سحبت لجنة المخدرات في الأمم المتحدة نبتة القنب الهندي من لائحة المخدرات الخطرة بالعالم، وهو ما ينحو صوب تغيير تدريجي في التعامل مع واحدة أكثر النباتات إثارة للجدل في العالم. تشتهر النبتة بكونها مخدراً تنتجه أراضي الكثير من البلدان، منها من تجاوزت قوانينها مرحلة استهلاكها كمخدر، ومنها من لم تستطع بعد الوصول إلى مرحلة التقنين والاستفادة من مزايا هذه النبتة الكثيرة، من بينها أمور تجميلية وأخرى استعمالات طبية وصلت إلى حد استعمالها لمرضى السرطان كعلاج.
فوائد علاجية
يحتوي نبات القنب على المادة ذات التأثير النفسي "تيترايدروكانابينول" (THC)، التي تجعل من يتناولها يشعر بالبهجة والاسترخاء، لكن هذه المادة ومواد أخرى تحتويها النبتة تتعدى هذه الأدوار المعروفة لدى العامة، وتصل اليوم إلى استعمالها بطريقة علمية وطبية لعلاج الآلام الناتجة عن بعض الأمراض المزمنة والخطيرة أو تسكينها.
ومن الخبراء من يخصص جزءاً مهما من حياته الأكاديمية لدراسة هذه النبتة، ومن بينهم الدكتورة ندى الربيعي، صيدلية عراقية وصلت بعمر 17 سنة إلى هولندا، حيث درست الصيدلة واشتغلت في المجال لسنوات. حققت إنجازات مهنية جعلتها تحصد لقب سيدة أعمال هولندا سنة 2015، بسبب عملها في المجال الصحي وإداراتها لصيدليات في ثلاث مراكز صحية تغطي أكثر من 20 ألف مريض، وإنجازها عدة مشاريع ريادية بخصوص "الأمية الصحية" في هولندا.
بعدها ساهمت ندى الربيعي في تطوير مشروع رائد متعلق بتطوير استخدام نبتة القنب لتطوير أدوية تعالج أمراض خطيرة مثل السرطان وباشرت تحضير أطروحة دكتوراه بجامعة ماريلاند الأمريكية حول الموضوع. لكن البحث في الموضوع انطلق "قبل نحو 7 سنوات حين مرضت والدتي بتليف العضلات، وقررنا أن نحاول مساعدتها بزيت القنب عوضاً عن مسكنات الآلام القوية، التي لا تساعد في علاج الحالة وإنما تخفف الألم فقط".
حين نجحت تجربة العلاج اعتماداً على نبتة القنب الهندي مع والدتها، بدأت هدى الربيعي التعاون مع جمعية تشتغل في هولندا لتصنيع القنب والعلاج به داخل مركز يضم حالات أمراض مختلفة من ضمنها السرطان. "شفيت بعض الحالات من السرطان أو توقف نموه في ما مجموعه 200 حالة بالمركز حيث أشتغل خبيرة، كلها حالات وصلنا فيها إلى نتائج إيجابية" تؤكد المتحدثة. وتضيف الربيعي أن "مستخلصات النبتة تساهم في علاج كل أنواع السرطانات، حتى سرطان الدماغ الذي استعصى علينا أول الأمر الوصول إلى نتائج إيجابية حوله".
وشرحت الربيعي أن مكونات القنب الهندي تحرض الخلايا السرطانية على الموت، وعن تسببها في أعراض جانبية أكدت الربيعي أنه "لم يثبت أنها تسببت في أي ضرر للمرضى سوى النوم والاسترخاء والدوخة في الفترة الأولى من اعتمادها كعلاج"، مؤكدة أنها "لا تسبب إدماناً عند تناولها بالصيغة الدوائية أبداً"، شارحة أنها تعطى للمرضى على شكل كبسولات.
نبتة مُشَيْطَنَة
أعلن عن الاتفاقية الموحدة حول تعريف المخدرات عالمياً لسنة 1961، وهي بمثابة دليل للدول التي تسعى لتنظيم سياستها وقوانينها المتعلقة بالمخدرات، وضمنها كانت نبتة القنب الهندي تعتبر مخدراً خطيراً في نفس قيمة الهيروين والكوكايين.
