاستيقاظ ومواعيد تناول الوجبات للأطفال في الأسرة، إذ يبدأ الطفل السليم يومه مبكراً بتناول وجبة فطور صحية، وينهي يومه بساعات مبكرة قبل الساعة الحادية عشرة ليلاً للحفاظ على النمو السليم، أما نمطية الوجبات فالنظام الأفضل للطفل هو استهلاك وجبة كل ثلاثة ساعات، بمعدل خمس وجبات يومياً، هي ثلاث وجبات رئيسية ووجبتان خفيفتان.
ـ توجيه الطفل إلى ضرورة الجلوس السليم بزاوية 90 درجة، لأن اعتدال الظهر خلال الجلوس هامّ جداً لتجنُّب بروز البطن، بخاصة خلال الساعات الطويلة للتعلم عن بعد، كما يُعتبر تحريك الجسم لمدة قصيرة كل فترة هامّاً، فمثلاً تحريك الجسم وتمرينه خمس دقائق بعد كل ساعة أو 45 دقيقة من الجلوس المستمرّ يُعتبر منشطاً للجسم والعقل.
ـ شيوع استهلاك المشروبات الغازية والعصائر المصنعة الغنية بالموادّ الحافظة والملوّنات يُعتبر ذا ضرر كبير، ومن الهامّ جداً منع الطفل من استهلاك هذه المشروبات وتوفير بدائل صحية كالحليب والعصائر الطبيعية بكميات محدودة.
ـ توجُّه الأسرة إلى بدائل، فمثلاً يستبدلون بالخبز الأبيض خبز النخالة، وبالطحين الأبيض الطحينَ الأسمر، وبالقطر العسل، وهذا هامّ لسلامة الجهاز الهضمي ولتجنُّب زيادة الوزن.
تشكّل السمنة في مرحلة الطفولة خطراً حقيقياً على الطفل، والاستهانة بها مشكلة كبيرة، لأنها تجعل الطفل عرضة بشكل كبير للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول والدهون الثلاثية Triglyceride، والسكري من النوع الثاني، والربو، واضطرابات الأيض، والالتهابات الجلدية، ومشكلات العظام، وصعوبات الحركة، وجميعها تؤثر في الطفل في مرحلة الطفولة، ويكون تأثيرها أكبر في المراحل التالية من العمر.
ولأن الجائحة مستمرة ولا دلائل علمية بعدُ على قرب انتهائها، فيجب إعطاء أولوية وأهمية كبرى لمعدلات زيادة الوزن والسمنة بين الأطفال والمراهقين.