تابعنا
بينما يظهر فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين تتفاقم أزمات النزوح الداخلي، وتُصبح ملايين الأرواح رهينة ظروف قاسية، إذ يفتقر هؤلاء الأشخاص، الذين نزحوا عن ديارهم بسبب الصراعات والحروب، إلى أبسط الحقوق الأساسية.

عشرات الملايين من البشر، كل عام، يُجبرون على ترك منازلهم، باحثين عن ملجأ آمن بسبب الحروب والنزاعات، والكوارث المناخية. وبينما يلوذ بعضهم بالفرار عبر الحدود الدولية، يضطر كثيرون آخرون إلى البقاء داخل بلدانهم، محاصَرين في مناطق الصراع، يواجهون نقصاً حاداً في الحماية والخدمات الأساسية.

وفي عدد قياسي غير مسبوق، وصل عدد النازحين داخلياً إلى 75.9 مليون في نهاية عام 2023، وفقاً لتقرير مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC)، منظمة غير حكومية.

من بين هؤلاء النازحين، 68.3 مليون شخص اضطروا إلى الفرار من ديارهم بسبب الصراعات والعنف، بينما نزح 7.7 مليون بسبب الكوارث الطبيعية. وتُعدّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الأكثر تأثراً بأزمة النزوح الداخلي، حيث يعيش ما يقرب من نصف النازحين، أي 46%، في هذه المنطقة.

وبينما يظهر فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين تتفاقم أزمات النزوح الداخلي، وتُصبح ملايين الأرواح رهينة ظروف قاسية. يفتقر هؤلاء الأشخاص، الذين نزحوا عن ديارهم بسبب الصراعات والعنف، إلى أبسط الحقوق الأساسية. ففي قطاع غزة، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه وحربه منذ أكثر من سبعة أشهر، يواجه الفلسطينيون واقعاً مروعاً من النزوح والتشرد.

وفي السودان، يتواصل النزاع العسكري مُخلفاً وراءه كارثة إنسانية كبرى. حيث تضطر الآلاف من الأسر إلى الفرار من منازلهم، باحثين عن ملجأ آمن.

وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند، "ملايين الأسر تمزقت حياتها بسبب النزاعات وأعمال العنف. ولم يسبق لنا أن سجلنا هذا العدد الكبير من الأشخاص الذين أجبروا على ترك منازلهم ومناطقهم. وهذا حُكم دامغ على إخفاقات عمليات منع نشوب النزاعات وصنع السلام".

وأضاف: "تستمر المعاناة والنزوح إلى ما هو أبعد بكثير من دورة الأخبار. وينتهي مصير النازحين في كثير من الأحيان طي الصمت والإهمال. ولا يمكن لنا أن نسمح باستمرار ما يتحمله الملايين من انعدام الحماية والمساعدة."

غزة.. أزمة النزوح المتكرر

وفي الوقت الذي أصدر فيه مركز رصد النزوح الداخلي تقريره، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في عمليته العسكرية في رفح جنوبي قطاع غزة مما أجبر الآلاف على إعادة النزوح من المدينة التي يُفترض أنها كانت الملاذ الآمن الأخير، في أزمة التهجير القسري المتكررة للمرات الخامسة أو السادسة التي يعيشها أهالي غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبعد إنذار جيش الاحتلال بلزوم الإخلاء في رفح، صرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق في 9 من مايو/أيار الماضي أن الناس ما زالوا ينزحون عن المدينة "بدافع الخوف"، مضيفاً أنه منذ بدء العملية البرية جرى تهجير نحو 80 ألف شخص.

ووفق بيانات الأمم المتحدة، نزح نحو 20% من سكان غزة مرة أخرى في الأسبوع الماضي، بما في ذلك من رفح في جنوب وشمال غزة. فيما وصل أعداد النازحين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى مليون و700 ألف حسب أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

وحذرت الوكالة الأممية من أن أوامر الإخلاء الأخيرة والنشاط العسكري المكثف في رفح أدى إلى التراجع عن توسيع نطاق خدمات التغذية، بينما يستمر عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في التزايد.

