وفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967، شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية./ صورة: AFP (AFP)
تابعنا

"توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر الخارجية... فكِّروا فيها"، "معبر رفح لا يزال مفتوحاً... وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك"، "أطالب بضرورة مغادرة سكان القطاع".. كل هذه التصريحات وأكثر التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون، سبَّبت حالة من الجدل عربياً وعالمياً، لأنها فجَّرت قضية تعود للخمسينيات؛ وهي تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

مشاريع توطين الفلسطينيين

منذ فترة طويلة، طُرحت فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء حلاً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. على مرِّ العقود، قدمت أطراف إسرائيلية سياسية وأمنية وعسكرية مشاريع لرؤساء مصر المختلفين، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة تشكيل الوجود السكاني في المنطقة. كانت هذه الجهود تستند إلى الاعتقاد بأن استمرار وجود الفلسطينيين في غزة يشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي. ومع ذلك، لم تُنفَّذ هذه المشاريع حتى الآن.

جذور خطة تهجير الفلسطينيين

تعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948. في ذلك الوقت، رأى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية. على سبيل المثال، قال ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إن "العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية".

وفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967، شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.

ونتيجة لهذه السياسة، أُلغي اعتراف إسرائيل بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفاً من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج. ولا يزال الكثير منهم عالقين في الخارج دون وثائق تُثبت هويتهم.

وما زال الكثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج يعانون ضعف الوثائق التي تُثبت هويتهم، وترفض إسرائيل منحهم حق لمّ الشمل، الذي عُلِّق منذ عام 2000.

مشاريع تهجير الفلسطينيين:

خطة 1968

تقدمت مؤسسات إسرائيلية مختلفة بمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى خارجها. في عام 1968، قدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى في العالم العربي. وقد نُفِّذ هذا المشروع بشكل غير مباشر وعفوي، دون أن يظهر أنه مدبَّر من إسرائيل. ومع ذلك، لم يحقق هذا المشروع نجاحاً يُذكر بسبب رفض الفلسطينيين في القطاع الانتقال إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في عام 1968 نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطةً لتهجيرٍ طوعيٍّ لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. ولكنَّ هذه الخطة فشلت بسبب رفض كثير من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها.

خطة 1970

في عام 1970، حاول أرئيل شارون، الذي كان قائداً في الجيش الإسرائيلي وأصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه. ونُقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعائلات أخرى وُجِّهت نحو العريش على حدود غزة. تضمنت خطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك. كان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة بهدف القضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ 400 ألف نسمة.

على الرغم من أن هذا المشروع حظي ببعض الانتشار في ذلك الوقت، إلى جانب سياسة "الجسور المفتوحة" للفلسطينيين مع مصر والأردن التي دعا إليها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، إلا أن الموضوع اقتصر على سفر الفلسطينيين إلى مصر للدراسة والعودة مرة أخرى، أو الذهاب إلى دول الخليج للعمل.

خطة 2000

في عام 2000، قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعاً يُعرف باسم "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين". نُشر هذا المشروع في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية.

يستند المشروع إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها 22 دولة عربية.

وفقاً للمشروع، ستقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. تتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية.

تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة، وتعادل 360 كيلومتراً مربعاً، وتمثل 12% من مساحة الضفة الغربية. في المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.

على جانب آخر، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع إسرائيل في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً. وعلى الرغم من التركيز الإسرائيلي على هذا المشروع، فإن توقيت صدوره كان سبباً في فشله، حيث جاء بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وإغلاق صفحة المفاوضات الثنائية لعدة سنوات.

خطة 2004

في عام 2004، قدم يوشع بن آريه، الرئيس السابق للجامعة العبرية، مشروعاً مفصلاً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، استناداً إلى مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، والمعروف سابقاً بمشروع "غيورا أيلاند".

تتضمن الفكرة تخصيص أراضٍ في سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديداً منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري عميق وخط سكك حديد دولي بعيد عن إسرائيل، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه.

بموجب المشروع، ستحصل مصر على أراضٍ في صحراء النقب جنوب إسرائيل بنفس المساحة التي ستمنحها للفلسطينيين في سيناء، وتبلغ نحو 700 كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لإسرائيل بعدم وجود بناء للمستوطنات في المنطقة الحدودية مع مصر، والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.

وعلى الرغم من أن المشروع اعتمد بشكل كبير على أفكار مشروع أيلاند السابق، فإن تزامن إعلانه مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وسيطرتها على غزة، وفرض الحصار الإسرائيلي عليها، جعل من الصعب تحقيق نجاح المشروع.

خطة 2018

مشروع صفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في عام 2020 تحت عنوان "السلام على طريق الازدهار"، كان آخر مشاريع التسوية المقدمة لقضية غزة.

لم يختلف مشروع صفقة القرن كثيراً عن المشاريع السابقة للتسوية، حيث تضمن نفس المحاور، بما في ذلك تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة مع شرط أن تتخلص من السلاح.

لقد حظيت صفقة القرن بتأييد كبير وتجمع دولي، وكانت الخطة على وشك التنفيذ بعد التوافق الذي جرى التوصل إليه بين ترمب ومصر والسعودية وإسرائيل بشأن تفاصيل كثيرة. ومع ذلك، بعد خسارة ترمب في انتخابات الرئاسة لفترة ثانية، فشل الأمريكان في تنفيذ الصفقة. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية تدعو الآن إلى مبادرات مشابهة، فإن ذلك لا يزال يعكس روح صفقة القرن، حتى وإن لم تحمل نفس الاسم.

في النهاية، لم تحقق صفقة القرن أي نتائج ملموسة، وذلك بعد خسارة ترمب في الانتخابات الرئاسية أمام الديمقراطي جو بايدن. وقد أدى هذا المشروع إلى تعميق الانقسامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وزيادة التوتر في المنطقة.

تحديات توطين الفلسطينيين

أحد التحديات الرئيسية لتوطين الفلسطينيين يتمثل في الجوانب الأمنية والسياسية. إذ سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار الأمني في سيناء، خصوصاً مع التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات سياسية تتعلق بالتوافق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر وإسرائيل والفلسطينيين، والتوصل إلى اتفاق بشأن الحقوق والضمانات للفلسطينيين في المنطقة.

علاوة على ذلك، تثير مثل هذه المشاريع مخاوف الفلسطينيين بشأن فقدان هويتهم وتمثيلهم السياسي. قد يرى البعض في هذه المشاريع محاولة لإزاحة الفلسطينيين عن القضية الفلسطينية الأصلية وتقسيمهم وتفريقهم في مناطق مختلفة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً