على أنقاض مسجد بابري التاريخي افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الاثنين 22 يناير/كانون الثاني الجاري، معبد رام جانمابهومي ماندير الهندوسي، محققاً وعداً انتخابياً قطعه على نفسه منذ عقد من الزمن.
وبُني المعبد، الذي شارك في مراسم افتتاحه نحو 7 آلاف شخص، بينهم سياسيون ونجوم سينما، على أنقاض مسجد بابري الذي دمره القوميون الهندوس عام 1992 في مدينة أيوديا شمالي البلاد.
لكن لماذا جرى الافتتاح في هذا التوقيت بعد مرور أكثر من 30 عاماً على هدم المسجد؟ وهل يكون الأمر مقدمة لتوتر أكثر مع المسلمين في الهند؟
خطوة انتخابية
يرى الإعلامي والمحلل السياسي الباكستاني حذيفة فريد أن الخطوة الهندية ترتبط بشكل وثيق بالانتخابات العامة، التي تُعتبر انتخابات حاسمة في التاريخ الهندي.
ويبيّن فريد في حديثه مع TRT عربي أن افتتاح المعبد "رسالة للناخب الهندوسي ومحاولة لاستمالته عبر إراقة دماء المسلمين والتعدي على مساجدهم ومقدساتهم".
وتتجه أنظار 1.4 مليار هندي، وأولئك الذين يراقبون من الخارج، إلى الانتخابات العامة في البلاد، التي من المتوقع أن تُعقَد على مدى أسابيع عدة في شهرَي أبريل/نيسان ومايو/أيار المقبلين.
وسينتخب الهنود أعضاء البرلمان الوطني الثامن عشر، وسيعمل الحزب أو الائتلاف الذي يسيطر عليه بدوره على اختيار رئيس الوزراء.
قدمت نتائج استطلاعات الرأي التي أُجريت في 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي دفعة كبيرة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي، وفق مركز كارنيغي لدراسات السلام.
وأوضح المركز أن "هذه النتائج تؤكد ما هو معروف بالفعل، وفي ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية لعام 2024 يظل حزب بهاراتيا جاناتا في المركز الأول بقوة، وهذه الميزة مدفوعة في الأساس بالشعبية المستمرة التي يتمتع بها مودي".
وينافس بهاراتيا جاناتا حزب المؤتمر الوطني الذي هيمن على السياسة الهندية طوال العقود الستة الأولى من عمر البلاد، لكنه تلاشى منذ ذلك الحين.
ويشير حذيفة فريد إلى أن حزب بهاراتيا جانتا المتطرف يعتمد على الهندوسية من أجل النجاح وينبذ باقي الأقليات من المسلمين والمسيحيين وغيرهم.
ويشير إلى أن الأمر يصل حتى إلى اضطهاد طائفة الداليت المنبوذة (تقع خارج النظام الطبقي الاجتماعي ويقدر عدد المنتمين إليها بنحو 250 مليون نسمة) رغم انتمائها إلى الهندوسية.
وينوه فريد بإعلان الهند هندوسيتها ونهاية علمانيتها عام 2019، في إشارة إلى إقرار حكومة نيودلهي قانون تعديل المواطنة لتعديل قانون الجنسية لعام 1955، الذي يمنح الجنسية الهندية الأقليات الدينية من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش، وتحديداً من الهندوس والسيخ والجاين والبارسيس، باستثناء المسلمين.
ويؤكد أن كل هذه الخطوات هي رسائل من حزب بهاراتيا جاناتا الذي يقود البلاد منذ 2014 بأن الهند مستمرة وذاهبة في نفس الطريق وهي الهندوسية دون غيرها، "وفي هذا تطرف وطبقية مشابهة لما يحدث في إسرائيل"، وفق فريد.
وتؤكد صحيفة التلغراف البريطانية أن ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي وزعيم حزب بهاراتيا جانتا يأمل أن يضمن فوزه في الانتخابات الهندية المقبلة والحكم لولاية ثالثة على التوالي من خلال افتتاح المعبد الجديد.
اضطهاد المسلمين
ويأتي افتتاح المعبد الذي يقع في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش ذات الأهمية الانتخابية، وسيدلي أكثر من 200 مليون شخص بأصواتهم، في خضمّ أعمال العنف التي تستهدف المسلمين في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي.
ويرى محللون سياسيون أن أوتار براديش حاضنة للحكم الهندوسي المتشدد، وأداة فاعلة في جهود حزب الشعب الهندي نحو التحول من هند علمانية إلى أمة للهندوس.
