تحكي الأسطورة الأمازيغية أن راعية أغنام عجوز تأففت من حلول يناير، فغضب منها واستعار أياماً من فبراير ليمدد ساعات بردِه حتى قضى على كل قطيعها. هكذا يؤول الأمازيغ احتفالهم برأس السنة الأمازيغية، والتي تحل في ليلة 11 يناير/كانون الثاني من كل عام.
فيما حساب السنوات الأمازيغية يأخذ مرجعية حدث تاريخي، هو حكم الملك الأمازيغي شيشنق الأول مصر سنة 950 ق.م، وتأسيسه الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي حكمت البلاد لقرنين متتاليين.
وبين الأسطورة والتاريخ، يحتفل شعوب المنطقة المغاربية ليلة الثلاثاء بحلول السنة 2972 من تقويمهم بطقوس توارثوها أباً عن جد. كما يجعلون منها فرصة لرد الاعتبار للثقافة الأمازيغية والاعتراف بها كهوية لهذه المنطقة من شمال إفريقيا.
احتفالات النَّاير
النَّاير أو إيض النَّاير أو الحاكوزا هكذا يسمي الأمازيغ احتفالات رأس السنة الخاصة بهم. والذي يخلدونه بلقاءات تجمع الأحباب والأقارب، يسودها الفرح وتؤشر على الموقع المحوري للأسرة داخل الثقافة الأمازيغية. إذ يتبادلون التبريكات بلغتهم الأم قائلين: "أسكاس أمكاز" أو "أسكاس أماينو"، حسب اللهجات التي ينحدرون منها.
وتحضر على المائدة مأكولات خاصة بهذه المناسبة. كطبق تاكلا في الجنوب المغربي، وهو عصيدة تتكون من دقيق الذرة الذي يطبخونه بالعسل والسمن أو زيت أركان. وفي مناطق أخرى يطبخون حساء بركوكش، وهو نوع من المعجنات المكورة الصغيرة، يفتلها النسوة من مزيج الدقيق والماء.
فيما يشكل هذين الطبقين مسرح لعبة يتنافس فيها الأهل، إذ توضع في الصحن الكبير الذي يجتمعون عليه نواة تمر، ومن يجدها يُعتقد بأنه موعود بالحظ الوفير في العام الجديد. وبعد ذلك يضعون طبقاً كبيراً من الفواكه الجافة والمكسرات، في دلالة على الطابع الفلاحي للثقافة الأمازيغية.
وفي منطقة القبائل الجزائرية يحتفل سكانها برأس السنة الأمازيغية بإقامة طقس الوزيعة، فيجتمع أهل المداشر (القرى) ويشتركون في شراء عدد من الذبائح، ثم يوزعون لحومها بينهم لإقامة ولائم الاحتفالات في الليل.
أما قديماً، فكان الأمازيغ في صبيحة ذلك اليوم يجددون طلاء بيوتهم بالجير، ويعدون أطعمتهم الاحتفالية، ويأخذون لُقيمات من الطبق قبل الشروع في تناوله، ويضعونها على عتبة البيت وفي أركانه إكراماً لكل حي يجاورهم، وإحلالاً للبركة حسب الاعتقاد السائد.
احتفال يبحث عن اعتراف رسمي
منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمهتمون بالثقافة الأمازيغية والنشطاء في حركاتها الثقافية يطالبون بترسيم احتفالات "النَّاير" كعيد وطني في البلدان المغاربية.
وأقيم أول احتفال رسمي بذلك اليوم في ليبيا سنة 2008، في ذلك الوقت لم يقصد به نظام القذافي رد اعتبار الهوية الأمازيغية، بل كان كما يبدو استحضاراً فانتازيّاً لأمجاد أمة ليبية سابقة للوطن الليبي.
بعدها، أسهمت انتفاضات الربيع العربي سنة 2011 في ترسيم اللغة الأمازيغية كإحدى اللغات الدستورية للبلدان المغاربية. وكانت الجزائر أول من رسَّمت سنة 2018 احتفالات رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني ويوم عطلة مدفوعة الأجر.
وبهذه المناسبة غرَّد الرئيس عبد المجيد تبون قائلاً: "بحلول السنة الأمازيغية الجديدة 2972، أتمنى كل الخير والرقيّ لجزائرنا الحبيبة، والصحة والعافية لكل الجزائريات والجزائريين.. أسقاس أمقاس".
فيما لا تزال أصوات عديدة في المغرب تنادي بترسيم ذلك اليوم عيداً وطنياً. ردت الحكومة على لسان ناطقها الرسمي، مصطفى بايتاس، الذي قال خلال ندوة صحفية: بأنه "سنحتفل جميعاً بهذا اليوم.. والحكومة الحالية أعطت إشارات قوية بشأن النهوض باللغة الأمازيغية"، متفادياً الإجابة على أسئلة الصحافيين بخصوص ترسيم الاحتفال بهذه المناسبة.