منذ أول أيام الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب وغرب المغرب، ليلة 8 سبتمبر/أيلول، هبّ المغاربة للتبرع بالدماء والأموال وتسيير مئات القوافل الإغاثية محملة بأطنان المساعدات الغذائية والمفروشات والخيام، لتخفيف الأضرار التي لحقت أهالي تلك المناطق النائية، والفقيرة في أغلبها.
غير أن مجموعة أخرى من الشباب المغربي ارتأوْا التفكير خارج الصندوق، والتبرع بمساعدات أكثر استدامة، تحل مشكلة الإنارة أو الماء الصالح للشرب للقرى المتضررة، أو حتى ترسم خارطة لمساعدة القوافل الإغاثية للوصول إليها، معتمدين في ذلك على ابتكارات حديثة وكفاءات محلية.
محطات تصفية المياه
"رأينا الكل يتجه نحو التبرع بالأغذية والخيام، ففكرنا في عطاء ذو سمة مستدامة يعكس نشاطنا و يبرز الخبرة التي اكتسبناها منذ سنة 2010". بهذه الكلمات قدمت السيدة أم كلثوم زيداني، مسؤولة قسم الزبائن لدى شركة "NT2E" المغربية المختصة في التقنيات الحديثة للنجاعة الطاقية، مشروع الشركة لإنشاء محطات تصفية المياه لصالح متضرري الزلزال.
وصنعت شركة NT2E نظام تصفية مياه، قادراً على معالجة وإنتاج طن من الماء الصالح للشرب في الساعة، وذلك اعتماداً على نظامَي تصفية واحد باستخدام الرمال الدقيقة والثاني باستخدام الفحم الحيوي.
وقالت مسؤولة الشركة، في حديثها لـ TRT عربي: "كنا حريصين كل الحرص على إخراج المحطة في وقت قياسي لم يتعد أسبوعاً واحداً، بما اقتضى ذلك من التضحية بأوقات الاستراحة أحياناً وزيادة في ساعات العمل أحياناً أخرى".
وتحفظت إدارة الشركة المغربية على التصريح بتكلفة إنشاء هذه المحطة، "على اعتبار أنها عطاء إنساني ووطني" على حد تبرير المسؤولة. بالمقابل أشارت إلى أن "كل فرد في شركتنا كان له إسهام في هذا الإنجاز، بما سجلناه من حماس منقطع النظير لدى كل فرق العمل، من مكتب الدراسة و الطرائق إلى مكتب المشتريات، مروراً باللوجيستيك وفرق الإنتاج و مراقبة الجودة".
شموس ليل الأطلس
على غرار شركة NT2E، قررت جمعية MadNess التفكير في مساعدات مستدامة للمتضررين بفعل الزلزال. هكذا، وبعد دراسة حاجات السكان، أطلقت حملة "شمس ليل الأطلس"، والتي من خلالها جرى تركيب عشرات الألواح الشمسية لتوفير الإنارة لقرى وخيمات الضحايا.
وفي تصريحاته لـTRT عربي، قال محمد رحمو، مسؤول الجمعية، بأن: "العملية التي نجريها الآن هي تثبيت ألواح شمسية لتوليد الكهرباء ومصابيح كاشفة للإنارة الليلية في القرى التي ضربها الزلزال (...) ونجمع البطاريات لنفس الغرض أيضاً".
وأضاف رحمو أن عدد الألواح التي جرى جمعها إلى الآن بين 380 و450 لوحاً، "جرى تثبيت عدد كبير منها، واستفاد نحو 50 داراً". وشدد على أن "هدفنا خلال هذا الأسبوع الأول من العملية هو تثبيت 1000 لوح شمسي ومصباح، وهدفنا الأسمى أن نغطي جميع الدور المنكوبة ليكون لها اكتفاء ذاتي من الإنارة".
وتعد MadNess جمعية مغربية تضم عدداً من الكفاءات الشابة في مجال الهندسة والتكنولوجيات الحديثة. وعرفت أول مرة في فترة الجائحة الوبائية، بنشاطها في إيجاد حلول تقنية مبتكرة للحد من تفشي فيروس كورونا.
وحسب مسؤول الجمعية، فإن العمل في فترة الجائحة الوبائية مكن فريق MadNess من مراكمة خبرة واسعة وقدرات كبيرة على التنسيق في ما بينهم، "وهو ما جعل حملتنا في مناطق الزلزال تجري بسلاسة وكفاءة عاليتين".
وأكد المتحدث أن: "جل المعدات جرى توفيرها بموارد مالية ذاتية لأعضاء الجمعية، وأيضاً تبرعات من أشخاص ماديين وشركات محلية".
تقرير SOS
من ناحية أخرى، فكر مجموعة شباب يتشاركون هواية رحلات المشي في جبال الأطلس الكبير، بالمساهمة أيضاً في مساعدة تلك القرى المنكوبة بفعل الزلزال، انطلاقاً من خبرتهم بتلك المناطق. وهكذا عملوا على إنتاج تقرير تفاعلي يرصد القرى التي في حاجة إلى المساعدات ونوعية تلك المساعدات المطلوبة.
هذا ما أكدته خديجة اليوسفي، عضو فريق "تقرير SOS"، الذي أصبح يمثل حلقة لإغاثة المتضررين بفعل زلزال الحوز. وقال اليوسفي، في تصريحاتها لـTRT عربي، "بعد حدوث الزلزال بدأت تصل إلينا نداءات استغاثة كثيرة من سكان تلك الجبال، بحكم علاقتهم الوطيدة بأحد أعضاء الفريق (عز الدين لمين)، ومن هنا فكرنا في إيجاد حل يكفل وصول هذه النداءات إلى الجهات المعنية بإغاثتهم، وفي نفس الوقت يسهل على هؤلاء المدخلين عملهم".
وتضيف المتحدثة: "بأن المهمة الأولى كانت معالجة ذلك الكم الهائل من النداءات والتأكد من نوعية احتياجات، إضافة إلى كامل التفاصيل حو تلك المناطق وجغرافيتها وعدد ساكنيها (...) من ثم تجميع قاعدة بيانات بهذه المعلومات وتجهيزها في شكل تقرير تفاعلي قابل للولوج على الإنترنت".
ولإنجاح هذه المهمة، حسب عضو فريق التقرير، جرى تشكيل ثلاث مجموعات عمل: الأولى مكلَّفة جمع المعطيات عن نداءات الاستغاثة. فيما تُكلَّف المجموعة الثانية تدقيق تلك المعلومات والتأكد من مصداقيتها بالاتصال بالجهة المستغيثة. فيما تُكلَّف المجموعة الثالثة نشر وتحيين التقرير.
وقدم هذا التقرير مساعدة كبيرة لفرق الإغاثة وتوزيع المساعدات، وللمتضررين إذ مكنهم من تلبية الحاجات الضرورية التي كانوا يطلبونها. وفي ختام حديثها، تشرح خديجة اليوسفي أن "الفكرة الأولى كانت تقريراً عادياً، لكن مع شروعنا في العمل أصبحت تظهر لنا إضافات وتحسينات تتسق ونوعية النداءات التي كنا نتلقاها، وهو ما انعكس إيجاباً في المنتج النهائي للتقرير".