وتجاوزت بذلك مناظرة هاريس وترمب، المناظرة التي أجراها الأخير مع الرئيس جو بايدن، في يونيو/حزيران الماضي، بنسبة 31%، في ظل عدم احتساب البيانات المشاهدات عبر الإنترنت، التي نمت شعبيتها مع تراجع جمهور التليفزيون التقليدي، ولا تعكس أيضاً المشاهدين الذين شاهدوا المناظرة في المقاهي الخارجية.
ووفق صحيفة نيويورك تايمز، ساهم المشاهدون الأصغر سناً والمشاهدون في منتصف العمر على وجه الخصوص، في زيادة عدد مشاهدي التليفزيون، يوم الثلاثاء. ووفق مؤسسة "نيلسن" المختصة في المعلومات والبيانات، شاهد ما يقرب من 50% من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و54 عاماً المناظرة بين هاريس وترمب، مقارنةً بالمناظرة التي جرت في يونيو/حزيران الماضي.
ووفق مراقبون، تعكس هذه الأرقام مدى الاحتدام بين المرشحين الرئاسيين ودرجة الاستقطاب الشديدة في الولايات المتحدة، خصوصاً بين الناخبين المترددين أمام سعي الطرفين إلى تحريك نسب تأييدهما المتكافئة تقريباً. وتطرقت المناظرة الشرسة إلى الوضع الاقتصادي، وأمن الحدود والحقوق الإنجابية، وموقف واشنطن من الحرب في غزة، ومستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا في الحرب مع روسيا.
ترمب يقول إنها "مناظرة رائعة".. لكن لحلفائه رأي آخر
وفق ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير تحليلي، فإن الرئيس السابق دونالد ترمب دخل في وضع الترويج لنفسه مباشرةً بعد مناظرة الثلاثاء، متوجهاً إلى الإعلاميين للإشادة بأدائه الخاص، كما شرع في نشر منشورات في وقت متأخر من الليل لترويج استطلاعات الرأي التي قال إنها "أظهرت أنه سحق نائبة الرئيس كامالا هاريس".
وكتب ترمب على موقع Truth Social، بعد دقائق من انتهاء المناظرة: "كانت هذه أفضل مناظرة لي على الإطلاق، خصوصاً أنها كانت ثلاثة ضد واحد!"، مشيراً إلى المحاورين في قناة ABC News.
وقال لبرنامج "فوكس آند فريندز"، يوم الأربعاء: "أعتقد أنها كانت واحدة من أفضل مناظراتي، وربما أفضل مناظرة لي"، مضيفاً أنه غير متأكد من خوض مناظرة أخرى.
وحسب وكالة رويترز، وضعت هاريس، المرشح الجمهوري، في موقف دفاعي في المناظرة الرئاسية مع سلسلة من الهجمات على لياقته للمنصب ومشكلاته القانونية العديدة. وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الحليف البارز لترمب، أحد القلائل من زعماء الحزب الذين قالوا علناً إن "أداء ترمب كان سيئاً".
ووصف غراهام للصحفيين أداء ترمب في المناظرة بأنه "كان فرصة ضائعة"، مضيفاً أن "الرئيس السابق فشل في البقاء مركِّزاً، وفقد فرصاً للترويج لسجله".
وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الجمهوريين أعربوا عن إحباطهم من أن ترمب لم يُساعد حملته الانتخابية خلال مناظرة الثلاثاء ضد هاريس، إذ اشتكى ترمب من المشرفين على الحدث وأثار شكوكاً حول موافقته على مواجهة أخرى.
وزعم ترمب أنه فاز في المناظرة، لكنه قال أيضاً صباح الأربعاء، إن المشرفين على المناظرة في قناة ABC News لم يكونوا عادلين معه، وإنه "أقل ميلاً" إلى مناظرة نائبة الرئيس مرة أخرى، على الرغم من دعوته سابقاً إلى مزيد من المناظرات، كما ضغط فريق المرشحة الديمقراطية من أجل إجراء مناظرة أخرى، ما يشير إلى ثقتها بفوزها في الجولة الأولى.
