على ضوء ارتفاع الأصوات المطالبة، من مختلف التيارات والمكونات الفاعلة في المجتمع، بسن التشريعات التي تساعد على تعزيز مكانة المرأة ومشاركتها على قدم المساواة مع الرجل، في مختلف المؤسسات والمجالات، أقرت بعض الحكومات الخليجية مجموعة من القوانين والقرارات، تتعهد بتحقيق ذلك، في إطار ما أسمته بالسياسات الإصلاحية والتوجهات التطويرية.
وكان قرار فتح باب تجنيد المرأة في الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية، الذي أعلن عنه بعضها، إحدى هذه القوانين الجديدة، التي لاقت اعتراضاً وانتقاداً، انطلاقاً من عدة مبررات بعضها اجتماعي والآخر ديني.
وبالرغم من السجال الذي أثارته هذه القرارات، إلا أن عدداً من الحكومات الخليجية، قد قررت المضي فعلاً في ذلك، وتجاهلت مختلف الانتقادات.
الخليج يسمح بتجنيد المرأة
لا يعد السماح للنساء بالانضمام إلى الجيش أو الأجهزة الأمنية، توجهاً عاماً في بلدان الخليج. حيث إنه أجاز بعضها التجنيد الاختياري للمرأة ثم أقر إجباريته بعد ذلك، ومنهم من حدد المناصب والوظائف التي من الممكن أن تتقلدها المرأة في هذا القطاع، فيما لا يزال البعض الآخر متردداً في اتخاذ هذه الخطوة، المحفوفة بالانتقادات والضغوطات من مختلف التيارات والجهات.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة، من بين الدول الخليجية السباقة في هذا التوجه. حيث إنه كان يسمح للتجنيد الاختياري للمرأة في الجيش، وأصبحت المرأة الإماراتية منذ عام 1990، بإمكانها أن تتقلد أي منصب قيادي في الجيش.
ومع حلول عام 2014، أقرت الإمارات إجبارية التجنيد للذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، ويشترط في ذلك للإناث أخذ الموافقة والإذن من أولياء أمورهن. ثم يخضعن بعد ذلك للتدريب في معسكرات منفصلة عن الذكور وتحت إشراف طاقم نسائي كامل. ووظفت آنذاك الإمارات العديد من الوسائل الدعائية لتشجيع النساء على الإقبال على التجنيد، وفعلاً استجاب الكثير منهن لذلك.
وفي العام ذاته 2014، سمحت البحرين أيضاً لنسائها بالدخول في مختلف القطاعات العسكرية والمشاركة في التدريبات المتنوعة، ونيل المراتب العسكرية الكبرى.
وفي أبريل/نيسان 2018، أصدرت السلطات القطرية قانوناً يتيح للنساء، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، الالتحاق بالخدمة العسكرية اختيارياً.
وكانت المفاجأة عام 2019، في المملكة العربية السعودية، التي بينما كانت تعرف بقوانينها المشددة على المرأة وتضيقها على خروجها إلى العمل، تفتح اليوم باب التجنيد لها في الجيش اختياراً، في إطار ما أسمته سياسة إصلاحية تهدف إلى تعزيز مكانة ودور المرأة في المجتمع السعودي.
وحددت وزارة الدفاع السعودية آنذاك مجموعة من الشروط، يجب أن تستوفيها المترشحات في البداية قبل تقديم طلب الانضمام. وأوضحت الوزارة أنه بإمكان المرأة السعودية الانضمام بموجب القانون الجديد، إلى القوات البرية والبحرية والجوية، كما سمحت لها بالتقدم بطلب تقلد رتب عسكرية عليا.
أما في الكويت، فبعد أن كانت تسمح منذ عام 2007 بانضمام المرأة إلى قوات الشرطة، فقد أقرت مؤخراً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، السماح للنساء بالانضمام إلى القوات العسكرية.
وفتحت بعد ذلك رئاسة الأركان العامة باب التسجيل للنساء الراغبات في الالتحاق بالجيش كضباط صف وأفراد، يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأغلق بعد ذلك باب التسجيل يوم 2 يناير/كانون الثاني الجاري.
انتقادات واسعة
تباينت ردود الأفعال حول قرارات السماح بتجنيد النساء في المؤسسات العسكرية، بين مهلل ومرحب بالقرار باعتباره "تمكيناً" للمرأة الخليجية وتعزيزاً لمشاركتها الفعالية مساواة مع الرجل، وبين رافض ومنتقد للقرار انطلاقاً من عدة مبررات.
فقد علقت وزارة الدفاع الكويتية مؤخراً تنفيذ القرار، انتظاراً لفتوى جواز دخول النساء للجيش أو عدمه من الناحية الشرعية. حيث إن وزير الدفاع، في ظل ما تعرض له من حملة انتقادات واسعة ومساءلة برلمانية، اجتمع بمجموعة من رجال الدين، يستشيرهم في الموضوع. وخلصت الاستشارات إلى أمر وزاري بانتظار القول الفصل من هيئة الإفتاء.
فيما انتقد ناشطون وبرلمانيون القرار باعتباره تهديداً للمرأة الكويتية، فحسب رأيهم، غالباً ما تتعرض النساء إلى الاعتداءات والتحرش الجنسي في هذه الفضاءات، وبالتالي فإن رفض القرار أمر حتمي حماية للمرأة.
وأجاب الوزير عن ذلك قائلاً بأنه "لم يأت بجديد" إذ إن انضمام النساء للجيش "سيقتصر على العمل في الخدمات الطبية والخدمات المساندة وهي التخصصات التي تعمل بها المرأة حالياً في وزارة الدفاع" وأكد الوزير أنه "لم يقل أبداً أن المرأة ستحمل السلاح".
ولفت الوزير إلى أن: "34 دولة إسلامية سمحت للمرأة بالالتحاق بالخدمة العسكرية ومنها دول عملت فيها المرأة في الأعمال الميدانية ومنها دول مجلس التعاون، ونحن اقتصرنا عملها على مجالات محددة"، مستشهداً بسماح السعودية للمرأة بالعمل في الخدمة العسكرية كدليل على عدم تعارض هذا الأمر مع الضوابط الدينية.
ولم تكن مناقشة هذا الملف من ناحية الضوابط الأخلاقية والدينية، تقتصر فقط على الكويت حيث إن الجدل ذاته أثير من قبل في السعودية وغيرها من بلدان التعاون الخليجي.
فيما تحججت بعض الآراء الأخرى الرافضة للقرار بـ"ضعف التركيبة الجسمانية" للمرأة التي تحول دون أدائها العديد من الوظائف صلب المؤسسات العسكرية.
وبالرغم من احتداد الجدال حول ذلك، تبدو الحكومات مصرة على تنفيذ القرار والمضي به إلى أبعد من ذلك، حيث إنه سيرسل وفق رأي خبراء ومحللين رسائل "إيجابية" إلى الخارج حول تطور دور المرأة الخليجية في مجتمعاتها.