بعد التصويت الأخير في لجنة المخدرات بالأمم المتحدة، اختفى القنب من تلك القائمة، وهو ما اعتبره الخبراء عملاً بتوصية منظمة الصحة العالمية الصادرة قبل السحب بسنتين حول إعادة تعريف درجة خطورة نبات القنب الهندي.
قرار يمكن أن يلغي جزئياً شيطنة القنب الحاصلة منذ زمن، الذي تجاوزته بالفعل دول عديدة خالفت الاتفاقية وسنت قوانين داخلية تنظم استخدام القنب مثل كندا وأوروغواي وإسبانيا والبرتغال وفنلندا بالإضافة إلى عدد من الولايات الأمريكية وهولندا جزئياً.
كلها دول أجازت استخدام القنب الهندي كدواء لعلاج بعض الأمراض، أما في ألمانيا فجرى السماح باستخدام القنب الهندي منذ عام 2011 لإعداد وصفات طبية بناء على تصاريح خاصة حصل عليها المعهد الألماني للمواد والأدوية الطبية. بينما لا تزال الدول العربية إما ممتنعة تماماً عن تقنين زراعة النبتة، وإما في محاولات للعمل على التقنين، لكن بخطى جد بطيئة.
وحول هذا الموضوع تقول ندى الربيعي إن "إضافة القنب للمواد المخدرة في خمسينيات القرن الماضي كان بغير وجه حق وأعتقد أنه أسهم في تراجع وظيفي لهذه النبتة التي كانت شعوب المنطقة، وعلى سبيل المثال المغرب العربي تَطبب بها منذ القدم". مضيفة أن "تشريع استخدام القنب ستكون له فوائد اقتصادية وصحية كثيرة، إذ سيساعد على التقليل من الاستخدام غير الشرعي للنبتة".
وتضيف المتحدثة أن "الأمر له أبعاد سياسية واقتصادية كثيرة، وجاءت لصالح شركات الأدوية ومافيات المخدرات". وتتمنى الربيعي أن تساهم بأبحاثها -التي توصلت من خلالها إلى كون القنب الهندي المغربي واللبناني يعدان من أجود الأنواع عالمياً- إلى دعم الدول العربية في تطوير العلاج باستخدام القنب، متحدثة عن أن "الإشكال المطروح أمام الدول العربية المعروفة بإنتاج هذه النبتة أنها تواجه مواجهة شرسة من إسرائيل، لأن الدول المُطبِّعة معها لن تعتمد على الخبرات العربية بل ستلجأ إلى إسرائيل ذات الخبرة في هذا المجال العلاجي منذ عام 1980.
مستقبل واعد
بحث الدكتوراه الذي تعده ندى الربيعي حول تشريع استخدام القنب الهندي لأغراض دوائية جعلها ترى أن مستقبل الاستشفاء اعتماداً على النبتة واعد للغاية، إذ تقول: "أنا والكثير من الباحثين والعلماء توصلنا إلى نتائج مبهرة، لقد تمكنا من وقف نمو الكتل السرطانية وتقليل حجمها وفي بعض الحالات جرى القضاء بشكل كامل على الخلايا السرطانية حتى في المراحل 3 و4 من تقدم السرطان".
وتضيف المتحدثة: "جرى تقليل موجات الصرع عند مجموعة من المرضى، وعلى سبيل المثال توجد طفلة في السادسة من عمرها تعرضت لأكثر من 36 ضربة صرع باليوم الواحد. باستخدام القنب تمكنَّا من تخفيض ضربات الصرع إلى ضربة أو اثنتين فقط".
إضافة إلى ذلك، أكدت ندى الربيعي أن الأبحاث أثبتت نجاعة القنب كدواء في العديد من الأمراض الأخرى غير السرطان التي أشرفت الربيعي بنفسها على عدة حالات منها المصابة بالصرع والروماتيزم والإكزيما وأمراض الصدفية والرعاش.