بعد ثلاثين عام ماضت على وقوعها، عادت قضيَّة المهاجر المغربي عمر الردَّاد إلى واجهة الأحداث، تزامنًا مع ظهور أدلَّة جديدة تبرئه من تهمة قتل مشغلته الفرنسية، جيزلين مارشال. والتي هزت حادثة مقتلها الرأي العام الفرنسي مطلع التسعينيات، توجَّهت أصابع الاتهام بمقتلها إلى المهاجر المغربي الذي كان يشتغل لديها كبستاني، والذي تمسَّك ببراءته حتى بعد أن قضى مدته الحبسية وأخلي سراحه بعفو رئاسي، حيث لا دليل يدينه فيها إلا جملة كتبت بدم الضحيَّة على باب القبو الذي وجدت فيه مقتولة: عمر قتلني. فيما لا تزال تكتنف الواقعة ألغازاً عدَّة، استثارت طوال السنوات الماضية قريحة الكتاب والسينمائيين.
دلائل جديدة لإنصاف الردَّاد
في مستجد حول ملابسات القضيَّة التي مرَّ على وقوعها ثلاثون عاماً، نشرت جريدة لوموند الفرنسية تحقيقاً يجعل براءة عمر الردَّاد من دم مشغلته جيزلين مارشال أكثرَ جلاء. ما أعادَ دفاع المهاجر المغربي، الذي لم يتوقَّف يوماً عن المناداة ببراءته تلك، إلى ردهة المحاكم مطالباً بإعادة فتح القضيَّة للمرَّة السابعة.
وينقل تحقيق لوموند ما خلص إليه تقرير أعده خبيرٌ خاص سنة 2019، حيث يرجح وجود نحو ثلاثين أثراً لأحماض نووية في إحدى العبارات التي عثرَ عليها مكتوبة بدماء الضحية، تعود كاملها لذكور والردَّاد ليس منهم. ما يرجِّح فرضيَّة تلفيق التهمة له، كما تقول الجريدة.
وبناء على هذا التقرير، سيتقدَّم دفاع البستاني المغربي، الخميس، بطلب مراجعة المحاكمة، حسبما أعلن محاميه في بلاغ تناقلته وسائل الإعلام. وأضاف البلاغ أنه "بفضل العناصر الجديدة التي جرى اكتشافها منذ قرار الرفض الأخير الصادر عن محكمة المراجعة" سنة 2002، "سيجري التعرف على حقيقة براءة عمر الرداد، إنها قناعتنا الراسخة".
من هو عمر الردَّاد؟
هو مهاجر من منطقة الريف المغربي (شمال البلاد)، بستاني بسيط ورب أسرة لم يتجاوز عمره وقت وقوع الجريمة 27 سنة. هكذا تصفه الصحافة الفرنسية. فيما سيقع في حياة الرداد من أحداث كانت كفيلة بإخراجه من دائرة الظل إلى اعتباره شخصيَّة عامة تشغل الرأي العام الفرنسي، الذي غالباً ما شبَّه قضيَّته بقضيَّة "دريفيس"، لما اكتنف إدانته من تحامل رجح أنه مرتبط بخلفيته كمهاجر مسلم من شمال إفريقيا.
في مثل هذا اليوم سنة 1991، لاحظَ جيران الثريَّة الفرنسية جيزلين مارشال اختفاءها، فأبلغوا رجال الدرك الذي اقتحم الفيلا التي تسكنها، ليجدوها جثة هامدة مضرجة بدمائها، وعلى باب القبو الذي عثر عليها فيه كُتبت عبارتان:" عمر قتلني، عمر قـ…".
استناداً إلى هاتين العبارتين، جرى اعتقال عمرَ الردَّاد، الذي كان يشتغل بستانياً لدى الضحيَّة. قبلَ أن ينطلق التحقيق معه، نفى دوماً ضلوعه في الجريمة، فيما حكم الإدانة في حقه استندت فيه المحكمة إلى تلك العبارة المكتوبة فقط، مع ما يكتنفها من غموض؛ "فكيف تتحدَّث الضحيَّة عن قاتلها وهي ما زالت وقت الكتابة على قيد الحياة؟ إنها فعلًا جملة غريبة"، حسب ما علَّق به وقتها القاضي الفرنسي الشهير جان بول رونار، أحد قضاة القضيَّة.
كما أن اتجاه كتابة العبارتين يتناقض والوضع الذي وجدت فيه ملقاة داخلَ القبو. إضافة إلى أن خبرة معاكسة أثبتت أن ثلثي حروف العبارتين لا تتسقان وخط المجني عليها. وهذا دون أن نذكُرَ بأن عمر الردَّاد كان أمياً، يجهل الكتابة والقراءة.
ومع كل هذا حُكم على عمر الردَّاد بالسجن لمدة 18 سنة، قضى منها سبع سنوات في السجن، قبل أن يطلق سراحه بعفو رئاسي منحه إياه الرئيس جاك شيراك، فيما رجح دخول السلطات المغربية على خط تمتيع الردَّاد بذلك العفو.
وبعد خروجه من السجن، جاهدَ لمرات متكررة عمر الرداد في إثبات براءته، وإعادة فتح قضيَّته، بمساعدة دفاعه المحامي الفرنسي الشهير، الأستاذ جاك فيرجيس، الذي صرح خلال ذلك بأن: "الأصول المغاربية للمتَّهم لعبت ضدَّه في القضيَّة"، مشيراً إلى تحيُّز مفترض للمحكمة ضدَّ البستاني المغربي. هذا وألهمت قضية الردَّاد عدداً من الكُتاب والمحققين الذين خاضوا بدروهم في محاولات فك لغزها، كما خرجت على الشاشة الكبيرة في فيلم سينمائي بعنوان "عمر قتلني".