عقب نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً صحفياً من العيار الثقيل يحتوي على مقاطع مصورة توثق ارتكاب قوات النظام السوري في عام 2013 مجزرة بحق مدنيين عزل من سكان "حي التضامن"، أصدر رأس النظام السوري نهاية الشهر الماضي مرسوماً رئاسياً يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم "الإرهابية" المرتكبة قبل تاريخ الـ30 من أبريل/نيسان 2022 مستثنياً "الجرائم التي أفضت إلى موت إنسان" حسب بيان نشرته وكالة الأنباء السورية.
وقال وزير العدل في حكومة النظام، أحمد السيد، إن المرسوم "مصالحة وطنية شاملة لكل أبناء الوطن"، مشيراً إلى أنه "جاء تتويجاً لنهج المصالحة والصفح والمسامحة الذي انتهجه النظام عبر عديد من المصالحات في عديد من المناطق السورية".
من جانب آخر، يرى نشطاء ومتابعون للشأن السوري أن مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد يأتي في إطار محاولات النظام للتخفيف من آثار مجزرة التضامن التي فتحت الباب واسعاً على جرائم الحرب المشابهة وربما الأكثر فظاعة التي ارتكبتها قوات الأسد المدعومة من روسيا وإيران، فضلاً عن التغطية على وفاة آلاف المعتقلين في سجون النظام طوال السنوات الـ 11 الماضية.
عفو رئاسي
تُعَدّ قضية المعتقلين والمفقودين من أكثر ملفات التي يتكتم عليها النظام السوري، ومنذ 2011 تطالبه المؤسسات الدولية والحقوقية بفتح هذا الملف والإفراج عن المعتقلين، بلا استجابة.
فيما سبق لرأس النظام السوري، بشار الأسد، أن أصدر 6 مراسيم عفو منذ بدء النزاع تضمنت استثناءات كثيرة، وكان آخرها في مايو/أيار الماضي قبل أسابيع من إعادة انتخابه رئيساً للمرة الرابعة.
ويُعَدّ المرسوم الـ 7 والأخير الأكثر شمولاً فيما يتعلق بجرائم "الإرهاب" لعدم تَضمُّنه استثناءات كما جرت العادة في المراسيم السابقة. وتناقلت وسائل إعلام مختلفة أن معظم المفرج عنهم جرى اعتقالهم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وفي سياق متصل، أشارت منظمات حقوقية سورية إلى أنه "في حال استكمال تنفيذ المرسوم، فمن المفترض أن يفرج عن عشرات آلاف المعتقلين المتهمين ضمن قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 للعام 2012، وقانون العقوبات الجزائي".
عشوائية متعمدة
ذكرت وزارة العدل التابعة للنظام أنه "تم خلال اليومين الماضيين إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية"، على أن يُصار إلى إطلاق جميع المشمولين بالعفو "تباعاً خلال الأيام المقبلة" في انتظار استكمال الإجراءات القضائية. ولم تنشر الوزارة قوائم بأسماء أو أعداد من يشملهم العفو.
وبينما لم تتجاوز أعداد المفرج عنهم بضع مئات، فإن مصير عشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين ما زال مجهولاً، ناهيك بأعداد القتلى الذين عذبوا وماتوا تحت التحقيق، أو تركوا للموت جوعاً وبرداً.
ووسط العشوائية المتعمدة التي تبناها النظام في مرسوم العفو الأخير، حذرت منظمات سورية، من ضمنها "الحملة الدولية لإنقاذ المعتقلين السوريين"، عائلات المعتقلين والمفقودين من عمليات احتيال قد ينفذها "سماسرة" بحجة أنهم سيكتبون أسماءهم في قوائم الإفراج. مؤكدة أن القوائم حددها النظام مسبقاً.
البحث عن أمل
عقب موجة الإفراج الأولى فجر الاثنين الماضي، تجمع مئات الرجال والنساء منذ ظهر الثلاثاء في سوريا قرب جسر الرئيس وسط دمشق (تُعَدّ نقطة انطلاق رئيسية للحافلات إلى مختلف المحافظات)، في انتظار وصول أقربائهم من السجناء المشمولين بقانون العفو الذي أعلن عنه النظام السوري، وفقاً لما أفادته وكالة الصحافة الفرنسية.
يذكر أن النظام السوري لم ينشر قائمة بأسماء أو أعداد الذين سيجري الإفراج عنهم، الأمر الذي دفع الناس إلى افتراش طرقات دمشق ليلاً على أمل التعرف على أبنائهم المفقودين لعلهم بين المعتقلين المفرج عنهم.
ووفقاً للأخبار القادمة من سوريا، فإن عدداً كبيراً من المعتقلين الذين أُفرج عنهم يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، كان النظام أخبر عائلاتهم بوفاتهم، ما دفع بالكثير من العائلات إلى السفر إلى العاصمة دمشق والتجمع على الطرقات لعل أقرباءهم المفقودين يعودون إلى الحياة مجدداً.