من جهتها، أوردت شبكة فوكس نيوز وجهات النظر من مجلس النواب، وقالت إن عديداً من المشرعين الجمهوريين في مجلس النواب اعترفوا بأن ترمب "أضاع" فرصاً لمهاجمة هاريس بفاعلية والترويج لسجله الخاص، على الرغم من أن معظمهم زعموا أن ذلك لن يكون له في النهاية تأثير يُذكر على يوم الانتخابات.
وقال أحد كبار أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب لفوكس نيوز: "لقد كان الأمر فظيعاً.. أعتقد أنك ترى هذا التعليق من الجميع"، وأضاف: "الأمر المروع هو أنه كانت لديه عديد من الفرص لملاحقتها لكنه لم يفعل، لقد عَلَق في الخُطَّاف الذي كان يسحبه عبر الماء".
وليس من الواضح على الفور ما إذا كان الحدث التليفزيوني، الذي جذب ملايين المشاهدين سيكون له تأثير على السباق الانتخابي، وهو السباق الذي انقلب رأساً على عقب قبل سبعة أسابيع عندما أصبحت هاريس المرشحة بعد أداء كارثي في مناظرة يونيو/حزيران للرئيس بايدن ضد ترمب.
ماذا عن هاريس؟
ورأت صحيفة واشنطن بوست أن هاريس قدمت أحد "أكثر عروض المناظرة روعة في العقود الأخيرة ليلة الثلاثاء" إلى الحد الذي جعل حلفاء دونالد ترمب يكافحون من أجل العثور على بصيص أمل"، لكن استدركت الصحيفة بأن مدى تأثير المناظرة على السباق هو "سؤال مفتوح".
وفسَّرت الصحيفة ذلك بـ"وضع البلاد شديد الاستقطاب، حيث لا يشهد تحولات كبيرة ومفاجئة في استطلاعات الرأي". كما أشارت أيضاً إلى أن "الهوامش الصغيرة يمكن أن تكون مهمة للغاية في الانتخابات المتقاربة، ومن الواضح أن هاريس ساعدت نفسها بأدائها خلال المناظرة".
وخلال 90 دقيقة نارية، هاجمت هاريس ترمب مراراً وتكراراً بهجمات شخصية أخرجته عن رسالته ورفعت حرارة المنافسة المرتقبة بشدة.
وعبر منصة إكس، اعترف رجل الأعمال إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ومؤيد قوي لترمب، بأن ترمب أمضى ليلة سيئة، وأن هاريس "تجاوزت توقعات معظم الناس"، لكنه رغم ذلك حذَّر من فوز هاريس وأنها ستعوق مهمة وصوله إلى كوكب المريخ، قائلاً: "إن نجاح المهمة إلى المريخ يعتمد على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية".
وقال ماسك: "ترمب يدعم إنشاء لجنة حكومية للكفاءة للسماح بإنجاز أشياء عظيمة، لكنَّ كامالا لا تفعل ذلك"، مضيفاً: "لن نصل إلى المريخ أبداً إذا فازت كامالا".
بدورها، أعلنت نجمة البوب الأمريكية تايلور سويفت، دعمها لهاريس في الانتخابات، ونشرت منشوراً إلى جانب صورة لها وهي تحمل قطها ووقَّعت على منشورها بعبارة: "سيدة القطط التي لا أطفال لها". في إشارة إلى تعليقات المرشح لمنصب نائب الرئيس الجمهوري، جيه دي فانس، الساخرة حول قيادة البلاد من "مجموعة من سيدات القطط اللواتي لا أطفال لهن".
ووفق محللين أمريكيين، تركت انتقادات هاريس اللاذعة لترمب حول حجم حشود مسيراته، وسلوكه في أثناء أعمال الشغب في الكابيتول، والمسؤولين الذين خدموا في إدارته والذين أصبحوا منذ ذلك الحين منتقدين صريحين لحملته الانتخابية، المرشح الجمهوري في موقف دفاعي.