الوزير الأول في الولاية يوغي أديتياناث متهم بتشجيع أعمال عنف نُفذت بحق مسلمي الولاية، وإدخال قوانين تمييزية لتهميش هذه الفئة الدينية، كما أنه يُعَدّ خلفاً محتملاً لمودي الذي يكبره بأكثر من عقدين.
وقد فرضت إدارته قانوناً يجعل الزواج بين الأديان أكثر صعوبة، وأغلق مسالخ يديرها مسلمون لحماية الأبقار التي يقدسّها الهندوس، فيما يقول منتقدون إنه تغاضى عن أعمال عنف موجهة ضد من يُتَّهم بتناول لحم البقر.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حظرت حكومة ولاية أوتار براديش، بقيادة يوغي أديتياناث، إنتاج وتخزين وتوزيع وبيع المنتجات الغذائية الحاصلة على شهادة الحلال.
وزعمت الحكومة أن هناك "محاولات خبيثة" لتثبيط استخدام المنتجات غير الحلال المعتمدة، مما ينتج عنه "فوائد مالية غير عادلة، تشكل أيضاً جزءاً من استراتيجية أكبر لزرع الكراهية الطبقية، وخلق الانقسامات، وإضعاف البلاد من خلال العناصر المناهضة للوطن".
وعلَّق حذيفة فريد على ذلك قائلاً: "هذه الولاية فيها أكثر من 40 مليون مسلم، وبعد افتتاح المعبد ومنع المنتجات الحلال لنا أن نتخيل وضع المسلمين في الهند حال وصول يوغي أديتياناث إلى سدة الحكم".
ويؤكد الإعلامي والمحلل السياسي الباكستاني أن هذه الخطوات تنذر بأن القادم للمسلمين في الهند سيكون أفظع، حال نجاح حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات، "وسيشكل ذلك كارثة على جميع الأقليات".
ويشعر المواطنون المسلمون في الهند، الذين يبلغ تعدادهم 200 مليون نسمة، بالغربة إلى حدّ كبير بسبب الاستهداف المستمر.
هندوسية كاملة
وعلى مدى قرون أدى الحُجّاج والمريدون الهندوس الصلوات في آلاف المعابد في أيوديا، وهي مدينة تقع في شمال الهند يُعتقد أنها مسقط رأس اللورد رام، أحد أكثر الآلهة الهندوسية احتراماً.
لكن لم يكن هناك ما يبرّر تجديد المدينة بتكلفة 3.85 مليار دولار قبل معبد رام ماندير، الذي افتتحه ناريندرا مودي بعد عقود من الإنشاء.
وفي الأشهُر القليلة الماضية تحولت أيوديا -التي كانت ذات يوم مدينة متهالكة على ضفاف نهر ساريو- إلى ما أطلق عليه بعض الزعماء القوميين الهندوس اسم "الفاتيكان الهندوسي".
وقد أدت أعمال البناء المحمومة إلى إنشاء مطار جديد، ومحطة سكة حديد موسعة، وعديد من سلاسل الفنادق الفاخرة التي من المتوقع أن تستقبل ما يقرب من 50 مليون سائح ديني كل عام، وفق مجلة تايم.
وأوضحت المجلة الأمريكية أنه "جرى تجريف نحو 3000 منزل ومتجر لتوسيع أربعة ممرات رئيسية وإنشاء طريق شرياني بطول ثمانية أميال إلى المعبد المحاط ببوابات مقوسة من الحجر الرملي و162 لوحة جدارية تصور حياة رام".
وتابعت: "لقد جاء تكريس الهيكل مبكراً لسبب ما، ففي غضون بضعة أشهُر سيسعى مودي للفوز بولاية ثالثة على التوالي في السلطة خلال الانتخابات العامة في الهند. وبالنسبة إلى مؤيديه، يمثل رام ماندير انتصاراً للقوميين الهندوس".
وفي غضون ذلك قاطعت أحزاب المعارضة مراسم التكريس، في حين قال أفراد من الجالية المسلمة إنّ الحدث أثار الخوف والذكريات المؤلمة.
لكن في بلد 80% من سكانه من الهندوس فإن معبد رام يمثل مع ذلك لحظة في الهند في عهد مودي تقوم فيها الجمهورية العلمانية بتسليم عصا القيادة إلى راشترا (القومية) الهندوسية، حسب تعبير مجلة تايم.