يتوفر تطبيق تك توك في أكثر من 150 دولة، ولديه أكثر من مليار مستخدم نشط. وتشير الأرقام إلى أن التطبيق حصد أكثر من 200 مليار تحميل السنة الماضية. ويحظى التطبيق بشعبية عالية، خصوصاً لدى شريحة الأطفال والمراهقين أو ما يطلق عليه جيل Z الذين باتوا يعتبرونه الوجهة الأولى للحصول على ما يرونه من محتوى ترفيهي. وإذا اعتبرنا أن هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للاستغلال، يتضح لنا حجم الضرر الذي يمكن أن يصيبهم جراء البحث عن الشهرة التي أصبحت الهدف الأساسي في عصر اقتصاد الانتباه أو ما يطلق عليه Economy of Attention.
الشهرة والترفيه وكسب المال
صنّف المختصون في مجال علم النفس الحاجات المرتبطة بوسائل الإعلام إلى خمس فئات: الحاجات المعرفية وهي مرتبطة بالمعلومات والمعارف، والحاجات الوجدانية وهي مرتبطة بالجوانب العاطفية والمشاعر، وحاجات التكامل النفسي والاجتماعي وهي مرتبطة بالتقدير الذاتي والتواصل مع الآخرين، وأخيراً حاجات الهروب وتعكس كل ما هو مرتبط بالترفيه والتسلية.
وقد توصلت دراسة بعنوان "التعرُّف على الآثار النفسية والاجتماعية لاستخدام تطبيقات الفيديو القصير (تيك توك) من خلال نظرية الاستخدامات والإشباعات"، إلى أن دوافع صُنّاع المحتوى هي الشهرة والنجومية وكسب المال بالدرجة الأولى، من خلال نشر فيديوهات ولو تنافت مع العادات والتقاليد، وأن الأهمّ لديهم هو إرضاء الجمهور للحصول على الإعجاب ولو لجؤوا إلى التنمر أو الابتزاز.
وهذا واضح، فجولة قصيرة في هذا التطبيق ستقود المتصفح إلى حجم الفيديوهات الهائل التي يمطر بها المراهقون التطبيق تتضمن جميع التفاصيل اليومية. فقد استطاع هذا التطبيق جذب المراهقين لمتابعته لكونه يعتمد على صناعة فيديوهات ببساطة وبمؤثرات جذابة ومناسبة لفئة عمرية تهتمّ بكل ما هو جديد ومثير، إذ بيّنَت دراسة أن معدل الاستخدام اليومي لتطبيق تيك توك من وجهة نظر المراهقين أكثر من ثلاث ساعات يومياً، وهو ما وضعه ضمن تصنيفات الإدمان.
أما الدوافع التي تقف خلف متابعة المراهقين لتيك توك فكان الدافع الأكبر هو البحث عن التسلية والترفيه والبعد عن الملل، يليه التواصل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة ليس لديهم القدرة على تكوينها في الواقع القريب، ومتابعة المشاهير، وأخيراً الحصول على معلومات جديدة.
وما يُلاحَظ أن دوافع استخدام تطبيق تيك توك والإشباعات المتحققة منه متعددة ومختلفة غير أن تحقيق الشهرة والترفيه من أهمّ ما يسعى له مستخدمو هذا التطبيق حسب ما توصل إليه عديد من الدراسات.
من جانب آخر بيّنت دراسة أخرى أن معدَّل تَعرُّض المراهقين لمحتوى غير مرغوب فيه جاء بنسبة 48.5 بالمئة، ويساهم في ذلك غياب رقابة الأهل، وهذا يشير إلى أن تطبيق تيك توك من التطبيقات التي سهّلَت انتشار المحتوى غير المرغوب فيه للمراهق.
تيك توك.. فرط التقليد والنبذ الاجتماعي
كما أن استخدام هذا التطبيق والإفراط فيه وصولاً إلى مرحلة الإدمان، يسرق براءة الأطفال وعفويتهم ويحوّل حياتهم إلى مجرد لقطات تمثيلية وغنائية. فقد بيّنَت دراسة أن 89.5 بالمئة من فيديوهات تطبيق تيك توك التي يظهر فيها الأطفال تتضمن مشاهد أغاني ورقص، وذلك للطبيعة التي يقوم عليها التطبيق، كما يظهر الطفل بنسبة 10.25% كمشارك مع أحد أفراد أسرته من أجل كسب المتابعين والتعليقات، مستغلين براءة أطفالهم لتحقيق الربح المادي.
تتجاوز سلوكيات الأطفال في هذه الفيديوهات سنهم، ومعظمها تقليد للكبار غلب عليها المبالغة في التعبير عن المشاعر كالغضب والإعجاب وإبداء الانبهار برؤية شيء ما والظهور في مشاهد الرقص والتمايل.
أما طبيعة القيم والسلوكيات التي يكتسبها المراهق والطفل نتيجة استخدامه هذا التطبيق فهي التأثير السلبي على التحصيل الدراسي، وهذا راجع إلى انشغال المراهق وانغماسه بعالم تيك توك بعيداً عن الواقع، وعلى الرغم من أن التطبيق يدور حول التواصل الاجتماعي مع الجمهور، فإنه يؤدي إلى الانسحاب الملحوظ للفرد من التفاعل الاجتماعي وتفضيل الشاشة على ذلك.
ونرى أيضاً أن مستخدمي التطبيق من الأطفال والمراهقين يقضون ساعات طويلة عليه ويستنزفون كثيراً من الوقت والطاقة بلا فائدة، فنحن أمام ظاهرة فرط التقليد التي باتت ترهق المستخدم نفسياً، إضافةً إلى أن معظم مستخدمي تطبيق تيك توك مهووسون بأنفسهم ويشعرون بالتوتر والقلق والاكتئاب إذا فشلوا في تحقيق رغبتهم في القبول، أو بعبارة أخرى، يدخل المستخدمون سباقاً للتميز من الأقران مستخدمي التطبيق، وبلا تحقيق الشهرة أو قاعدة عريضة من المتابعين قد يشعرون بالنبذ الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، من الآثار الاجتماعية لهذا التطبيق التحديات الخطرة التي حظي بعضها بشهرة واسعة. مع ذلك لا يمكننا غضّ النظر عمَّا يحويه هذا التطبيق من إيجابيات كالتسويق الإلكتروني والتعلم والتعليم عبر التطبيق.
ماذا يجب أن يعرف الآباء عن تيك توك
على الآباء المهتمين بنوع المحتوى الذي يشاهده الأطفال أن يعرفوا أنهم قد يصادفون على المنصة فيديوهات غير لائقة أخلاقياً وأخرى تحثّ على العنف، تؤثّر مشاهدتها في سنّ مبكرة ليس فقط في نموّهم المعرفي والذهني، بل في سلوكياتهم وتصرفاتهم مع الآخرين، وتؤدّي إلى تبنِّي الطفل قيماً جديدة مغايرة للعادات والقيم الاجتماعية. فحلم رواد التكنولوجيا في جعل العالم أكثر ترابطاً لا يعني بالضرورة أن يكوّن عالماً أفضل، فقد ثار كثير من الجدل حول العولمة الرقمية وتأثيرها في الأنظمة الثقافية المحلية لصالح الثقافات المستوردة.
أيضاً مخاوف نظام المراسلة المفتوحة التي تسمح لأي شخص بالغ بإرسال رسالة إلى أي طفل، لذلك لا بد من متابعة الآباء حسابات أطفالهم وتحويل الحساب إلى حساب خاصّ، سيحدّد ذلك من يمكنه الاتصال ويَحُول دون ظهور صورة البروفايل والمعلومات أسفله للعامة، ويحميهم من الحسابات الوهمية التي يتستّر خلفها أناس هدفهم التنمر والتحرش بالمستخدمين عبر الرسائل والتعليقات.
وجدير بالذكر أن التطبيق أضاف خاصية "وضع الأمان العائلي" التي تمكّن أولياء الأمور من مراقبة حسابات أبنائهم، إضافة إلى تشغيل المميزات ووقفها من بُعد، وذلك بعد تنامي أعداد المستخدمين من صغار السنّ.
بالإضافة إلى ضرورة تركيز الآباء والأمهات على توعية أبنائهم، لا بد من تخصيص جزء من المناهج التعليمية في المدارس لمضمون يتعلق بالتربية الإعلامية من أجل توعيتهم إعلامياً للحدّ من سعيهم وراء الشهرة بلا وعي والطريقة الصحيحة للظهور على مواقع التواصل الاجتماعي. فلم يعُد دور هذه التطبيقات هو التواصل، بل بات تشكيل وعي جيل بأكمله.