وكان النمط السائد في أغلب المناظرة هو أن تستفز هاريس منافسها الجمهوري وتدفعه إلى الدفاع عن سلوكه وتعليقاته السابقة بإسهاب، وكان يستجيب بكل سرور، ويرفع صوته في بعض الأحيان ويهز رأسه.
وقالت هاريس خلال سؤال مبكر حول الهجرة، إن الأمريكيين يجب أن يذهبوا إلى تجمعات ترمب الانتخابية لأنها مفيدة. وأضافت: "يبدأ الناس في مغادرة التجمعات الانتخابية مبكراً بسبب الإرهاق والملل".
لكن رغم أداء هاريس الذي عُدَّ قوياً، ما زال بعض الناخبين المترددين لم يحسموا موقفهم حول اختيار هاريس. ووفق وكالة رويترز التي أجرت مقابلات مع عينة من 10 أشخاص من الناخبين غير الحاسمين، قالوا إنهم ظلوا غير مقتنعين بأن نائبة الرئيس الديمقراطي هي المرشحة الأفضل.
وقال ستة منهم بعد ذلك إنهم إما سيصوِّتون لصالح ترمب وإما سيميلون إلى دعمه. وقال ثلاثة إنهم سيدعمون هاريس الآن، وما زال أحدهم غير متأكد من كيفية تصويته.
ورغم أن حجم العينة كان صغيراً، فإن الردود أشارت إلى أن هاريس قد تحتاج إلى تقديم مقترحات سياسية أكثر تفصيلاً لكسب أصوات الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، وقال خمسة من الناخبين إنهم وجدوا أن تصريحات هاريس كانت غامضة خلال المناظرة التي استمرت أكثر من 90 دقيقة حول كيفية تحسين الاقتصاد الأمريكي والتعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما يمثل مصدر قلق كبير للناخبين.
وأحد هؤلاء الذين استضافتهم رويترز هو روبرت ويلر (48 عاماً)، وهو مدير تنفيذي لشركة أمنية في نيفادا، كان يميل إلى هاريس قبل المناظرة. ويقول الآن إنه إذا أُجريت الانتخابات غداً فسوف يصوت لصالح ترمب، ويُرجع ذلك إلى حد كبير إلى اعتقاده أن هاريس لم توضح سياساتها.
وقال ويلر: "شعرت كأن المناظرة بأكملها كانت عبارة عن كامالا هاريس تخبرني لماذا لا أصوِّت لصالح دونالد ترمب بدلاً من أن تُخبرني لماذا هي المرشحة المناسبة"، وفق رويترز.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
أوردت صحيفة واشنطن بوست استطلاعين فوريين بعد المناظرة؛ أحدهما من شبكة CNN والآخر من مؤسسة YouGov (يوغوف).
أظهر استطلاع CNN فوز هاريس بنسبة 63% مقابل 37% من بين مشاهدي المناظرة، فيما حققت تقدماً بنسبة 54 مقابل 31% وفق استطلاع YouGov بين الناخبين المسجلين الذين شاهدوا أجزاء على الأقل من المناظرة، فيما لم يكن 14% متيقنين من اختيارهم.
وهذه الهوامش قريبة من تلك التي حققها ترمب بعد أداء الرئيس جو بايدن، الكارثي في المناظرة في 27 يونيو/حزيران الماضي، وهو الأداء الذي دفعه في النهاية إلى الانسحاب من سباق 2024. في ذلك الوقت، أظهر استطلاع CNN فوز ترمب في المناظرة بنسبة 67-33، فيما أظهر استطلاع YouGov فوز ترمب بنسبة 43-22.
وتعد هوامش الفوز التي حققتها هاريس من بين "الانتصارات الأكثر حسماً في التاريخ الحديث"، وفق تقديرات شبكة CNN، على الرغم من أن الأداء القوي في المناظرة لا يعني دائماً الفوز والوصول إلى البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام لانتخاب الرئيس الأمريكي المقبل للبلاد.