"في تمام الساعة الواحدة والنصف من صباح الـ 15 نوفمبر/تشرين الثاني، بتوقيت العاصمة الفلبينية مانيلا، ولد الطفل فينيس مابانساغا". خبر كان يمكن أن يكون عادياً، لولا أن المولود الجديد لم يكن سوى الطفل الذي قاد البشرية ليتخطى تعدادها عتبة 8 مليارات شخص، ليدخل إثرها التاريخ ويصبح ثالث "الأطفال المميزين" الذين شهدتهم العقود الأخيرة.
وكانت تقديرات الأمم المتحدة تنبأت بأن يتخطى تعداد البشرية هذا الرقم منتصف نوفمبر الجاري، بعد 11 سنة فقط من بلوغه 7 مليارات. فيما تطرح هذه الزيادة الديموغرافية الحاصلة أسئلة حول كيفية حدوثها، وما مدى صحة المخاوف المتداولة منها.
كيف وصل تعداد البشر إلى 8 مليارات؟
ووفق ما أفاد به تقرير أممي، يوم الثلاثاء 15 نوفمبر، فإن العالم قد تجاوز عتبة المليارات الثمانية. وبهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "إن هذه العتبة فرصة للاحتفال بالتنوع والتطوّر مع مراعاة المسؤولية المشتركة للبشرية تجاه الكوكب".
وأرجعت شعبة الإسكان التابعة للمنظمة الأممية هذه الزيادة السكانية، بدرجة أولى، إلى التطور العلمي والتقني الذي تعرفه البشرية، وما أدت إليه من تحسن لخدمات الصحة العامة والتغذية والنظافة الشخصية والأدوية، ما جعل الناس يعمّرون لوقت أطول، مقابل ارتفاع معدلات الخصوبة، خاصة في الدول الفقيرة في إفريقيا جنوب الصحراء.
وواصل عدد الولادات الجديدة الارتفاع، حتى خلال فترة الجائحة الوبائية التي ضربت العالم، بالرغم من أن وباء كورونا قتل بين 16 و24 مليون شخص حول العالم. فيما من المرجح أن تبلغ البشرية عتبة 9 مليارات شخص بحلول عام 2037، وعتبة 10مليارات بحلول عام 2080. ما يؤشر على استمرار انخفاض معدل النمو السكاني العالمي، الذي انتقل من 2% قبل 50 سنة إلى حوالي 1% حالياً.
وأكدت الشعبة تقديراتها تشير إلى أن الهند ستصبح أكثر دول العالم سكاناً في عام 2023، لتتخطى بذلك الصين التي تعرف تناقصاً في عدد السكان، بعدما كانت البلد الأكثر اكتظاظاًرلا لقرون.
تعاني دول من نقص في السكان رغم ذلك؟
يعود هذا التحول الديموغرافي الذي شهدته الصين إلى سياسة "الطفل الواحد"، التي نهجتها الحكومة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، إذ سنَّت القوانين الصارمة من أجل تحديد النسل والتحكم في عدد المواليد وجنسها. ومَن يخالف تلك القوانين كان يعاقَب بغرامات قاسية ومنع حصول الابن على أوراق ثبوتية، والطرد من الوظيفة أو أن تجهض المرأة إذا كانت في المراحل الأولى من حملها.
وأدت هذه السياسة الصارمة إلى دفع أعداد الشعب الصيني نحو التناقص، وانقلاب الهرم السكاني بالبلاد إلى الشيخوخة. كما أدت كذلك إلى فجوة كبيرة بين الجنسين، إذ يفوق عدد الرجال في الصين عدد النساء بمقدار 34 مليون من مجموع السكان البالغ 1.4 بليون نسمة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الخصوبة وبطء تعافيها من تلك السياسات حتى بعد تغييرها.
من جهة أخرى، تتركز نسب الخصوبة الأعلى في دول إفريقيا جنوب الصحراء والهند. فيما يعيش ثلثا سكان العالم في بلدان تعرف ظاهرة الشيخوخة الديموغرافية، حيث معدلات الخصوبة فيها تقل عن النسبة الكافية لتجديد السكان.
ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يعرف معدل الخصوبة انخفاضاً كبيراً، إذ انتقل من 2.54 طفل لكل مرأة عام 1964 إلى 1.53 طفل لكل امرأة عام 2020. بالمقابل، تتزايد أعداد الشيوخ بشكل متسارع، إذ انتقلت من نحو 13 مليون نسمة إلى 18.6 مليون نسمة في السنوات الـ22 الأخيرة. وترجح التقديرات أن يمثل عدد الشيوخ أكثر من 30% من سكان ألمانيا بحلول 2050، وهو ما يفوق ضعف نسبة الشباب لتلك السنة.