واشنطن ـــ "سكينة حلال غريل" كسّر كل القواعد. مطعم يجلس فيه الزبون العادي بجانب المتشرد، فلا فرق هنا بين من يدفع وبين من اعتاد أن يبحث عن بقايا الطعام في سلة النفايات، والغاية حسب صاحب المطعم هي إبراز قيم التضامن والتكافل التي أوصى بها الدين الإسلامي.
منان، الذي يتحدر هو نفسه من أسرة فقيرة دفعته ظروف عيشها إلى مغادرة باكستان عام 1996 بحثا عن مستقبل أفضل في الولايات المتحدة الأمريكية. قصته تشبه قصص أفلام هوليود، إذ تحوّل من مهاجرٍ يملك خمسة دولارات في جيبه إلى مالك مطعم لا يبعد إلا بأمتار قليلة عن مكتب الرئيس دونالد ترمب.
"عشت الفقر في باكستان وعشت أوضاعاً قاسية في بداياتي هنا في أمريكا. لذلك قطعت على نفسي عهدا إذا نجحت في افتتاح مطعمي الخاص ستكون أبوابه مفتوحة في وجه المشردين وبالمجان"، يقول كازي منان في تصريح خص به TRT عربي.
سخر الأصدقاء من الرجل عندما أخبرهم بنيته إطعام فقراء واشنطن. لكنه واصل طريقه، بل كان يجوب شوارع العاصمة يزفّ للمشرّدين خبر افتتاح مطعمه، وعن ذلك اليوم يضيف منان "أتذكر كيف أن مجموعة منهم تضم 60 متشرّداً رافقتني إلى المطعم، وعلى طول الطريق يقولون لي لا بد أنك تمزح، وجبات مجانية وفي واشنطن؟ لكنهم فرحوا كثيرا عندما تسلموا الطعام وغادروا المطعم سعداء".
حديث كازي منان لا يخلو من أحاديث نبوية ومن آيات قرآنية يستشهد بها للتأكيد في كل مرة على أن ما يقوم به ليس إلا تنفيذا لتعاليم الإسلام، "أنحدر من أسرة متدينة، والإسلام أوصانا بالتآخي ومساعدة الغير. أعرف أن مثل هذه القيم نادرة في مجتمعنا اليوم ولكن علينا أن نبادر لعمل الخير ومساعدة المحتاجين".
يظلّ المطعم مفتوحا حتى في شهر رمضان، وتتوافد عليه العشرات من المشردين على مدار اليوم. تقول إنكريد، وهي سيدة في الـ32 من عمرها، إنها تقصد "سكينة" كل يوم للتزوّد بالطعام، وتضيف لـTRT عربي "اضطر أحيانا لقطع مسافة طويلة للقدوم إلى هنا. هنا يهتمون بنا ويعاملوننا بإنسانية ودون تمييز".
أما رونالد وهو مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء فيجد في المطعم السكينة التي يفتقدها وسط واشنطن. التقيناه وهو يهم بمغادرة المطعم حاملا كيسا بلاستيكيا تفوح منه رائحة زكية، "فليباركهم الرب، إنهم بمثابة أسرة لنا"، يقول والابتسامة تعلو محياه.
ويؤكد مالك المطعم أن هدفه هو إطعام 16 ألف محتاج كلّ عام، وأنّه يرفض أن يطلب أن دعم أوأن يستقبل تبرعات لتمويل عمله الخيري. ويضيف "الحمد لله لامسنا ارتفاعا في عدد الوافدين على المطعم من المحتاجين، وأطمح إلى نقل التجربة إلى باقي الولايات الأمريكية حتى يتمكن الفقراء من تناول الطعام في ظروف تحترم انسانيتهم".
ويعيش في العاصمة واشنطن حوالي سبعة آلآف شخص بدون مأوى، وفق معطياتٍ رسمية نشرها موقع "التحالف من أجل القضاء على التشرد". أما على الصعيد الوطني فالرّقمُ يقترب من تسجيل نصف مليون شخص أمريكي متشرد.
أمريكا بلد شاسع يتّسع للكل
يدافع كازي منان عن المهاجرين ويعتبر وجودهم في أمريكا ضرورياً لاستمرار "عظمة" بلاد العم سام. ويرفض المهاجر الباكستاني الحامل للجنسية الأمريكية سياسة الرئيس دونالد ترمب في مجال الهجرة، مشدّداً أنّ "المهاجر شخص شجاع ترك كل شيء وراء ظهره وقصد أمريكا للعمل ولجني المال. على هذه الإدارة أن تعرف أن نجاح المهاجر هو نجاح لأمريكا ككل".
ويستدرك قائلا "لسنا عبئاً على أحد، نحن ملتزمون بالقانون وندفع الضرائب ونساهم ليل نهار في بناء الاقتصاد الأمريكي. على الإدارة الأمريكية أن تتفهم الأوضاع التي تدفع بالمهاجرين إلى ترك بلدانهم، وأن توفر لهم بيئة مناسبة لتحقيق أحلامهم".
وإضافة إلى الوجبات المجانية التي يحصل عليها المشردون، كان مطعم "سكينة حلال غريل" واحدا من المطاعم التي فتحت أبوابها أمام الموظفين الفدراليين المتضررين من الإغلاق الحكومي الأخير.
وعن هذه الخطوة يوضح منان "كانت التفاتةً عادية من المطعم اتجاه هؤلاء الموظفين الذي حرموا من رواتبهم، نريد أن نظهر للكل أننا متضامنون ومستعدون للمساهمة وتقديم الدّعم وبالمجان".
"رسالتي إلى مسلمي أمريكا"
ولا يخفي المهاجر الباكستاني عتابه اتجاه بعض المسلمين في أمريكا، الذين لا يساهمون، حسب قوله، في نشر قيم التضامن والتآخي التي أوصى به الإسلام.
ويتساءل المتحدث "لماذا علينا انتظار شهر رمضان لكي نحسّ بالجوعى والفقراء؟ علينا أن نحسّ بآلام الآخر، سواء كان مسلما أي غير مسلم"، ويضيف "الكثيرون يرون الإسلام والمسلمين كتهديدٍ لوجودهم، لماذا لا نقوم بمسح هذه الصور النمطية التي رسمها الإعلام الغربي ونشر قيم الإسلام الحقيقية وهي التضامن والتآخي وحبّ الغير".