لطالما كانت قصص وأفلام الخيال العلمي سبباً، أو بالأحرى رسولاً مبشراً، لابتكارات ومهمات علمية تشكل في يومنا الحالي عموداً فقرياً لنهضة البشر العلمية والتكنولوجية. وإلى جانب الاختراعات التي تحولت إلى واقع ملموس ومستخدم، تركت هذه القصص والأفلام، كفيلم "بين النجوم" (Interstellar) على سبيل المثال لا الحصر، تصورات لدى معظمنا أن السفر بين المجرات والنجوم سيتحقق لا محالة في المستقبل، وأن البشر سيستوطنون الفضاء تماماً كما فعل أسلافنا قبل نحو 300 ألف سنة عندما خرجوا من قارة إفريقيا وانتشروا في القارات الخمس.
ومن خلال اكتشافه لأعمق صورة للكون ظهرت فيها آلاف المجرّات التي تشكّلت بُعيد الانفجار العظيم قبل أكثر من 13 مليار سنة، ما يعني أنها "الأقرب لفجر الكون"، يبدو أن تلسكوب "جيمس ويب" قد فتح الباب على مصراعية أمام الدول والشركات الخاصة التي تستعد لاستئناف سباق السفر عبر النجوم الذي بدأه نيل أرمسترونج عندما خطى على سطح القمر منتصف عام 1969.
ومع بدء السباق مرة أخرى للهبوط على القمر، وامتداد الحرب بين الدول العظمى من الأرض إلى الفضاء، بدأت وكالات الفضاء وشركات الفضاء الخاصة في العديد من البلدان بالتنافس للعودة إلى القمر وتحويله إلى محطة ونقطة توقف وعبور للسفر إلى المريخ وكواكب أخرى. لكن هذا ليس السبب الوحيد، في هذا التقرير نستعرض كل التفاصيل.
استئناف السباق مجدداً
بعد خطوة أرمسترونغ الشهيرة على سطح القمر يوم 20 يوليو/تموز 1969، هبط 12 رائد فضاء آخرون على سطح القمر، حيث كانت هناك ست حالات هبوط مأهول نفذتها وكالى الفضاء الأمريكية "ناسا" بين عامي 1969 و1976، بالإضافة إلى العديد من حالات الهبوط غير المأهول، والتي بفضلها جميعاً اكتشفنا قمرنا الفريد وخصائصه.
بالطبع لم يكن الهبوط أمراً سهلاً ولا قليل التكلفة، فقد أنفقت "ناسا" ما يعادل اليوم 280 مليار دولار لبرنامج "أبولو"، الذي تكرر 6 مرات. الأمر الذي أثار حفيظة دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، ما أدخل مهمة القمر فترة طويلة من الصمت.
اليوم، ورغم التكاليف التي ما زالت باهظة وفق كل المقاييس، يجري استئناف وإعادة تشغيل مشاريع القمر في بيئة تنافسية محتدمة لم يشهدها التاريخ من قبل، خصوصاً مع نمو شركات الفضاء الخاصة بسرعة في السنوات العشر الماضية، حيث بدأت كل هذه الشركات، وبالأخص شركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير الأغنى في العالم إيلون ماسك، في تحمل العبء المالي عن كتف دافعي الضرائب لتمويل دراسات الفضاء على عاتقها.
بالإضافة إلى ذلك، أوجدت هذه الشركات مصادر دخل لتمويل نفقاتها عبر إيجاد وابتكار السفر إلى الفضاء، ومن ناحية أخرى، أدت الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، مثل "فالكون" التي ابتكرتها "سبيس أكس"، إلى خفض التكاليف بشكل كبير. وهي العوامل التي جعلت من مهمة القمر، المحطة الأولى للسفر بين النجوم، تبدو أسهل بكثير من ذي قبل.
وكانت تركيا من الدول التي وضعت خطة لإرسال مركبة فضائية وطنية نحو القمر في مئوية تأسيس الجمهورية في عام 2023. وذلك في أعقاب إصدار أردوغاتن في عام 2018 مرسوماً رئاسياً يقضي بتأسيس "وكالة الفضاء التركية" بحيث تكون تابعة لوزارة الصناعة والتكنولوجيا.
القمر كمحطة عبور
مع استمرار العد التنازلي لسباق الفضاء، سنبدأ في رؤية مركبات فضائية متعددة تتجه إلى القمر خلال السنوات القليلة القادمة. فيما تريد العديد من الدول، وبخاصة وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية والصينية، إرسال رواد فضائها إلى القمر في السنوات العشر القادمة.
الهدف النهائي لهذه المهام القمرية، هو إنشاء قاعدة حيث يمكن لرواد الفضاء العيش والعمل فيها. وفيما سنشهد بدء أطول رحلات البشرية إلى الفضاء، فبالتالي، سيجري تحويل القمر كمحطة عبور وموقع استيطاني للرحلات الذاهبة إلى المريخ أولاً، ليتحول لاحقاً إلى منصة إطلاق للرحلات المسافرة بين النجوم.
وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن ثمة إمكانية لإعادة تأهيل القمر وجعله موطناً جديداً للبشر في الوقت الحالي، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى ميناء آمن للرحلات القصيرة، خصوصاً وإنه يمتلك مصدر مياه في قطبه الجنوبي للقمر، ما يعني أنه مورد لا يقدر بثمن لرواد الفضاء.
القمر بين السياحة والتعدين
في الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان ويتناقص فيه موارد الطاقة في ظل الحروب والأزمات المشتعلة على كوكبنا، سيكون بالتأكيد على رأس أهداف هذه المهام القمرية إيجاد حلول لأزمة الموارد. ومع دخول العالم بأسره خضم أزمة طاقة حادة، من المأمول استخدام بعض العناصر الموجودة على القمر كمورد صناعي ونوع من الوقود.
فالمعادن مثل الهليوم 3 والتيتانيوم والبلاتين والحديد والنيكل والذهب الموجودة في تربة وصخور القمر مهمة للغاية. وبينما يعتبر غاز الهيليوم 3 نادراً للغاية على الأرض، ولكنه متوفر بكثرة على سطح القمر. فيما يمكن استخدام هذا الغاز في مفاعلات الاندماج النووي المتقدمة وكذلك في مجال الصحة.
ومن بين الأهداف المهمة الأخرى للمهام القمرية، هو تحويل القمر إلى مركز سياحي. في العقود القادمة، من المرجح والمرغوب أن يصبح القمر موقعاً سياحياً. في الواقع، بدأت بعض شركات الفضاء بالفعل في حجز مقاعد للأنشطة التجارية، كما من الممكن أيضاً العثور على أماكن تبيع تربة القمر على الإنترنت.
وفيما نحن في انتظار بدء الصراع على سطح القمر، وعلماً أنه في عام 1967 أعلنت الأمم المتحدة عن معاهدة خاصة بالفضاء الخارجي، جاء فيها أن القمر وبقية الأجرام السماوية ملك للبشرية جمعاء، ولا يحق لأي شخص أو مؤسسة أو دولة أن تملكها بالكامل أو جزءاً منها. ستحدد الأخبار الواردة من القمر إلى متى ستظل هذه الاتفاقية سارية.