فيما أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن عمليات النزوح والتهجير القسري التي تنفذها إسرائيل غير قانونية. معتبرةً أن خطورة التهجير القسري أنه جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي، إذ قد لا يتمكن العديد من المدنيين من الاستجابة لتحذيرات الإخلاء بسبب الحالة الصحية، أو الإعاقة، أو الخوف، أو عدم وجود أي مكان آخر يلجؤون إليه، وحثت المنظمة المجتمع الدولي على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المزيد من الفظائع.

كما أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن الأثر الأكبر على أزمة النزوح هو على الأطفال إذ "يتعرّض كل طفل في جميع أنحاء غزة لأحداث مؤلمة للغاية، ويشاهد أهوالاً لا ينبغي لأي طفل أن يراها". ووفق التقديرات فإن نصف النازحين داخلياً هم من الأطفال الذين يعانون تدهوراً في الصحة وسوءاً في التغذية وفقدان التعليم.

السودان.. أكبر أزمة نزوح في العالم

في 16 أبريل/نيسان الماضي، دخلت الحرب في السودان عامها الثاني مخلّفة أكبر أزمة نزوح في العالم حيث هُجّر 10.7 مليون شخص من ديارهم بينهم 9 ملايين نازح داخلياً نصفهم من الأطفال.

ويمثل السودان حوالي 13% من جميع النازحين داخلياً على مستوى العالم، وحوالي 1 من كل 8 نازحين داخلياً في جميع أنحاء العالم هو سوداني.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فضلاً عن أن السودان لديه أعلى معدل نزوح داخلي باعتبارها "أسوأ أزمة في العالم والأكثر تعقيداً وشدة" فإن السكان أيضاً يواجهون مخاطر انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد.

ويواجه 20.3 مليون شخص في السودان الجوع الشديد، وأكثر من 70% من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع خرجت عن الخدمة، و19 مليون طفل خارج المدارس.

وانتقد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني الماضي التعاطي الدولي مع أزمة السودان بقوله: "رغم الخسائر البشرية المروعة، لم تعط الاستجابة الدولية للنزاع الأولوية لحماية المدنيين، أو ضمان محاسبة الأطراف المتحاربة على تجاهلها الصارخ للقانون الإنساني الدولي، أو ضمان حصول المدنيين على الأقل على المساعدة".

"غيض من فيض"

في السنوات الخمس الأخيرة ارتفع عدد النازحين داخلياً جراء نزاعات بـ22,6 مليوناً مع زيادة كبيرة خصوصاً في العامين 2022 و2023.

وما زالت بعض البلدان مثل سوريا واليمن تشهد أزمات نزوح داخلية. وفي سوريا وبعد 13 عاماً من الحرب، أصبح الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا في أسوأ حالاته حيث يوجد 3.4 مليون شخص نازح داخلياً مع ازدياد 2.9 مليون شخص في العام الماضي، حسب بيانات الأمم المتحدة.

أما في اليمن، حيث يقدر عدد النازحين داخلياً بنحو 4.5 مليون شخص، يواجه هؤلاء النازحون خطراً مُضاعفاً، مع انخفاض إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش.

يُضطرّ الكثيرون إلى اللجوء إلى آليات قاسية للبقاء على قيد الحياة، مثل تخطي وجبات الطعام، والتسرب من المدارس، وعمالة الأطفال، والاقتراض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، بل وحتى الزواج المبكر.

إضافةً إلى الحروب التي تعتبر من فعل الإنسان، تسببت الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف والزلازل وحرائق الغابات وغيرها من الكوارث في 26.4 مليون حالة نزوح في عام 2023، وهو ثالث أعلى إجمالي سنوي للنزوح في السنوات العشر الماضية.

وتقول ألكسندرا بيلاك مديرة مركز رصد النزوح الداخلي: "إن الملايين الذين أجبِروا على الفرار في عام 2023 لم يكونوا سوى غيض من فيض، أعداد لحقت بعشرات الملايين من النازحين داخلياً الذين أجبِروا على الهروب سابقاً من النزاعات والكوارث وأعمال العنف السابقة والجارية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً